*ستيفن كوك*
الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله حتمية، وقد تحدث خلال الأشهر الستة إلى الثمانية المقبلة، “ومن المهم أن نكون واضحين بشأن هذا الأمر قدر الإمكان”،
“حتى الآن، معظم ما كُتب من تحليلات حول هذا الموضوع، تقريباً، يخلص إلى أنه لا إسرائيل ولا حزب الله يريدان توسيع ما يدور بينهما من تبادل هجمات إلى حرب مفتوحة. وهي تحليلات تقرأ المستقبل استناداً إلى الظروف الراهنة. ولكن التطورات في الشرق الأوسط تتسم بديناميكية عالية. لقد حان الوقت لوقف التمنيات والبدء في النظر إلى الحقائق. وسيكون من الحكمة لو أن المحللين والمسؤولين الحكوميين يعيدون النظر في افتراضاتهم، ويعملون على تحديث توقعاتهم.
صحيح أن إسرائيل وحزب الله قد أبقيا المواجهات بينهما، حتى الآن، تحت عتبة الحرب الشاملة، وفضّلا أسلوب الردود المتبادلة على التمادي في استفزاز بعضهما البعض، إلا أن ضبط النفس هذا لا يعني أنهما لا يريدان الحرب. ثمة ضغوط كبيرة مورست على الطرفين أدَّت حتى الآن إلى كبح جماح توسع الصراع. وهناك أيضاً مجموعة عوامل تساهم في إبقاء الأمور تحت السيطرة ومنع توسع الصراع، مثل: حسابات إيران الاستراتيجية؛ تصميم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تجنب أي صراع إقليمي وموقفها من إدارة الحرب؛ التطورات الميدانية في غزَّة ووضع حركة “حماس” على وجه الخصوص. لكن لا ينبغي لأحد أن يعتمد على هذه العوامل طويلاً، لأنها بدأت تنهار بالفعل.
هزيمة “حماس” خط أحمر إيراني
إفتراض أن حزب الله لا يريد الحرب يتوقف على افتراض آخر أن إيران لا تريد لحليفها أن يخوض صراعاً مفتوحاً مع إسرائيل (…). كما أن حزب الله، أولاً وقبل كل شيء، كان ولا يزال عنصراً حاسماً في منظومة الردع الإيراني الخارجية. فلدى الحزب ترسانة من الصواريخ الدقيقة والمتطورة (تُقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ)، وهذا، بالنسبة لإيران، يشكل قدرة مضمونة على توجيه الضربة الثانية. بمعنى أنه في حال تعرض برنامجها النووي لأي هجوم من قبل إسرائيل أو أميركا، فإن حزب الله سيوجه ضربة مدمرة للمراكز السكانية الإسرائيلية (مثلاً). صحيح أن قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى وجه الخصوص القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، متمسكون بتدمير إسرائيل، لكنهم أيضاً متمسكون ببقاء النظام في طهران، وبالتالي هم لا يريدون خسارة قدرة الردع التي استثمروها في حزب الله.
ومع ذلك، ليس من الصعب أن نتخيل اللحظة التي يُقرّر فيها الإيرانيون تخفيف زمام الأمور عن وكيلهم الأساسي. وكما أوضح الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في خطاب ألقاه في أوائل شهر كانون الثاني/يناير الماضي؛ مستذكراً سيرة حياة وإنجازات قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري”، اللواء قاسم سليماني، الذي اغتالته أميركا عام 2020؛ فقد بذل الإيرانيون الكثير من الوقت والجهد والطاقة والموارد في سبيل تطوير “محور المقاومة”.
