2023-07-21
كان نائب الرئيس النيجيري ييمي أوسينباجو أول من استخدم تعبير «الخداع» لوصف مطالبة أفريقيا باعتماد الطاقة الشمسية كبديل عن الوقود الأحفوري قائلا: ” لم تتمكن أي دولة من استخدام الطاقة المتجددة للتصنيع، ونحن كغيرنا نحتاج إلى النفط والغاز لتنمية بلداننا”.
ويصبح الخداع أخضراً، عندما تواصل الدول الغربية التمتع بنعمة النفط والغاز. وتقوم بالمقابل بالضغط على فقراء أفريقيا لإقناعهم بأن ألواح الطاقة الشمسية هي “بساط الريح” الذي سينقلهم مباشرة، من مرحلة انعدام الطاقة إلى «نيرفانا» الطاقة الخضراء. وما عليهم إلا أن يصدروا الوقود الأحفوري “الملوث” إلى أوروبا والصين. ويستوردوا بثمنه ألواحاً ومراوح وبطاريات. والتي بالكاد تكفي «لإنارة منازلهم في النهار».
حديث الأرقام عن الخداع
الدول الغربية رفعت شعار التغير المناخي، وأرفقته مع «رفع سيف» محاربة الوقود الأحفوري لصالح الانتقال إلى الطاقة المتجددة والنظيفة. وأثبتت التطورات أن “الشعار والسيف” هما كلمة حق أريد باطل. وهناك عدد متزايد من العلماء المشككين بالتغير المناخي، يعتبرون أنهما «كلمة باطل أريد بها باطل».
ويتضح الخداع في هذا المجال، من قيام الدول الغربية بوضع السياسات وسن القوانين وممارسة اقصى الضغوط على الدول والشركات للتحول عن النفط والغاز إلى الطاقة النظيفة. ووصل الأمر إلى محاولة نقل ملف التغير المناخي إلى مجاس الأمن باعتباره تهديداً للأمن العالمي. وكذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتباره إبادة جماعية وتصنيفه كجريمة خامسة ضد الإنسانية. وفي المقابل استمرت الدول الغربية بالاعتماد على النفط والغاز لتحقيق أمن الطاقة فيها، وتوفير مقومات النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي لشعوبها.
توزيع مصادر الطاقة الكهرائية حسب المصدر بين العامين 2013 و 2040 – وكالة الطاقة الدولية
لندع الأرقام توضح الخداع :
- أنفق العالم منذ العام 2010 حوالي 4 تريليونات دولار على الطاقة الشمسية والرياح. أي اكثر من الناتج المحلي لكل الدول الأفريقية والعربية. ومع ذلك لا زال العالم يعتمد على الوقود الأحفوري بنسبة تصل إلى 82 في المئة. ولن تقل هذه النسبة عن 70 في المئة في العام 2050، كما تقول وكالة الطاقة الدولية.
2. رغم الضغوط السياسية والدعم الكبير على شكل اعفاءات ضريبية وإعانات، لم تتجاوز حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 9 في المئة من إنتاج الكهرباء عالمياً. وتنخفض النسبة إلى اقل من 2 في المئة من إجمالي الطاقة.
3. تعتبر ألمانيا نموذجاً بالغ الدلالة. فقد خصصت حوالي 500 مليار دولار لسياسات المناخ حتى 2025. ولكن النتيجة كان تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري من 84 في المئة عام 2000 إلى 77 في المئة اليوم. وفي العام 2022 اندفعت لتنفيذ ورشة ضخمة لبناء محطات معالجة الغاز المسال (التغويز) لتعويض الغاز الروسي. - تحتاج الطاقة الشمسية لكي تصبح موثوقة ودائمة إلى بطاريات للتخزين. وتقدر ماكينزي ان القدرة التخزينية لكل البطاريات الموجودة حالياً، تكفي الاستهلاك العالمي لمدة دقيقة واحدة و 15 ثانية.
6. لا يزال الوقود الأحفوري (غاز وفحم بشكل أساسي) المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء. وتبلغ حصته في اميركا حوالي 60 في المئة مقابل 16 في المئة للطاقة الشمسية والرياح. وحتى في الصين التي تعتبر أكبر دول إنتاجاً للطاقة الشمسية، فلم تتجاوز حصتها 15 في المئة.
