*محمد حجيري
حين كتب الصحافي والكاتب السياسي، حازم صاغية، عن نانسي عجرم في كتابه “نانسي ليست كارل ماركس”، قال: “ويثبّت نانسي عجرم في سنّ سابقة وجهها النضر وحركاته المشوبة بحد أدنى من الغرائبي. فهو قد يستثير في رجال أربعينيين وخمسينيين رغبة في قرص خديها وجذب وجهها قليلاً إلى أمام وإلى وراء، على النحو الذي يلهو الأب فيه مع ابنته الصغرى حين تأتي عملاً “مهضوماً” أو غير متوقع. لكن نانسي التي أجرت، مثل معظم زميلاتها، عملية تجميل لوجهها، توخّت بثّ رسالة أشد تعقيداّ، مفادها أن ثمّة شيئاً آخر يقف إلى جوار الابنة الطيوبة”..
وما ذكّرني بهذا المقطع أو المشهد أو التأويل، الصورة التي التقطها الزميل علي علوش خلال جلسة اقرار الموازنة في مجلس النواب اللبناني، للنائب في كتلة الوفاء للمقاومة، الحاج محمد رعد، “يقرص” أو يلاطف وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في حركة لافتة وغريبة بين قطبين من حكام البلد ومقرري مصيره ومصائره وموازنته وحربه وسلمه وإفلاسه وتعافيه وشرقه وغربه، تحمل الكثير من التأويلات والتفسيرات. فالنائب العابر أمام الرئيس الجالس في مكانه المخصص، بعد المصافحة والتودّد والتحبب والنظرات والابتسام، مدّ يده إلى لحية أو ذقن الرئيس على طريقة “يا نوسك”، ولا ندري ما دار بينهما من حديث حتى ينتهي بهذه الحركة من يد “الحاج أبو حسن”.
قد تكون الصورة مجرّد لقطة عفوية عابرة وغير ذات مغزى ودوافع، لكن الكثيرين ممن يقرأون في لغة الجسد سيفسرونها في إطار سياسي، أي أن رئيس الحكومة في مرحلة يهيمن عليها حزب الله، ولا يتردّد أبداً في الإعلان صراحة أن قرار الحرب والسلم ليس في يده، وقرار وقف النزاع في جنوب البلاد مرتبط بأحداث غزة، أي بـ”وحدة الساحات” (على نسق وحدة المصير والمسار في الزمن السوري). بمعنى آخر، يقارب ميقاتي واقع المحاور وينصاع له بطريقة براغماتية غرائبية، ويمكن أن يزيد معنى القرصة أو الملاطفة أو “نوسَك” بين رئيس الحكومة ونائب حزب الله، أن الـ”يا نوسك” لم تأتِ من أي نائب، بل من محمد رعد تحديداً، المشهور بجموده وثقل حركته واستعصائه على المزاح، كما يُشاع.
والقرصة أو المُلاطفة ذاتها في أروقة مجلس النواب، تذكّرنا بما هو أبعد من ذلك، بل بما يزيد على معانيها السياسية والسوسيولوجية انطلاقاً من منطق “العَود الأبدي”، فذات يوم، زار الرئيس السابق إميل لحود، دمشق، والتقى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وقيل إن الأول قدم خدمات أمنية كبرى للنظام السوري، وأن الرئيس السوري شكره على “خدماته” وكان يتعاطى معه كما أنه ابنه. ويوم اللقاء لم يتردّد في قرص خدّه أو ملاطفته أو مداعبته بطريقة فيها الكثير من الإهانة، من رئيس دولة لرئيس دولة أخرى، وفُسرتْ الحركة كما لو أن ما جرى مرآة للسياسة السورية المتبعة تجاه لبنان، أي سياسة الاستتباع.
فهل نحن في سياسة “العَود الأبدي” ومُقدَّر لنا تكرار الأحداث نفسها مراراً وتكراراً؟
*نشرت في المدن الالكترونية يوم الخميس 2024/01/25
Leave a Comment