أشقر: “نحتاج إلى جبهة إنقاذ تُحدّد أولويات… ولا يكفي أن نكون لاطائفيين بل أن نبني الموقع”
*حسان الزين
يعمل بول أشقر منذ خمسة عقود في الشأن العام اللبناني، من موقع لاطائفي ومستقل. كتب، حاور، نشّط حملات وتحرّكات تندرج تحت عنوان عريض هو استعادة الدولة ووحدة الشعب. لعلّه حالم، لكنّه واقعي أيضاً. وقد راكم خلال مسيرته الطويلة والمتنوّعة، والتي أخضعها للتقويم، خبرة ومعرفة مكّنتاه من الجمع بين الحلم والواقعية. وإذ خسر صوته لأسباب صحية، لم يستسلم بل ما زال بهمّته التي لا تُجارى. terre de marins marella outlet le creuset bräter borsa y not blundstone outlet deuce vaughn jersey vanessa wu basket 24 bottles clima smith and soul why not borse marella black friday scarpe tata florida state football jersey outlet geox spaccio online gabba castelli والأهم أنه ما زال يحمل بيده ذاك الضوء المشتعل من عقله وقلبه، ويبحث في الوطن المعذّب عن طريق تفضي إلى دولة ديمقراطية عادلة يتساوى فيها اللبنانيون واللبنانيات. معه هذا الحوار الضروري لأهمية الاستماع إلى خلاصاته وأفكاره وتجربته.
كيف تصف البلد اليوم، بعد حوالى نصف قرن على اندلاع الحرب في 13 نيسان 1975؟
الجواب القاسي هو: «أي بلد؟». إذا البلد أو الوطن كناية عن دولة وشعب، يجوز السؤال مع زياد الرحباني: «وين الدولة؟». وكذلك، يجوز الجواب بأغنيته أيضاً: «قرطة عالم مجموعين». لم تمر يوماً الدولة في وضع تحلل وانحطاط كما هي حالها اليوم. لم يتبخر يوماً الشعب كما هو اليوم، مقسّم إلى أرخبيل من الجزر. صحيح أنه لم يكن لدينا يوماً دولة ولا شعب بالمفاهيم والمقاييس البديهية، ولكن لم نصل يوماً إلى القعر الذي وصلنا إليه اليوم. بصراحة، الكلام لم يعد يفيد كثيراً، لأننا وصلنا إلى واقع ليس فيه لا دولة ولا شعب ولا اقتصاد ولا دور ولا موقع في العالم، ولا حتى حلم صغير. ما يفيد هو الانطلاق من السؤالين الآتيين: الأول هو من أين نبدأ لنصل إلى دولة؟ لا أريد أن أقول «عادلة» إنما «لائقة» بهؤلاء الناس الذين تراهم يعرفون كيف تكون الدول عندما يخرجون من البلد وينسون كل ذلك لدى عودتهم إلى لبنان. والثاني هو من أين نبدأ لنكون شعباً؟ ولا أريد أن أقول «موحداً»، يكفي الآن أن يكون «غير مفعول به».
وكيف تنظر إلى الأحزاب السياسية الموجودة؟
حدث أمر مهم خلال الحرب لا نستطيع القفز من فوقه لأننا ما زلنا نعيش ذيوله: مع بدء الحرب، بدأ هدم الدولة. ومع نهاية الحرب، تكرّس هدم الدولة. وللوصول إلى ما وصلنا إليه، تغلّب «الطائفيون الجدد» على النظام الطائفي التقليدي. قبل الحرب، كانت الأحزاب، كلّها تقريباً، أحزاباً مختلطة. وقبل الحرب، كانت المناطق متنوعة وحياتها الثقافية ناشطة. لحظة اندلاع الحرب هي لحظة تصحير المناطق واغتيال حياتها الثقافية وتنوعها. وما لم يتم تصحيره في بداية الحرب، كالنقابات مثلاً، أُغتيل بعد نهايتها. خطوط تماس الحرب بقيت في أيام السلم. ما أفقر عقل البلد وحوّل ناسه إلى كائنات طائفية.
