زهير هواري
بيروت 29 نيسان 2024 ـ بيروت الحرية
قرر المجلس النيابي الأسبوع الماضي إرجاء الانتخابات البلدية مجدداً حتى أيار من العام 2025 ، ما يطرح العديد من الأسئلة حول الدوافع التي أملت على السلطة التشريعية اتخاذ هذا الخيار، رغم تأثيراته الفادحة على انتظام سير عمل وخدمات الهيئات البلدية، وما يرتبط بها من تنمية محلية، وحلول للكثير من المشكلات التي تعاني منها القرى والبلدات والمدن، التي ترزح تحت وطأته في ظل الانهيار العام، وما يطالها من عجز عن تنفيذ العديد من المشروعات التي تنعكس إيجاباً على المواطنين المتضررين.
ويعتبر القانون الذي أقره المجلس النيابي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة عام إضاoutlet geox spaccio online 24 bottle blundstone outlet jordan 5 gore-tex vanessa wu lsu shop will levis jersey marsupio mandarina duck guardiani scarpe narrow fit borse y not al 70 di sconto saldi falconeri borse ynot geox black friday jordan travis jersey في، بمثابة طعنة إضافية للحياة الديمقراطية والتمثيلية في البلاد. وهو تكملة لطعنات سابقة لم تعد تقتصر على تأجيل الانتخابات البلدية بما تعنيه من تفعيل للشؤون التنموية المحلية في حوالي 1060 مجلس بلدي، منها 120 بلدية منحلة، والعشرات غيرها تعاني من شلل نتيجة تركيباتها العائلية والحزبية والفئوية. وهو ما يذكِّر بتكرار التمديد عدة مرات خلال سنوات الحرب الاهلية. واستمر هذا الشلل بعد توقفها، ولم تتم العودة عن هذا التوجه إلا بعد حملات شعبية ومدنية عمت القرى والبلدات والمدن، تمحورت حول ضرورة إجراء الانتخابات البلدية، كحق تمثيلي للشعب اللبناني في انتخاب ممثلي سلطات محلية لإدارة شؤونه. وقانون التأجيل الراهن يجب أن يضاف إلى عجز المجلس النيابي عن إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية الشاغر، والذي لم تنجح اللجان والوساطات والمبادرات المحلية والخارجية في إخراجها مما تتخبط به، رغم حاجة البلاد الملحة لذلك كمدخل للحضور في المعادلة الإقليمية والدولية، وفي الداخل لتحقيق الاصلاح وانتظام عمل المؤسسات سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الأمني أو الاجتماعي. لذا يلحظ المواطنون مدى تعمق حال الانهيار والذي يشمل يومياً مجالات إضافية في المرافق كافة، ما يدفع ثمنه المواطنون، ويهدد بخطره الكيان ووحدة البلد وأهله وبقاء مؤسساته.
والحقيقة التي يجب أن تقال هي أن الفريقين المهيمنين على المجلس النيابي واللذين تباريا في إلقاء “القصائد ” حول صحة موقف كل منهم. كلاهما كانا متواطئين بهذا الشكل أو ذاك على الوصول إلى هذه الخاتمة، فالذين جاهروا أنهم ضد إجراء الانتخابات البلدية انطلقوا فعليا من مبدأ رفض تعريض “وحدة صفوفهم” للاهتزاز تحت وطأة منوعات الكارثة التي عرفتها البلاد من الانهيار الاقتصادي إلى جريمة تفجير المرفأ وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية والعجز عن الا صلاح، لذلك تكافلوا وتضامنوا نحو تحقيق هذا الهدف، وصولاً إلى صياغة مشروع بالتأجيل لسنة كاملة وليس لعدة أشهر، أو حين تصبح البلاد جاهزة لتنفيذ هذا الاستحقاق. أما المعارضون الذين ألقوا قصائد الهجاء بالقرار فلم تبدر منهم أي محاولة لفرض الاستحقاق من خلال تقديم طلبات الترشيح إلى وزارة الداخلية، وتنظيم حملات إعلامية وتشكيل لوائح فعلية وطرح تحركات وبرامج تظهر أهمية هذا الاستحقاق على صعيد التنمية المحلية، وتجديد دماء الهيئات التمثيلية المحلية، بما يعيد تفعيل الحياة السياسية. وعليه، فقد بدا وأن فريق ما يسمى بالمعارضة بدوره متواطئ مع الآخرين في الوصول إلى مثل هذه النتيجة.
لقد عرض النواب من كلا الاصطفافين آراءهم حول الموضوع، وتبين منه أن الذريعة الأبرز التي كررها مؤيدو التأجيل، تتمحور حول الظروف الاستثنائية التي يعيشها الجنوب اللبناني ولاسيما المناطق المستهدفة بالعدوان الصهيوني اليومي، والتي تتمدد لتشمل مناطق البقاع الشمالي وأجزاء من الجبل والعاصمة أحياناً. ومع أن الظروف الأمنية واضحة ولها مسرحها الأصلي وامتداداتها، وكان يجب أن تدفع إلى ابتكار حلول واقعية ومقبولة، إلا أن الحكومة ومعها أكثرية المجلس النيابي تجاهلا ذلك وقررا معا، ضرب عرض الحائط باعتماد قرارات تقضي بتعليق الانتخابات في المناطق الواقعة في دائرة الخطر، واستثناء الباقي، بما يؤدي إلى إجراء هذا الاستحقاق في معظم المناطق اللبنانية، والتي هي بأمس الحاجة لتجديد هيئاتها التمثيلية المنتخبة، وبالتالي يقود ذلك إلى تحريرها من الاختناقات التي تعاني منها، والتي نجمت عن تحالف كل من أطراف السلطات الطوائفية بالتحالف مع التركيبات العائلية، ما جعل من معظم البلديات مجرد ملاحق بالقوى السياسية – الطائفية المهيمنة.