وحزب الله ليس وحده العنصر المهم في هذا “المحور”، بل “حماس” كذلك أيضاً. وعلى الرغم من أن القتال في غزَّة قد يتوقف خلال الأسابيع المقبلة، فإن الإسرائيليين مصممون على اعتقال و/أو تصفية قادة “حماس”، وشلّ قدرة الحركة كلياً بحيث لا تعود تشكل أي تهديد لإسرائيل في المستقبل. والإيرانيون لن يقبلوا أبداً بهزيمة “حماس”. فإذا ما اقترب الإسرائيليون من تنفيذ تهديداتهم، فمن المرجح أن تتخلى طهران عن بعض تحفظاتها، وتُخفّف القيود والضوابط التي تعمل قوات نصرالله في ظلها حتى الآن.. ويبدو أن هذا اليوم يقترب.
إسرائيل خط أحمر أميركي
إيران تتحكم بـ”ضبط النفس” عند حزب الله، وأميركا تفعل الشيء نفسه مع إسرائيل. إدارة بايدن متسقة بشأن قضيتين تتعلقان بالحرب الإسرائيلية على غزَّة: أولاً، يجب هزيمة “حماس”. وثانياً، يجب تجنب حرب واسعة مع حزب الله. والمخاوف الأميركية من توسع الحرب إلى إقليمية نقلها بوضوح وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، لنظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، في محادثة صريحة بينهما جرت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. كما أن بايدن شخصياً طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عدم توسيع الحرب لتشمل لبنان. من الواضح جداً أن الأميركيين مقتنعون بأن توسع الحرب بين حزب الله وإسرائيل سيتحول بسرعة إلى صراع إقليمي يضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران.
إن مخاوف الإدارة مشروعة ومنطقية، لكن قدرة بايدن على التأثير على الإسرائيليين بشأن كيفية تعاملهم مع حدودهم الشمالية تتضاءل. فرغم كل التحذيرات الأميركية قرّرت حكومة نتنياهو تمديد إخلاء المستوطنات الإسرائيلية الحدودية وإجلاء نحو 80 ألف إسرائيلي من بلدات الشمال كإجراء احترازي تحضيراً لحدوث تصعيد كبير. ومن وجهة نظر الإسرائيليين، هذا الجزء من بلادهم لم يعد صالحاً للسكن، ويكاد يصبح خارج السيادة الإسرائيلية. وهذا الأمر غير مقبول بالنسبة لأي حكومة إسرائيلية، ما يعني أن الوضع بات يتطلب رد فعل قوي وحاسم.
ولأن الإسرائيليين كانوا منشغلين بحرب غزَّة، أضطروا للتكيف؛ على مضض؛ مع الجهود الدبلوماسية التي تقودها واشنطن وباريس. لكن هذه الجهود لم تُنتج بعد أي خطة تُرضي الإسرائيليين، ولا حتى حزب الله. فالإسرائيليون يطالبون بأن ينسحب حزب الله إلى شمالي نهر الليطاني، أي لمسافة تبعد على الأقل 30 كلم عن الحدود بين لبنان وإسرائيل، عملاً بالقرار الدولي رقم 1701، وهو ما يرفضه حزب الله جملة وتفصيلاً.
أمن الشمال قضية وجودية
من جانبه، يطالب حزب الله أن تخفض إسرائيل حجم قواتها على الحدود؛ وهو ما يرفضه الإسرائيليون – أيضاً جملة وتفصيلاً – خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى”. إذن، الدبلوماسية الأميركية والفرنسية تُثبت يوماً بعد يوم أنها غير مثمرة. وإذا ما نجح الإسرائيليون في تحقيق “نصر” يريدونه في غزَّة، فسوف يحوّلون كل اهتمامهم وانتباههم إلى حل مشكلتهم الأمنية في الشمال. لقد أصبح أمن الشمال بمثابة “قضية وجودية” بالنسبة للإسرائيليين. لذلك، وبرغم ضغوط البيت الأبيض، من المرجح أن تمتد الحرب إلى لبنان في الربيع أو الصيف المقبلين.
