*دارين حوماني
“- ايش اسمك
– مريم محمود عبد ربه
– ليش معصبة
– وضعنا صعب ونحنا بالمدارس متشردين، مناكل الزعتر حاف
– من دون خبز؟
– من دون خبز
– طيب كيف بابا بجبلك الأكل
– بابا بالجنة
– طيب ليش زعلانة
– ناقصنا كل إشي
– اشتقنا للخبز الأبيض”
وتجهش مريم بالبكاء. الطفلة الغزّاوية مريم ليست وحدها، ثمة الكثير من الجوع والدموع في غزة، غزة التي لم تعد نفسها، لا تشبه حالها قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر. كانت غزة سجنًا مفتوحًا على بحر ليس لها، أما اليوم فهي مقبرة مفتوحة على سماء ليست لها، على مرأى من عالم عربي تنتهي إنسانيته يومًا بعد آخر.
التجويع سلاح مضاف إلى طائرات أميركا الذكية وقنابلها الأذكى في سحق الأجساد؛ تؤكد التقارير الدولية بأن جميع سكان غزة يعانون من الجوع أو الجوع الشديد، في حين حذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن “التجويع يجب ألا يكون وسيلة أو نتيجة للحرب”. تصريحات يرفضها المسؤولون الإسرائيليون ويستنكرونها، أحدهم نير بركات، وزير الاقتصاد الإسرائيلي يقول: “هذه التحذيرات محض هراء، وغير مسؤولة”، ولا تتوانى السردية الإسرائيلية عن اتهام مصر بإغلاق معبر رفح.
لا تعترف إسرائيل بتجويع أهل غزة، هي فقط تقصفهم عن بُعد وهم ينتظرون قوافل المساعدات، مجزرة إثر مجزرة، ثم تراهم يموتون في البحر، وهم يحاولون التقاط القليل المتساقط من طائرات المساعدات.
في غزة يطحنون الشعير، أعلاف الحيوانات المتبقية، من أجل الخبز، لا مياه صالحة للشرب، فالخريطة المعدّة لمستقبل الغاز في غزة على الطاولة، التجويع سلاح فعال آخر في سبيل تحقيق المخططات الاستعمارية، وإسرائيل ابنة الغرب وشركتها المساهمة، تلميذة نجيبة للغرب، فالتجويع كان السلاح الإمبريالي الفعّال منذ قرون. وما فعله الأوروبيون في مستعمراتهم سابقًا يفعله الإسرائيليون في غزة الآن.
“التجويع سلاح فعال في سبيل تحقيق المخططات الاستعمارية، وإسرائيل ابنة الغرب وشركتها المساهمة، تلميذة نجيبة للغرب، فالتجويع كان السلاح الإمبريالي الفعّال منذ قرون، وما فعله الأوروبيون في مستعمراتهم سابقًا يفعله الإسرائيليون في غزة الآن”
في تعريف التجويع يرى الباحثون أنه الحرمان من الطعام حتى الموت. هذه العملية تترافق مع عمليات أخرى. يعيق الفاعلون قدرة الأشخاص المستهدفين على الوصول إلى وسائل الحياة. يشمل ذلك حرمان الناس من القدرة على الحصول على الطعام، تدمير مخازن الطعام، منع أو تعطيل الأنشطة مثل العمل والتجارة، العنف المباشر، العنف الجنسي، التهجير، تدمير سبل العيش والبنية التحتية، تدهور الصحة العامة مثل عرقلة الوصول إلى مياه نظيفة، وإجبار الناس على التجمع في ظروف غير صحية وتدمير المرافق الصحية؛ وتدمير المساكن، وتقليل وسائل وقدرات الأمهات لرعاية الأطفال الصغار؛ وتمزيق النسيج الاجتماعي، مما يجبر الناس على التحول ضد بعضهم البعض. هذا كله يحصل في غزة في الوقت الحالي.