واذا صح أن الاعتداءات الإسرائيلية بمثابة سبب للتأجيل فذلك يطرح سؤالا جوهريا حول تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية في العام 2022، فحينها لم تكن الأوضاع الأمنية في الجنوب مختلفة عنها في باقي المناطق اللبنانية، مع ذلك أفتى المجلس النيابي بتأجيلها لمدة عام كما هذه المرة تحت ذريعة عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتأمين المستلزمات اللوجستية. ومع كل عملية تأجيل تبرز مفارقة واضحة أو فاضحة، تتمثل في اعلان وزارة الداخلية عن استعدادها وجهوزيتها لإدارة الانتخابات، وبالتالي تنشر لوائح الشطب، بل وتعلن عن إجرائها في هذه المحافظة أو تلك كما حدث مؤخراً. مقابل قيام الأكثرية بزعامة رئيس المجلس النيابي ومعهم رئيس الحكومة بإعداد مشروع القانون بالتأجيل، وطرحه على التصويت وتأمين توافق الأكثرية على تمريره وكل فئة لحساباتها الخاصة. ما يعني أن التوجه الإجمالي لمعظم مواقع السلطة ما زال هو هو في تعريض المؤسسات والهيئات التمثيلية لمزيد من الاهتراء والتآكل والانحلال، وبالتالي الحكم بعجزها عن تقديم الحد المقبول الممكن من الخدمات التي يجب القيام بها.
إن ما يجب التأكيد عليه للمناسبة هو أن قرار التمديد إنما يعبر عن عزم الأكثرية النيابية على إبقاء البلاد غارقة في عملية تعطيل المؤسسات ومنعها من تطبيق استحقاقاتها في مواعيدها الدستورية، ما يفاقم من المعضلة الاصلية التي تعاني منها جراء الهيمنة على مقدراتها، واستعمالها لخدمة مواقعها الفئوية، وبما يعمم منوعات الفساد التي تطغى على الحياة البلدية. وبدلاً من أن تعتبر الانتخابات بمثابة مناسبة لتصحيح ما يمكن تصحيحه عبر دخول قوى تمثيلية إصلاحية جديدة في معمعة الصراع، يأتي القانون ليقطع الطريق على أي محاولة انتخابية مهما كانت متواضعة الحظوظ بالنجاح. يحدث ذلك فيما أجهزة الرقابة والتفتيش مشلولة عن كشف الارتكابات التي تتم بتغطية من سلطات الأمر الواقع التي وصلت معها الأمور إلى وضع أيديها الملوثة على الأملاك العامة والمشاعات البحرية والنهرية وعلى الطرقات حتى عندما تتمكن من ذلك، ناهيك عن نهب شركائها في المصارف أموال ومدخرات المواطنين.
إن أقصر طريق لاستمرار التغطية على الفساد المستشري في الحياة البلدية والاختيارية هو تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية بقوة الامر الواقع الميليشياوي، ولعل ما كشفته الأشهر السابقة في دوائر الدولة العقارية وغيرها من المؤسسات والمواقع، كان يجب أن يستكمل وينسحب ليصل إلى وضع مئات رؤساء البلديات والمختارين تحت مشرحة المساءلة والمحاسبة الفعلية، وهم الذين نفذوا عمليات التواطؤ على مسلسل الفضائح التي اكتشف بعضها، وجرت لفلفته باعتباره يطال القوى الطائفية النافذة التي راكمت ثروات بالملايين وضعت يدها عليها من الأموال والاملاك العامة والخاصة المنهوبة. ويبقى المؤكد أن ما حدث وجرى كشفه هو غيض من فيض في التعدي على حقوق المواطنين ومصالح أجيالهم الشابة، ومعهم كل الحريصين على بناء مؤسسات تمثيلية شفافة ومساواة ومساءلة ومواطنيه.
إن تٌحميل القوى النافذة في منظومة السلطة وكل من شاركهم، المسؤولية عن هذا الخلل المضاعف، يجب أن يترافق مع إدانة هذا التوجه التدميري في تعطيل الحياة الدستورية والديمقراطية بمواقعها المتعددة، وإلى ممارسة الضغوط على السلطة التشريعية وعلى الحكومة لتأمين الدعوة إلى هذا الاستحقاق في أقرب وقت ممكن، وفي الوقت نفسه دعوة القوى المعارضة إلى تنظيم صفوفها لخوض معارك تنمية واستنهاض شعبي وتمثيل حقيقية في مواجهة لوائح السلطة ورموزها المحلية. إن تحقيق ذلك ممكن ومتاح متى توحدت القوى والمطالب واللوائح لخوض معركة الإنقاذ، ووضع حد لسياسات وممارسات الإفلات من العقاب التي تمارسها قوى تحالف السلطة السياسية ـ المالية، ومنظومة الحكم التي أوصلت البلاد إلى هاوية باتت تهدد مصير اللبنانيين ووطنهم.
Leave a Comment