ويتمثل القيد الأخير على إسرائيل في الخلل الوظيفي داخل الكونغرس الأميركي. فبرغم أن الأمر ليس كذلك بشكل عام، فان نوع الحرب التي تخوضها إسرائيل الآن يجعلها تعتمد بشكل حاسم على أميركا. لا شك أن إسرائيل لديها قاعدة صناعية دفاعية متطورة وبنية عسكرية متقدمة، لكن رد فعلها على “طوفان الأقصى” ونوع الحرب التي تشنها على غزَّة منذ خمسة أشهر يعتبر بمثابة خروج كبير عن العقيدة المعيارية للجيش الإسرائيلي، والتي تقوم على شنّ حروب خاطفة وقصيرة ومدمرة على أرض العدو.
والواقع أنه مع استمرار الحرب كل هذه الفترة من دون أن تحقق أهدافها بعد، يحتاج الإسرائيليون إلى تجديد مخزونهم من أسلحة معينة. وعندما يتعلق الأمر بمواجهة مفتوحة مع حزب الله، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى المزيد والمزيد من الأسلحة الدقيقة والموجهة، لضمان القضاء على منصات صواريخ حزب الله وغيرها من المواقع الحساسة في وقت قياسي. والإسرائيليون لن يحصلوا على هذه الأسلحة دون حزمة مساعدات إضافية من الكونغرس الأميركي، ما يعني أن مقومات العمليات العسكرية الكبرى التي يتصورها يؤاف غالانت لدفع حزب الله بعيداً عن الحدود الإسرائيلية لم تتوافر بعد (…).
تغيير قواعد اللعبة
لذلك، من المتوقع جداً أن يجمع الكونغرس قواه، ويوافق الديموقراطيون والجمهوريون على مشروع قانون التمويل. ففي النهاية، ومهما كانت الظروف والمحاذير، تبقى إسرائيل تحظى بشعبية كبيرة داخل الكونغرس (…). النقاش حول المساعدات؛ غير المثيرة للجدل نسبياً؛ المطلوب تقديمها لإسرائيل يتقاطع مع النقاش حول المساعدات؛ المثيرة للجدل؛ المطلوب تقديمها لأوكرانيا – حيث الحرب تمس أمن حدود حلف “الناتو”. وهذا يعني أن الإسرائيليين تُرِكوا منتظرين، بينما يقوم القادة المنتخبون في واشنطن بفرز القضيتين الأخريين، اللتين أصبحتا أكثر تعقيداً في عام الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك، سيوافق الكونغرس على مشروع التمويل، ولن يكون هناك أي قيد يحول دون قدرة إسرائيل على تنفيذ مخططها لناحية شن حرب واسعة ضد حزب الله بمجرد أن ينتهي جيشها من قطاع غزة.
ومع رفع القيود (الإيرانية والأميركية) المفروضة على كل من حزب الله وإسرائيل، فإن كل الدلائل على الأرض تشير إلى أن الحرب المفتوحة آتية لا محالة. فالهجمات المتبادلة تشهد تصعيداً متواصلاً، وكل طرف بدأ يطال أهدافاً نوعية وغير متوقعة في عمق أراضي الطرف الآخر (…).
الإتجاه الذي تسلكه التطورات الميدانية يشير إلى أنه لا يوجد حل دبلوماسي للعلاقة الصفرية بين حزب الله وإسرائيل، خصوصاً وأن الأخيرة تُصرّ على ضرورة تغيير قواعد اللعبة بينها وبين “محور المقاومة”. لذلك، إما أن يأمر السيد نصرالله قواته بالإنسحاب إلى شمالي نهر الليطاني، أو أن الجيش الإسرائيلي سيُجبرهم على ذلك. لكن حزب الله لن ينسحب، وسيواصل المقاومة (…). إذن، من غير المرجح أن تكون هناك أي طريقة لمنع الحرب، أو حتى تأجيلها.
* ستيفن أ. كوك: كاتب عمود في مجلة “فورين بوليسي”، وعضو في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية
* ترجمة منى فرح
Leave a Comment