وهذا الجوع الجماعي مرتبط بالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي الذي شهده العالم مرارًا على يد المستعمرين الغربيين خاصة. في كتابه “المجاعات” يجادل المؤرخ البريطاني ديفيد أرنولد، الذي يدرّس في كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، بأن الغرب هو الذي خلق التجويع، ولكنه استخدمه في الوقت نفسه لتبرير حكمه وإدامة أسطورة التفوق العنصري للأشخاص البيض وهيمنته على البلاد المستعمَرة.
بريطانيا وفرنسا والشعوب الأصلية في كندا
يتحدث جيمس داشوك، الأستاذ المساعد في جامعة ريجينا، في كتابه “تطهير السهول: المرض وسياسة المجاعة وفقدان حياة السكان الأصليين” كيف استخدم السير جون ماكدونالد (1815-1891)، أول رئيس لوزراء كندا، التجويع بشكل متعمد وكسلاح لإجبار السكان الأصليين على الاستسلام وحتى تستطيع كندا بناء سكك حديدية وجلب المستوطنين الأوروبيين إليها. ويقتبس الكاتب من حديث السير ماكدونالد في مجلس العموم الكندي مقطعًا يقول فيه: “[نحن] نفعل كل ما في وسعنا عن طريق رفض تقديم الطعام حتى يكون السكان الأصليون على شفا الموت جوعًا، للحد من التكاليف”.
من ناحيتها تقول لينور نيومان، وهي باحثة في مجال الأمن الغذائي في كندا: “إذا نظرنا إلى تاريخ الاستعمار في كندا، فسنجد أن المستوطنين الأوائل اعتمدوا حقًا على الطعام الموجود لدى السكان الأصليين، وتعاونوا معهم للبقاء على قيد الحياة، ولكن عندما ندخل في فترة بناء البلاد، نرى أن الغذاء استُخدم كسلاح ضدهم”. وتستشهد نيومان بسيطرة المستوطنين على توزيع سمك السلمون على الساحل الغربي لكندا، وكيف تحركت الحكومة الكندية للقضاء على الجاموس على أمل تجويع السكان الأصليين. وذكرت كيف “تفاخر” أول رئيس وزراء لكندا، السير جون ماكدونالد، باستخدام الغذاء كسلاح ضد الشعوب الأصلية.
وفي أيار/ مايو من عام 2022 زار البابا فرنسيس كندا في “رحلة للتكفير عن الذنب”، كما صرّح خلال زيارته، وذلك للاعتذار عمّا فعله الأوروبيون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر في تلك البلاد، حيث فُصل أكثر من 150 ألف طفل من أبناء السكان الأصليين عن عائلاتهم لوضعهم في مدارس داخلية بحجة تعليمهم الدين المسيحي لكنهم تعرّضوا للتجويع عمدًا وللضرب والاعتداء الجنسي ما أدّى إلى وفاة أعداد كبيرة، وقد تم اكتشاف مقابر جماعية مجهولة في تلك المدارس الداخلية أو بالقرب منها، ووصفت لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية ذلك بأنه “إبادة ثقافية بشكل منظّم”.
بريطانيا والهند
في كتاب للصحافية الهندية مادوسري مكرجي بعنوان “حرب تشرتشل السرية”، تلقي المؤلفة بالمسؤولية عن واحدة من أسوأ المجاعات التي شهدتها الهند في تاريخها على عاتق رئيس الوزراء البريطاني آنذاك تشرتشل. وتقول مكرجي في كتابها إن شح المواد الغذائية في الهند آنذاك كان نتيجة استحواذ البريطانيين عليها وتصديرها إلى بلادهم. وكانت الهند قد صدّرت أكثر من سبعين ألف طن من الرز إلى بريطانيا في الفترة بين كانون الثاني/ يناير 1943 وأغسطس/ آب من العام نفسه، وذلك رغم المجاعة التي كانت بوادرها قد ظهرت في ذلك الحين. وكانت هذه الكمية من الرز تكفي لإبقاء أكثر من 400 ألف هندي على قيد الحياة لمدة سنة كاملة. إلا أن تشرتشل رفض الطلبات المتكررة بإرسال المواد الغذائية إلى الهند. وقد أدى شح المواد الغذائية إلى ارتفاع أسعارها بشكل مريع.
