أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة مساء الاربعاء الموافق فيه 14 ايلول 2022 تحت عنوان “من مقاومة الاحتلال إلى مواجهة الانهيار”، وذلك لمناسبة ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية قبل 40 عاماً في 16 أيلول 1982، تحدث فيها رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة الرفيق زكي طه وأمين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتور أسامة سعد، وحضرها حشد من المواطنين يتقدمهم قادة فصائل ومسؤولون حزبيون وناشطون اجتماعيون لبنانيون وفلسطينيون.
بداية حيا طه شهداء وجرحى و جميع المقاومين والمناضلين من كل المنابت والمشارب الفكرية والسياسية. وتوقف عند العلاقة التي ربطت المنظمة والتنظيم منذ أيام الشهيدين معروف ومصطفى سعد ومع المناضل أسامة سعد في معارك الدفاع عن الوطن وحقوق المواطنين وطموحاتهم. وقال إن هذه المحطات التي نعتز بها، هي التي جمعت قيادات ومناضلي المنظمة والتنظيم في ساحات النضال الوطني والشعبي، كما في جبهات القتال ومقاومة الاحتلال بشتى أشكاله.
وبالانتقال إلى اللحظة الراهنة أكد أننا نعيش في مفصل خطير من تاريخ البلد أخطر مما شهدناه عام 1982، وهي التي تعبر عن أزمات الكيان والنظام والاجتماع اللبناني، وهي أكثر من أن تحصى. وتوقف عند العام 1982 وما شهده من غزو صهيوني متداخل مع حرب أهلية مستعرة. وقد جاء الرد على هذا الاحتلال متمثلاً بانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية استجابة للنداء المشترك الذي أطلقه القائدان الوطنيان اليساريان أمين عام المنظمة الراحل محسن ابراهيم وأمين عام الحزب الشيوعي الشهيد جورج حاوي. وشدد على أن الانجازات التي حققتها المقاومة والتي أجبرت العدو على الانسحاب مهزوماً. إلا أن الاندفاعة المتجددة للحرب الأهلية برعاية الاحتلال كانت أقوى من خيار المقاومة الوطنية في التحرير والتوحيد والديمقراطية، فحاصرت قواها وأجبرتها على الانكفاء وحالت دون تحقيقها كامل اهدافها. أما التحرير الذي أنجزته بطولات وتضحيات مقاومة حزب الله لاحقاً، فقد بقي ولم يزل أسير فئوية الحزب الذي وظف التحرير في تزخيم الانقسامات الطائفية والنزاعات الأهلية، التي لم تنتهِ مع اتفاق الطائف والنظام الذي انتجه.
وتوقف أمام ما يشهده لبنان حاليا من انهيار مؤسسات الدولة واجهزتها الادارية وجميع قطاعاتها الخدماتية، وحال الفوضى الشاملة. يضاف إلى ذلك فراغ رئاسي وحكومي مستدام بموافقة أكثر اطراف السلطة. ومعهما خطر امتداد نيران الحروب التدميرية المشتعلة في المنطقة إلى لبنان من بوابة ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي. دون نسيان التحذير من زوال لبنان ككيان ودولة.
وقال: إننا جميعاً، كمواطنن لبنانيين وقوى ومجموعات واحزب وناشطين من دعاة الثورة والتغيير، ومعنا كل النواب الوطنيين والتغيريين والمستقلين والفئات المتضررة، مطالبون اليوم بالاقدام والمبادرة لتحمّل مسؤولياتنا الوطنية بشكل مشترك، ودون تردد في مراجعة أدائنا واستخلاص العبر من تجارب البلد ومآسيه الكارثية، والخروج من الفئويات القاتلة، والتلاقي لتنظيم أوسع حوار مطلوب حول مختلف القضايا، في سبيل إعادة بناء المساحات المشتركة بين اللبنانيين التي مثلتها الحركة الشعبية والنقابية والديمقراطية. ومن أجل التوافق على برنامج الحد الأدنى لاطلاق مسيرة انقاذية سياسية اقتصادية مالية واجتماعية متعددة الأوجه والميادين، على مستوى الوطن والمدن وسائرالمناطق ومختلف قطاعات المجتمع، برنامج يستهدف تجميع القوى لإشراكها في النضال لوقف الانهيار، والضغط لتلافي خطر الفراغ وفرض انتخاب رئيس جديد. رئيس يشكل انتخابه نقطة انطلاق لحماية ما تبقى من مقومات الكيان والدولة والمؤسسات، ومن حقوق اللبنانيين في الحياة الكريمة.