وحتى الأحزاب التي لم تشارك في الحرب، أعني الحريرية والعونية، التي لم تكن مجرد ظواهر طائفية في بداياتها، تطبّعت وتحوّلت في فترة السلم إلى أحزاب لم يعد من الممكن تمييزها عن أحزاب الحرب. يجب التوقف عند هذه الظاهرة الغريبة، لأنها تثبّت تغلّب النظام النيوطائفي على النظام الطائفي التقليدي. ميزة أحزاب السلطة، سواء أشاركت في الحرب أم لا، هي أنها صارت أحزابَ زعماء طوائف أو أحزاب – طوائف تحتكر تمثيل طوائف وكانتونات. ما يطرح مشكلة نادراً ما نتوقف عندها، وهي أنه قبل الحرب، كان السياسي يتكلم باسم الشعب. اليوم، لم يعد أحد من السياسيين يتكلم باسم الشعب، كل واحد يتكلم باسم جماعته أو بيئته كما يقولون. وإن أخطأ أحدهم واستعمل عبارة الشعب تراه يسارع إلى إضافة «بكل مكوّناته». يعني ذلك أن سياسيي لبنان لم يعودوا بحاجة إلى برامج. لماذا البرنامج؟ برنامج كلّ منهم هو الدفاع عن مصلحة طائفته واستحصال ما يسميه حقوقها. هذا يساهم في إفقار عقل البلد وتهديم الدولة وتقسيم الشعب أيضاً.
ولكي لا نظلم أحداً، حتى الظواهر اللاطائفية، مثل سليم الحص ونسيب لحود، «زحلقها» نظامنا المفسِد إلى مواقع طائفية كانت برّاءً منها. فنظامنا له قدرة هائلة على إغراء الناس وإغراقهم. لذلك، لا يكفي أن تكون لاطائفياً، عليك أن تبني الموقع اللاطائفي الذي يضع في بوصلته كيفية تحاشي الانزلاق إليها، وإلا ستأكلك الطائفية. الموقع اللاطائفي لم ينوجد خلال المئة سنة من تاريخ البلد. واللاطائفية الموجودة في بعض الأحزاب العقائدية كانت نتيجة لعقيدتها، لا كمعطى قائم بذاته، لا كبوصلة، لا كحاجة. والمحاولات اللاطائفية كانت نخبوية وهشة، كالحزب الديموقراطي، ولم تتقاطع مع الناس. في بلد مثل لبنان، اللاطائفية يجب أن تكون بوصلة التغيير.
لنتوقف هنا عند معضلة «حزب الله»!
في النظام الحالي، إنها معضلة عويصة، ولن تجد لها حلّاً إلا بالفعل السياسي وبلبنان لاطائفي. الاكتفاء بالتحريض، الآتي منه أو الموجّه ضده، خطير بحق البلد، إذ إن الأفضل دائماً هو أن تراهن على حل غير مضمون من أن تشتري مشكلاً أكيداً… جذور المشكلة أن «حزب الله» لم يعرف النظام الطائفي التقليدي، بل ولد بعد اغتياله في عام 1975. ولم يبقَ في لبنان إلا أحزاب انعزالية. «حزب الله» هو الحزب الانعزالي الأكبر والأشطر، والآخرون أحزاب انعزالية أصغر وأقل شطارة. وعلّمتنا الحرب أن عزل الانعزالي يقوّيه ولا يضعفه. «حزب الله» اليوم مثل «القوات اللبنانية» في الثمانينات، ولكن بقوة مضاعفة مئة مرة. ولأن «حزب الله» هو الأقوى، فإن المراجعة الأعمق لتأقلمه مع لبنان جديد مندمج، وتخطي الجزر المقفلة والبيئات المتجانسة، أمران مطلوبان منه. عليه أن يقدم التنازلات قبل غيره، ولكن ليس إلى فلان أو علان إنما إلى الدولة، وخصوصاً في ملفي الأمن والدفاع. فوراً في الملف الأول، وبعد تفاوض مع الجيش اللبناني للوصول إلى نوع من «التسليم والتسلم» في الملف الثاني. «حزب الله» أمام خيار استراتيجي، وهو لاعب أساسي للوصول إلى «تسوية تاريخية» نحتاج إليها جميعنا.
