*ناصر السهلي
يضطر كتّاب وصحافيون وأكاديميون في الغرب للذهاب إلى تأكيد بدهيات رفض مساواة “معاداة السامية” مع انتقاد الاحتلال الإسرائيلي، فورقة مماثلة الأمرين التي يرفعها ساسة غربيون لا ترتبط بانتفاضة الجامعات فحسب، بل بتوسّع التضامن مع الضحايا في غزة. المضايقات والتهديد بأذرع أمنية في الغرب، وبتحريض لوبيات صهيونية ضد تحركات مطلبية مشروعة وواضحة، كسحب الاستثمارات وقطع العلاقة بمؤسسات تعليمية تدعم جيش الاحتلال، تعكس إحباط تل أبيب من ناحية، وتؤسّس من ناحية أخرى، لأجواء “كراهية” مسمومة بحق الفلسطينيين وداعميهم.
بعض النشطاء اليهود الغربيين معادون للصهيونية، وذلك حقهم تحت يافطات حرية التفكير والتعبير، وكرّروا رفضهم تحريض الصهيونية – الدينية ضد حركة التضامن مع فلسطين بحجة “معاداة السامية”، أو بأنها “ضد اليهود”. مع ذلك، واصل تيار التطرّف الصهيوني – الديني لعبته التاريخية في الخلط بين اليهود ورفض جرائم الإبادة. وتلك لعبة يراها أولئك الذين غادروا الكيان منذ سنوات طويلة مساهمة بحد ذاتها في التأسيس لأجواء محرّضة على نخبة المجتمعات الغربية في الجامعات، ما يزيد من عمق الأسئلة حول أدوار الصهيونية فيها. والغريب أن بعض التيارات القومية المتطرفة في أوروبا راحت نكاية بالمهاجرين وبانتهازية، تسوّق نفسها على أنها حريصة على اليهود، المتهمين أصلاً من التيار نفسه بأنهم جزء من نظرية مؤامرة “الاستبدال العظيم” في الغرب.
لا أحد ينكر أنه منذ بداية الحرب على غزة ساهم إحباط غربيين، وأوروبيين بصفة خاصة، من معايير دولهم المزدوجة تجاه روسيا في أوكرانيا وإسرائيل في غزة، بزيادة رفضهم معاملة الاحتلال كبقرة مقدسة. وذلك ما يظهره إطلاق الصهيونية – الدينية النار على الجميع، باستدعاء كذبة أن “الجميع ضد إسرائيل”، فتيار ابتزاز سياسات أوروبية يزيد مساعيه لتوريط أطراف أخرى في جرائم الإبادة. فلا يسلم من خطاب العداء (لإسرائيل) حتى من يبدي “حرصاً على مستقبل إسرائيل”، كما يفعل الرئيس الأميركي جو بايدن. مع أن البروباغندا لا تصمد أمام حقائق يصر مطلقوها على الخلط بين معاداة اليهود، بمفهومها الغربي، ورفض الاحتلال ودولة الأبرتهايد في فلسطين.
على كل، منذ انطلق الحراك الرافض للحرب على غزة زادت عمليات التحريض بحق الناشطين. ومقابل استهداف عشرات الفلسطينيين ومؤيديهم في الغرب لم تستطع البروباغندا الصهيونية، ولا حتى بمساعدة بايدن وبقية الجوقة، تقديم أن متضامنين مع فلسطين استهدفوا يهوداً لأنهم يهود، لا في احتجاجات في الشارع، ولا في أروقة الجامعات أو المؤسسات الأكاديمية، حيث مستويات المكارثية ومحاكم التفتيش تفضح النفاق السياسي حين يتعلق الأمر بحماية الاحتلال.
أمام أعين واشنطن وأوروبا، يمارس وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير، وبقية معسكر الفاشية، ممارسات قطّاع طرق وعصابات إرهابية على أرض النقب، كما تتواصل عمليات تدمير المنازل في الضفة الغربية والقدس المحتلين، واستخدام الإعدام الميداني والتنكيل بمدن فلسطين وقراها، في سياق وسائل الترهيب الصهيوني عبر التاريخ. مع ذلك، يدّعي البيت الأبيض ووزارة خارجيته، مثلما تدّعي أطراف أوروبية، الحرص على “السلام والاعتدال”، كشعارات لترويض العقل الفلسطيني والعربي للقبول بأهداف صهيونية، محميّة أميركياً، في السطو المسلح على الأرض وعلى ممتلكات وأرواح شعب كامل، حيث لا تعترف بالأصل بوجود الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي. حتى إبداء الحرص على “سمعة إسرائيل” لا يشفع لبايدن كي لا يتلاعب به بنيامين نتنياهو على حبال المراهنة على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. بايدن الذي صبّ قنابله على غزة بجسور جوية وبحرية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هو نفسه الذي يصير “عدوّا” لإسرائيل، إذا ما طالب بخجل أن يقلّل الصهاينة فضح ازدواجيته ونفاقه.
*نشرت في العربي الجديد يوم 10 أيار / مايو2024
Leave a Comment