كما اعتمد تشرتشل سياسة الأرض المحروقة في المناطق الساحلية في البنغال، فقام أفراد جيشه بمصادرة الزوارق التي كان يعتمد عليها السكان في صيد الأسماك، وأتلفوا ما عثروا عليه من مخزون الرز. وقد قضى أكثر من ثلاثة ملايين هندي آنذاك نتيجة التجويع، معظمهم في ولاية البنغال الغربية.
صرّحت لجنة حقوق الإنسان أن 90 ألف كيني أُعدموا وعُذبوا وشوّهوا وأودع 160 ألفًا في معسكرات اعتقال حيث تعرضوا للتعذيب، وتعرضت النساء للاغتصاب، مع سياسة تجويع قاسية أدّت إلى وفاة الكثيرين (Getty)
أوروبا ونماذج من سياسة الغرب التجويعية في أفريقيا
مع استهداف القوى الإمبراطورية في أوروبا مناطق جغرافية جديدة لتوسيع دوائر نفوذها في القرن التاسع عشر، ظهرت أفريقيا كموقع رئيسي للاستعمار بسبب ثراء مواردها الطبيعية واقتصاداتها التي افترض الأوروبيون أنها لم تتطور بعد. ففي عام 1884، شهد مؤتمر برلين بحضور القوى الاستعمارية الكبرى بداية رسمية للاستعمار الأوروبي في أفريقيا، وكان أحد المبادئ المبررة وراء الاستعمار الأوروبي “الحاجة إلى تحضير الشعوب المتخلفة في أفريقيا”.
الاستعمار البريطاني وحرب البوير الثانية أو حرب جنوب أفريقيا
بدأ الاحتلال البريطاني لجنوب أفريقيا عام 1815. وحرب البوير هي الحرب بين بريطانيا والثوار من جنوب أفريقيا بين العامين 1899 و 1902، وانتهت بانتصار البريطانيين، ووُلد فيها مصطلح “معسكر الاعتقال”. حيث تم إجبار السكان على الدخول إلى منطقة محدّدة حيث لاقى أكثر من 20 ألف مواطن حتفه. وإذا اطّلعنا على ما عاناه سكان دولة جنوب أفريقيا في هذه الحرب لأدركنا أن ممارسات الإسرائيليين اليوم في غزة ليست سوى نسخة طبق الأصل عن ممارسات البريطانيين في جنوب أفريقيا. حيث نقل البريطانيون السكان بالقوة من منازلهم إلى مساحات غير مؤهلة للسكن، وتم ارتكاب العنف بحقهم أثناء تشريدهم، وعمد البريطانيون إلى تدمير مخازن المحاصيل والطعام. وتم تعطيل وسائل المعيشة مما جعل السكان في المعسكرات معتمدين بالكامل على السلطات البريطانية لتوفير إمداداتهم الأساسية. ووقعت انتهاكات أخرى داخل حدود المعسكرات، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب والقتل، وكان من أكثر الأمور فتكًا التي لحقت بالمدنيين ما نتج عن نقص الغذاء والماء والسكن والرعاية الصحية ضمن المعسكرات. ولما وجدت بريطانيا أن أسلوب التجويع يحقق الأهداف الاستعمارية لم تتوانَ عن تكراره في كينيا ضد شعوب الماو ماو.
الاستعمار البريطاني وثورة الما ماو في كينيا
بدأ الوجود الاستعماري البريطاني في كينيا بإعلان صدر في 1 تموز/ يوليو 1895، والذي زُعم فيه أن كينيا محمية بريطانية. ورغم حدوث عدد من الثورات في كينيا ضد الاستعمار البريطاني إلا أن ثورة الما ماو تعدّ من أعظم الثورات في القرن العشرين.