كيف تقرأ موضوع الطائفية، وكيف تصف ما وصلنا إليه؟
أولاً، فلنعترف أن الطائفية تقدمت. لقد احتلت مساحات جديدة. انتشرت في كل جوانب الحياة العامة والخاصة. هذا التوصيف واقعي وضروري ويجب أن ننطلق منه، لا من رغباتنا أو أحلامنا. أتجرأ وأقول إن هذا مطمئن لكونه يدلّ على أن الطائفية حالة متحركة وحيّة، وليست معطى جامد ودائم. فكما نَمت يمكن أن تنحسر، وكما تقدمت يمكن أن تتراجع. من هنا، للتصدي لهذا الموضوع، علينا أن نبدأ من سؤال صريح: هل من الممكن أن نوقف هذا التمدد؟ ثم هل نستطيع أن نجعلها تتراجع ولو خطوة إلى الوراء وكيف؟
كي نستطيع أن نتدخل بشكل مجدٍ في هذا الموضوع، علينا أن نأخذ في الاعتبار هواجس الطوائف وليس طموحاتها. وهذا فارق أساسي بين من يقارب اللاطائفية إنطلاقاً من رغبته ومن يحاول أن يعالجها إنطلاقاً من الواقع. من واجب الفكر اللاطائفي أن يأخذ في الحسبان هواجس الطوائف إذا ما أراد أن يؤثر في الواقع. إذا أخذت في الاعتبار طموحات الطوائف، تلغي الشعب والدولة. أفهم أننا صرنا بحاجة إلى دولة جدّية، إلى إصلاح جدي يذهب إلى جذور المشاكل ويضعنا في الطريق الصحيح الذي يقود إلى دولة حقيقية، ولو بعد فترة. دولة تكون أقوى من الطوائف، ولكن في الوقت ذاته، على هذا البرنامج التغييري أن يأخذ في الحسبان هواجس الطوائف. أعطي مثلاً له علاقة في سبب وجود أي دولة في العالم: لا يوجد دولة لا تحصي سكانها، كل خمس سنوات مثلاً. أريد دولة تحصي شعبها.
يجب أن نحصي الشعب اللبناني، الأسر وأعدادها ومهن المعيلين والمعيلات ومستوياتهم التعليمية وأماكن الإقامة… إلخ. وإلا لا يوجد دولة ولا من يحزنون. لا دولة بدون إحصاء. لا نلغي الدولة لكي لا نعمل إحصاء. نعمل إحصاء ولا نعدّ طائفيّاً. أصلاً، في كثير من دول العالم، السؤال عن الطوائف غير موجود في الإحصاءات.
لم يكن يوماً في تاريخ هذا البلد التصدي لإشكالية الطائفية بالصعوبة التي هي اليوم. هذه حقيقة، ولكن لا يفيد أن تقول الجزء الأول من الحقيقة دون إكماله بالجزء الثاني. والجزء الثاني هو: ولم يكن يوماً في تاريخ هذا البلد التصدي لإشكالية الطائفية بهذه الضرورة.
لم يعد ممكناً في القرن الواحد والعشرين تصنيف اللبنانيين واللبنانيات. كلنا لدينا الحقوق والواجبات نفسها. وإلا لا يوجد دولة ولا يوجد شعب. لا تعذب نفسك! كيف أستطيع أن أشرح لصبية درزية أو لشاب أرثوذكسي أنهما لا يستطيعان أن يشغلا هذا المنصب أو هذه الوظيفة، وفي الوقت ذاته أن أحصّن الشعب وأبني الدولة؟ هل تعتقد أن المواطنين، بمن فيهم الموارنة، يريدون أن يستعيدوا ودائعهم أو يريدون حاكماً مارونياً في المصرف المركزي؟ هل تعتقد أن المواطنين، بمن فيهم الشيعة، يريدون أن يعلموا أبناءهم في جامعة ذات مستوى أو يريدون رئيساً شيعياً للجامعة اللبنانية؟ هل تعتقد أن المواطنين، بمن فيهم السنة، يريدون قوى أمنية فاعلة أم يريدون قائداً سنياً لها؟
