محمد قدوح
بيروت 25 كانون الاول 2023 ـ بيروت الحرية
لقد ترسخ لدى الشعب الفلسطيني في ضوء ما حصل ويحصل في قطاع غزة والضفة الغربية من قتل وإعتقال وتهجير وتدمير، أن الرضوخ للمحتل الاسرائيلي والحوار معه، لن يؤمن له أبسط حقوقه للعيش بكرامة والإحساس بإنسانيته. والواضح من خلال المواجهات التي يخوضها ضد العدو، رغم إختلال موازين القوى بينها، أنه بات على قناعة تامة بأن ليس هناك من لغة ممكنة للتخاطب معه سوى لغة مماثلة للغته، مما يعني انه حسم امره وقرر أن يعبر عن نفسه بلغة العنف ومواجهة تحدي الموت موحداً، والذي يحمل معنى الانتصار على الرضوخ والقهر، اللذين يعنيان موتاً معنوياً ووجودياً، ففي هذا التحدي إنتصار على الخوف واليأس، وعلى قلق الحاضر والمستقبل، ورد الاعتبار للذات الفردية والجماعية وحفظ كيانهما.
قد تبدأ المواجهة مع العدو، قلة أو نخبة قائدة تقود هذا العمل، فتتماهى الجماهير بها، وهي التي تستطيع أن تعمم اساليب المواجهة لدى كل الناس، وبذلك تتوسع هذه القلة القائدة، وتعمل على إستنباط وسائل جديدة في مواجهة العدو، وهي دون شك تدرك ان عملية التحرير شائكة ومعقدة وطويلة الأمد، وتتطلب الكثير من الجهد الصامت والتعامل الصبور مع الواقع بكل تفاصيله.
لكن، قد لا تسير المواجهة مع العدو بالشكل المطلوب، قد تتعرض الى مخاطر الفوضى والتشتت بفعل تعدد المرجعيات الفئوية وعدم إتفاقها فيما بينها على أساليب موحدة للمواجهة، وعلى الاهداف المرحلية والنهائية.
لذلك، قد تتحول المواجهة مع العدد بالنسبة للبعض الى نوع من الانتفاضة السحرية، تحت ضغط الحاجة للتحرر وعدم القدرة على الانتظار طويلاً وترغب في الحصول على نتائج عاجلة وآنية، تريد عملاً محسوساً للتخلص من الماضي الاسود اليائس، عندئذ تتحول الثورة الى فورة. وإختزال المواجهة مع العدو الى مجرد خوص معارك قتال من خطط وأهداف وإستراتيجية مواجهة شاملة.
وأيضاً قد يمارس البعض الآخر المواجهة بذهنية فئوية، وهو أمر مرجح، مما يوقعه في تحيزات تشكل عقبة أمام نجاح عملية المواجهة فضلاً عن احتمال تحول الامر الى صراعات بين المرجعيات القائدة تنعكس بدورها في ساحة المواجهة.
لا أحد يمكنه لوم الفلسطيني على إتخاذ خيار العنف والمواجهة بمختلف الاساليب الممكنة بما في ذلك الكفاح المسلح، فهو أصبح في ضوء الحرب الاسرائيلية التي تستهدف وجوده أمام الظاهرة التي يسميها علماء الاحياء “برد الفعل الحرج”. والتي تتلخص في الخيار ما بين الموت أو المواجهة، لكن اللوم يقع على القوى الفلسطينية القائدة والمعنية بتنظيم المواجهة مع العدو وتحديد أهدافها الآنية والبعيدة المدى، فيما لو تشتت المواجهة وتحولت صراعاً داخلياً.
إن اللحظة الفلسطينية الراهنة، إستثنائية تاريخية، تتجاوز أهميتها الخلافات الفصائلية والعقائدية والدينية والعشائرية، كي لا تعطي العدو فرص الإستراحة، وتقديم نقطة ضعف مجانية يعمل على تعميقها، وهي لا شك تعزز فرص إنتصاره.
للأسف العدو الاسرائيلي استطاع الهيمنة على المنطقة العربية، لكن لا يزال يحاول إحتلال فلسطين والهيمنة عليها.
كل التحيات لشعب الجبارين الذي سينتصر مهما غلت التضحيات.
Leave a Comment