كانت الماو ماو حركة تحرير، وقد انتفض عموم الشعب الكيني ضد سياسات المستعمر التعسفية بين عامي 1952 و1960، ولمواجهة هذه الأحداث شنت السلطات البريطانية سلسلة من العمليات العسكرية الوحشية ضد الثوار راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأهالي الأبرياء. فقد صرّحت لجنة حقوق الإنسان في كينيا أن 90 ألف كيني أُعدموا وعُذبوا وشوّهوا وأودع 160 ألفًا في معسكرات اعتقال حيث تعرضوا للتعذيب، وتعرضت النساء للاغتصاب مع سياسة تجويع قاسية أدّت إلى وفاة الكثيرين. وقد أدّت هذه المجازر مع سياسة التجويع إلى قمع هذه الثورة التي انتهت عام 1960.
إن القضاء على الهيريرو والناما هو حالة نموذجية للإبادة الاستعمارية عن طريق الجوع… عام 1885 وبأسلوب الخداع وشراء مساحات من الأراضي تمت سيطرة الألمان على ناميبيا كلها. وعمد المستوطنون الألمان إلى الطرد الجماعي للسكان الأصليين، وتم إجبارهم على ترك أراضيهم واستولوا عليها بالقوة.
وفي كانون الأول/ يناير من عام 1904 شهدت البلاد تمردًا من قبل عرقَي الهيريرو والناما وكان التمرد بقيادة صامويل ماهاريرو، فما كان من المستعمر الألماني إلا أن نفّذ أكبر حملة تطهير عرقي في ذلك العام، وينظر إلى هذه الحقبة التاريخية باعتبارها أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
ففي شهر آب/ أغسطس من العام نفسه وبعد القضاء على التمرد اقتاد الجنرال الألماني لوثر فون تروثا سكان عرق الهيريرو إلى أطراف صحراء كالهاري وتم منع وصول الماء إليهم، حيث حُكم عليهم بالموت جوعًا وعطشًا، وقد فعل الشيء نفسه مع عرق الناما في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، ليلقوا المصير نفسه. وقد تم تسجيل أن ما بين 65 ألفًا من أصل 80 ألفًا من شعب هيريرو قد قتلوا بالإضافة إلى مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف من أصل 20 ألفًا من شعب ناما خلال الحكم الألماني بسبب الجوع والجفاف، حيث منعت السلطات الألمانية هذه الشعوب من مغادرة صحراء ناميبيا، وتم إطلاق النار على من حاول الفرار. وقام المستوطنون الألمان بالاستيلاء على أراضيهم وتوزيعها عليهم.
وقد سلّمت ألمانيا 19 جمجمة لناميبيا في أغسطس/ آب 2018، وكانت هذه الجماجم والعظام ما تبقى مما نقلته القوات الاستعمارية الألمانية من ناميبيا إبان ثورة الهيريرو والناما إلى ألمانيا لإجراء تجارب عليها في إطار “نظرية تحسين النسل” وللتأكد من تفوق العرق الأبيض على باقي الأعراق الأخرى. وكانت محفوظة في المستشفى الجامعي في برلين. وفي مايو/ أيار 2021، أقرت الحكومة الألمانية رسميًا بأن الأحداث التي وقعت في ناميبيا خلال الفترة من عام 1904 إلى عام 1908 تشكّل إبادة جماعية.
“كتب أحد قادة القوات الألمانية في المستعمرة، الكابتن وانجنهايم، إلى فون غوتزن، قائلًا: “فقط الجوع والعوز يمكن أن يؤدي إلى الاستسلام النهائي، وستظل الأعمال العسكرية وحدها مجرد قطرة في المحيط بالنسبة للجوع!”
الاستعمار الألماني وانتفاضة ماجي ماجي
عام 1880 احتل الألمان تنزانيا ضمن توسعهم الاستعماري، ومن أشهر الثورات التنزانية انتفاضة ماجي ماجي ما بين العامين 1905 و1907 حيث سعت أكثر من 20 مجموعة عرقية للتحرر والنضال الوطني واستعادة السيطرة على أراضيهم التي كان يستولي عليها المستعمر الألماني.