هذا الكلام يفترق عن الخطاب العلماني السائد، ولاحظت أنك لم تستعمل كلمة علمانية واستبدلتها باللاطائفية، لماذا؟
أعتبر نفسي علمانياً واقعياً، وديموقراطياً بالتأكيد، ولكني لا أصرح باسم العلمانية. لست علمانياً غيبياً. لاطائفيتي ليست آتية من الرغبة والعقيدة بل من الحاجة ومن ضرورة إعادة إرساء البلد، دولة وشعباً. دعني أحاول الإجابة: أولاً، أنا لا أعتقد أن الشعب اللبناني مقسّم إلى «طائفيين» و»علمانيين». أُعطي مثلاً بسيطاً: مواطن تقدم ابنه إلى وظيفة عامة، إذا نجح في الامتحان وأسقطه النظام بسبب الكوتا الطائفية، تحول إلى علماني. أما إذا سقط ابنه وأنجحه نظام الكوتا الطائفية، فيتحول إلى طائفي. ثانياً، عندما تهب الحرب الكونية السنية – الشيعية أو الحروب اللبنانية – اللبنانية على اختلافها، «العلماني الغيبي» يقول أو يفكر: «فخّار يكسّر بعضه». اللاطائفية لا تعتبرهم «فخاراً» ولا تريدهم أن يتكسروا، تريد أن تتعاطى معهم وأن تتدخل بينهم. أعتقد أن التقسيمات بين طائفيين وعلمانيين انتجها النظام، وأن خط التماس بين الطائفية واللاطائفية يمر داخل كل فرد.
ما رأيك بالدعوات إلى توحيد حالات الاحتجاج وقوى الاعتراض، وإلى تأسيس حزب أو أحزاب؟
مشاكل هذه البلد لا يستطيع أن يعالجها حزب بمفرده. عمق المشاكل وتنوعها وطبيعة الانهيار الذي يعاني منه البلد، كلها أمور تتطلب إجابات جماعية ومجتمعية وليس جواباً حزبياً. لا نحتاج الى أناس يشبهون بعضهم ويحاولون أن يكرروا ما قاله قبلهم الأمين العام. لا نحتاج أصلاً إلى أمين عام… نحتاج إلى أشخاص متنوّعين يوظفون تكاملهم في خلق دينامية جديدة، يتفقون على قراءة مشتركة لواقع البلد وعلى عدد من الأولويات.
أي قراءة مشتركة؟
دائماً إشكالية الدولة والشعب، صار مفروضاً علينا أن نبدأ من سؤالين وتوافقين: كيف نعيد بناء الدولة وتوحيد الشعب؟ وإن لم نبدأ من هذين السؤالين، أخشى ألا نصل إلى أي مكان. التوافق الأول هو على تجميع الناس التي لها مصلحة بدولة جدّية إذ لم يعد ممكناً التساهل مع هذا الموضوع. الترقيع بات مستحيلاً. نحتاج إلى دولة أقوى من الطوائف. دولة مستقلة عنها تراعي هواجسها فقط لا غير. علينا تجميع كل مَن يود أن يعمل على تغليب الدولة على الطوائف وتحديداً على طائفته. الحل ليس بتحكم طائفة بالدولة، ولا بتقاسم الدولة بين الطوائف كما يجري تقاسم الغنائم. الخروج من القعر يتطلب دولة أقوى من الطوائف، دولة تستمد سيادتها- حتى قبل سلطتها- من الأفراد. التوافق الثاني يجب أن يدور حول الشعب. يتكاثر الحديث همساً وجهاراً وفي أوساط مختلفة، وهو آت من أرخبيل كانتونات الشعوب اللبنانية الانعزالية، أنه لا يمكن العيش «معهم». وهذه «المعهم» تتبدل من طائفة أو فئة إلى أخرى. على الناس الذين يؤمنون بوحدة الشعب اللبناني ويريدون حمايتها وترسيخها وتوسيعها وتطويرها أن يتجمّعوا. وعلينا ببساطة أن نبدأ العمل من القراءة المشتركة في شأن هذين التوافقين.