حديث الأرقام عن الحقائق
أين الحقيقة؟… صحيح أن الطاقة الشمسية هي مكون مهم في مزيج الطاقة. ولكنها تقتصر على الطاقة الكهربائية. ولا تستفيد منها القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل الصناعة والزراعة والنقل وتشغيل المعدات الثقيلة إلخ. وهي مكون مهم في مزيج الطاقة الكهربائية في الدول الغنية. ولكن ليس في الدول الفقيرة. فالأولى تمتلك طاقات توليد ضخمة تستخدم الغاز والفحم والمفاعلات النووية الخ.. وتأتي مشاريع الطاقة الشمسية لتلبية جزء من الزيادة في الطلب. ولكنها لا تنفع في دول أفريقيا التي لم تصل بعد، نعمة الكهرباء إلى غالبية سكانها.
هناك في ذلك الكوكب المسمى أفريقيا، يوجد 600 مليون شخص، لم يروا نور الكهرباء، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وحتى جنوب أفريقيا ذات الاقتصاد الأكثر تقدماً في القارة، لا تزال تعاني من انقطاع الكهرباء لحوالي 10 ساعات يومياً. أما نيجيريا الدولة الأكبر من حيث عدد السكان (حوالي 210 ملايين شخص). فهي تحتاج إلى 30 ألف ميغاواط. ولكن الطاقة المتوافرة لا تتجاوز 4 ألاف ميغاواط. فعن أي طاقة شمسية يتحدثون مع نائب الرئيس الذي تعوم بلاده على بحيرة من النفط والغاز.
ويظهر الخداع، استناداً إلى بيانات البنك الدولي. فتذكر ان أفريقيا تحتاج إلى استثمارات بحوالي 20 مليار دولار سنوياً لتحقيق كهربة دول جنوب الصحراء فقط. وتضيف أن خسائر القطاع الخاص فقط.. وفي نيجريا فقط، تقدر بحوالي 29 مليار دولار سنوياً، بسبب انقطاع الكهرباء. ولكن الدول الغربية توصل ضغوطها «البريئة» على الدول الأفريقية لاعتماد حلول الطاقة المتجددة حفاظاً على المناخ.
ومن فصول الخداع الصادمة، التنصل من التعهدات بمساعدة الدول الأفريقية على الانتقال إلى عصر الطاقة النظيفة. وكانت أبرز تجلياته في الوعود التي اطقلها الرئيس باراك أوباما في زيارته التارخية إلى افريقيا في العام 2013. حين تعهد بتوفير تمويل قدره 12 مليار لدولار لتوليد 12.5 ألف ميغاواط. وتم في حينه تشكيل مبادرة “طاقة أفريقيا” Power Africa التي تسخر الموارد الجماعية لأكثر من 170 هيئة ومؤسسة وشركة حكومية وخاصة للمساهمة في كهربة أفريقيا جنوب الصحراء.
ولأن الوعود لم تنفذ وظلت حبراً على ورق في أرشيف المبادرة. قام الرئيس بايدن خلال القمة الأفريقية ـ الأميركية الثانية العام الماضي، بنفض الغبار عنها. وأطلق سيلاً جديدأ من الوعود الأكثر، ولكن الأكثر واقعية، لاستثمار 1.1 مليار دولار لدعم جهود إفريقيا للحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة. أما ما التزمت به إدارة بايدن ـ هاريس فعلا، فلم يتجاوز 193 مليون دولار، مع وعدد بتوفير 100 مليون دولار أخرى في السنة المالية 2023.
وكان آخر فصول الخداع، التعهد بدفع مبلغ 8.5 مليار دولار لمساعدة جنوب إفريقيا على التخلي عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي تنتج 80 في المئة من الطاقة الكهربائية. ولكن وزير الموارد المعدنية والطاقة جويدي مانتاشي رد بالقول «سنستخدم كل الموارد المتاحة مثل الغاز والطاقة المتجددة، مع التمسك بالفحم. وأولئك الذي يرون ان الفحم غير ملائم، سيصابون بخيبة أمل لسنوات عديدة، لأن الفحم سوف يعيش أكثر منا ومنهم».
Leave a Comment