طلب الحاكم الألماني تعزيزات من الجيش الألماني، وبالفعل تم إرسال تعزيزات إلى البلاد، حيث تمت إبادة الثوار باستخدام السلاح، وتم تدمير القرى، وكذلك المحاصيل الغذائية التي كان يستخدمها المنتفضون الذين لم يمتلكوا وقتها إلا الرماح. وقد تم تقدير قتل حوالي 75 ألفًا من المنتفضين، فيما توفي حوالي 250 ألفًا بسبب المجاعة. فقد اتبّع الحاكم الألماني في تنزانيا غوستاف أدولف فون غوتزن “سياسة الأرض المحروقة” حيث تم القضاء على مصادر الغذاء للأهالي. وتم تجويع السكان من أجل القضاء على انتفاضتهم وبثّ الرعب لدى سكان المستعمرات الأخرى في أفريقيا. وفي سنة 1905، كتب أحد قادة القوات الألمانية في المستعمرة، الكابتن وانجنهايم، إلى فون غوتزن، قائلًا: “فقط الجوع والعوز يمكن أن يؤدي إلى الاستسلام النهائي، وستظل الأعمال العسكرية وحدها مجرد قطرة في المحيط بالنسبة للجوع”
الاستعمار الفرنسي والثورة الجزائرية
استولت فرنسا على الجزائر عام 1830. وبعد ثورات عديدة على مدى أكثر من قرن، حدثت ثورة التحرير الجزائرية عام 1958، وقد استخدمت فرنسا فيها كافة الوسائل للتصدي للثورة. وشنّت القوات الفرنسية عمليات عسكرية واسعة في شهر تموز/ يوليو 1959 ضمن ما يُعرف بمشروع الجنرال شال، ومنعوا الناس من التنقل إلا برخص، وعمد الجيش الفرنسي إلى تطبيق سياسة عزل الشعب عن الثورة، ومنع الثوار من التزود بالمؤن والأغذية والأدوية. وفي إطار هذه السياسة مارس الجيش الفرنسي أسلوب تجويع الثوار، وإرغامهم على الاستسلام أو الموت جوعًا، وتهجير السكان من قراهم في الأرياف والسهول والجبال وحشدهم في مراكز خاصة أحيطت بالأسلاك الشائكة ومراكز المراقبة والحراسة الشديد. وقد بلغ عدد هذه المراكز في الجزائر كلها 250 مركزًا، وبلغ عدد السكان المهجرين إلى هذه المحتشدات أكثر من ثلاثة ملايين شخص، ومارس الضباط العسكريون وضباط المصالح الخاصة عليهم مختلف ألوان التعذيب والتحقير والإهانة والقتل والتشريد. وواصلت القوات البرية المتنقلة حرق القرى وإتلاف المزروعات وتخريب الحقول والبساتين، وتلغيم البعض منها في تطبيق لسياسة الحصار والتجويع. وطبق الاستعمار الفرنسي هذه السياسة لخنق الثورة، وتوسع فيها عن طريق تقسيط المواد الغذائية وفرض حصار غذائي شديد على المواطنين حتى لا يزودوا الثوار بالمؤن، وقد حددت الإدارة الاستعمارية الكميات التي ينبغي أن يزوّد بها كل سوق من المواد الغذائية، بصورة شحيحة، حتى أكل الناس فيها الحشائش.
الاستعمار البلجيكي في الكونغو
بدأ الاستعمار البلجيكي في الكونغو على طريقة الاستعمار الأوروبي في الدول التي يستعمرها، فقد أعلن الملك البلجيكي ليوبولد الثاني عن رغبته لنقل الحضارة إلى هناك وأسّس جمعيات في الكونغو ما لبثت أن بدأت بنهب ثروات البلاد من مادة المطاط خصوصًا واستعباد شعبها. وقد كان استخراج المطاط صعبًا فكان كل كونغولي يرفض القيام بالعمل أو يتكاسل يتم قطع يده، حيث لُقبت الكونغو بـ”أرض الأيادي المقطوعة”. وقد مارس الملك ليوبولد سياسة التجويع مع أسر الرجال المستعبَدين، ومات الكثير جوعًا حتى بلغت حصيلة الاستعمار البلجيكي عشرة ملايين قتيل بحسب صحف أوروبية عديدة.
*نشرت في العربي الجديد / الثقافة ، الضفة الثالثة يوم 2 نيسان / أبريل 2024
Leave a Comment