وماذا عن الأولويات التي ذكرتها؟
إطار وبرنامج حديثان. هذه عدة شغل أي عمل سياسي. يحددها المبادرون ومن يشاركهم في تجربة التوافقين. دولتنا تفرط وتتفسخ وتهرّ كل يوم، وكذلك شعبنا. فماذا تفعل؟ لديك بيت وبدأ ينهار. ماذا تفعل؟ تبدأ بوضع دعامات، وفي الوقت ذاته تخطط لبناء بيت جديد على أسس أكثر متانة. برنامج أولويات يعني برنامجاً ليس علمانياً ولا حزبياً، بل برنامج أولويات لاطائفي… برأيي 20 أو 25 أولوية كحد أقصى، وفق منطق يتفق حوله المبادرون، حيث يقبلون بخطوات انتقالية شرط أن تكون هادفة، وتأخذ في الحسبان هواجس الطوائف وتقرّبنا من الحل المنشود. على اللاطائفية أن تأتي بأجوبة وبأولويات مقنعة ليس في موضوع الطائفية فحسب، بل في موضوع استعادة الدولة وفي الإصلاح السياسي وفي السياسة الأمنية والخارجية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية. وكل ما يهم المواطن. ثمة خميرة عاقلة عند اللبنانيين واللبنانيات، ومن الممكن رصدها خصوصاً خارج لبنان، هي مواطنون عاديون، ليسوا أحسن ولا أسوأ من غيرهم، ويتصرفون بشكل لاطائفي. من هنا، علينا أن نضع عقلنا في رأسنا ونحدد ما هي الأولويات ونوصل صوتنا إلى الناس ونقترح عليهم ليس «بلد الأحلام» بل دولة لائقة بهم.
ماذا تعني بدولة لائقة؟
خذ مثلاً أزمة الفراغ التي صارت تتكرّر كل ست سنوات أو عند كل تغيير حكومي. هذا واقع لا يليق بي وبك ولا بأيٍّ كان. عشيّة الاستقلال، عُقدت صفقة بين زعماء الطوائف الثلاث الكبيرة، وقد تقاسموا بواسطتها الرئاسات، وسميت عرفاً مع أنها في الحقيقة صفقة. ومع مرور الوقت، تشوهت هذه الصفقة. وبعدما كانت كل رئاسة معقودة لشخص من تلك الطوائف، صارت ملكاً للطوائف قبل أن يقال إنها من حق الطرف الأقوى في كل طائفة. ووصلنا إلى ما وصلنا إليه. أجزم أنه لو لم تكن هذه الصفقة موجودة، لما عرفنا الفراغ القاتل الذي صار بدوره «عرفاً».
يقول مثل فيتنامي: «الدرج يُشطف من فوق لتحت». يجب استبدال عرف السياسيين بعقد ناضج بين المواطنين، يلغي مذهبية الرئاسات (وهذا لا يتطلب تعديلاً دستورياً). وفي الوقت نفسه، الاتفاق على أنه إذا ما كان رئيس الجمهورية من المسلمين يكون رئيس الحكومة من المسيحيين، والعكس صحيح. هذا التدبير أو الخروج من الصفقة ليس إلغاء للطائفية. هذا مجرد إلغاء لتعدي الطوائف الثلاث على الرئاسات وتحويلها إلى خنادق وتعطيل البلد. إذا ما فعلنا ذلك، نُحرك المستنقع ونُدخل أكسيجيناً إلى النظام العفن ونُصلح الدولة باختيار الشخص المناسب للمكان المناسب ونبني شعباً لكل فرد فيه الحقوق والواجبات نفسها، وفي الوقت نفسه نأخذ بالحسبان هواجس الطوائف.
خريطة طريق الإصلاح
يعتقد بول أشقر «أننا نحتاج إلى جبهة إنقاذ»، ويرى ذلك «في لحظة ما، أتمناها قريبة»، من خلال «تداعي 200 أو 300 شخص، لديهم كفاءات تكاملية كأفراد، ويجمع بينهم عقد حول هذين التوافقين على سبيل المثال».
ومن هم هؤلاء؟ يجيب: «نقابيون وخبراء مؤثرون في مهنهم وقطاعاتهم، مناضلون من الأقضية الـ26 والمهجر، مهتمون بالشأن العام أثبتوا صدقيتهم وبُعد نظرهم، مستقلون أو منتظمون في قوى سياسية لا فرق، ويا ليت ينضم أعضاء من الأحزاب الطائفية الكبيرة، لأن المهمة صعبة وتتطلب جهود جميع المقتنعين بها. وفور تشكلهم في «جبهة أفراد»، عليهم أن يتفقوا على آلية ليّنة لتنظيم صفوفهم وتحقيق مهمتهم الوحيدة التي تتلخص بصياغة برنامج أولويات لبناء دولة حقيقية واستعادة وحدة الشعب. ثم عليهم طرح هذه الأولويات أمام الرأي العام للمهتمين والمهتمات بتبنيها أو بتعديلها. وتُعدّل دوريّاً، كلما اقتضى الأمر، مرة كل سنة مثلاً، طالما أنها تحاول الإجابة عن حاجة إنقاذ الدولة واستعادة وحدة الشعب، وليست وليدة حلم أو عقيدة».
وتلك الأولويات، وفق أشقر، هي إضافة إلى الإحصاء، «موضوع الأحوال الشخصية المدنية، يبدو لي موضوعاً أساسياً إن كنا نريد علاقة مباشرة بين الدولة والأفراد. أتعلم أنك لا تستطيع أن تكون مواطناً لبنانياً إن لم تعطك قبل ذلك إحدى الطوائف المعترف بها بطاقة انتساب؟ أعتقد أن مطلب أن تكون مواطناً ضروري كي نغدو دولة وشعباً. أما بعد، فليكن لكل مواطن، عندما يدرك عمر الرشد، الحق في أن ينقل أحواله الشخصية المدنية إلى الأحوال الشخصية الطائفية إذا شاء، احتراماً لمبدأ مراعاة الهواجس. علينا أن نغيّر قاعدة القانون من دون أن يشعر المواطن بأنه خسر شيئاً مما يعتبره «حقه المكتسب». الدولة تمنح المواطن هذا الامتياز بدل أن تتحكم الطوائف وسلطاتها الدينية بالدولة وبالمواطن».
والأمر نفسه بالنسبة إلى قانون الانتخاب. يقول: «عليك أن تبدل قاعدة القانون من دون أن يشعر المواطن بأنك حرمته مما يعتبره «حقه المكتسب». إسوة بكل شعوب العالم، علينا أن ننتخب نيابياً وبلدياً واختيارياً في مكان الإقامة. هذا هو الإصلاح الأساس. إن لم تعتمده، لا تستطيع أن تغيّر أي شيء في العمق. مع الحق للناخب بنقل مكان اقتراعه إلى محل قيده إذا شاء».
ويضيف في الشأن الاقتصادي والاجتماعي: «أعطوا الشعب بطاقة صحيّة للجميع، وأعطوه تعليماً رسمياً بمستوى التعليم الخاص. إحسبوا بدقة كلفة هاتين الضمانتين، وركّبوا النظام الضرائبي التصاعدي الذي تشاؤون والذي يسمح بتحقيقها… وخذوا منّا شعباً لاطائفياً. هذا هو المفتاح الأول والأخير لمحاربة الطائفية. القضايا الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تتضمن في البرنامج الإنقاذي ليس أقل من نصف الأولويات».
ويتابع عرض الأولويات: «يجب قطع حبل السرّة الذي يربط الأجهزة الأمنية بالطوائف وبالسياسة. لكي
تقوم الدولة ويتوحد الشعب، نحن بحاجة إلى خطة أمنية موحدة على كامل الأراضي اللبنانية، لا بؤر أمنية ولا مساحات خارجة عن القانون».
ويختتم في خصوص السياسة الخارجية: «لبنان موجود على الخريطة بين سوريا وإسرائيل. بالتالي، لبنان قادر على أن يكون «حيادياً» في كل شؤون المعمورة إلا بموضوعي سوريا وفلسطين. هما جارتان لنا، وأجزاء من شعبيهما تعيش معنا. لنوسع الجغرافيا: لبنان موجود على حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو جزء من المشرق العربي. لبنان بلد من العالم العربي، وعلينا شئنا أم أبينا إعادة تقييم العروبة وتحديثها. قلنا إننا نريد دولة لائقة بالشعب اللبناني، ونريد دولاً لائقة بالشعوب العربية، أي دول ديموقراطية وتحترم حقوق الإنسان».
* نشرت المقابلة عبر موقع جريدة نداء الوطن الالكتروني في 20 نيسان 2024
Leave a Comment