وختم مشدداً أننا لسنا من هواة استسهال الأجوبة وارتجال الحلول السحرية، أو ادعاء امتلاكها منفردين، وعليه، ندعو الجميع إلى الاسراع في تنظيم الحوار المطلوب. واشتقاق البديل الذي يحتكم إلى الديمقراطية وقبول الآخر. البديل الذي تحضر فيه المصالح الاوسع لغالبية اللبنانيين. إن ما ندعو له هو استلهام تجربة جبهة المقاومة الوطنية في التحرير والتوحيد والديمقراطية، والبناء على وحدة الروح النضالية التي تجلت في انتفاضة 17 تشرين المجيدة، وعلى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة رغم الاخطاء والثغرات الكثيرة. إنها دعوة للتحضير لانتفاضات انقاذية للوطن، تساهم في تعميق وحدة اللبنانيين وتحقيق طموحاتهم.
مداخلة النائب سعد
بعد أن حيا النائب الدكتور أسامة سعد شهداء الشعبين اللبناني والفلسطيني ورمز المقاومة الوطنية اللبنانية الشهيد مصطفى معروف سعد، وكل الذين استجابوا لنداء القائدين جورج حاوي ومحسن ابراهيم. قال إن تنامي المقاومة أرغم جيش الاحتلال على الانسحاب من بيروت سنة 1982، ومن الجبل سنة 1983، ومن صيدا وصور والنبطية والبقاع الغربي وصولاً إلى الشريط الحدودي سنة 1985. وكان طرد العدو من الأرض اللبنانية، ومن دون قيد أو شرط سنة 2000، باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا بد من تحريرها. وشدد على أهمية بناء الدولة القوية القادرة، وتعزيز الجيش وتزويده بالأسلحة النوعية الملائمة لصد أي عدوان صهيوني جديد، وإلى اعتماد سياسة دفاعية ترتكز على جيش قوي، وعلى الاستفادة من طاقات الشعب اللبناني وخبراته وإنجازاته في مواجهة العدو. وكذلك رفض الاحتكام للسلاح في الصراعات الداخلية، فضلاً عن رفض أي محاولة للاستعانة بالخارج على خصوم الداخل، ومع التشديد على الإدانة الكاملة لأي تواطؤ أو تعاون مع العدو الإسرائيلي.
ووصف بيان الانطلاقة بأنه توجّه إلى كل الرجال والنساء اللبنانيين الحريصين على لبنان بلداً عربياً سيّداً مستقلاً، بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية والطائفية والطبقية، ودعاهم إلى الانتظام في صفوف المقاومة. في المقابل، سعت أطراف داخلية وخارجية إلى الاستئثار بالمقاومة وإغراقها في مستنقع الانقسامات الطائفية، وإلى إعطائها هوية طائفية ومناطقية معينة. كما سعت قوى إقليمية إلى استتباع المقاومة ووضعها في خدمة سياساتها ومشاريعها، بهدف تعزيز مواقعها على الصعيد الإقليمي. ورأى أن استهداف اسرائيل من الغزو كان القضاء على الثورة الفلسطينية، وتشتيت الوجود الشعبي الفلسطيني من لبنان إلى بلدان العالم بعيداً عن حدود فلسطين المحتلة. وفي هذا السياق كانت مجزرة صبرا وشاتيلا التي نحيي هذه الأيام ذكراها الأربعين.
وقال: لقد انتفض اللبنانيون ضد الاحتلال وأجبروه على الرحيل وهو يجر أذيال الهزيمة والانكسار، بعد كل ذلك عاد اللبنانيون لينتفضوا هذه المرة، ضد نظام المحاصصة الطائفية والمصارف والاحتكارات، وضد المنظومة الحاكمة وسياساتها الفاشلة والعاجزة وممارساتها الظالمة والفاسدة التي قادت البلاد إلى الفقر والعوز والإفلاس والانهيار. وكما نجح اللبنانيون في معركة التحرير سوف ينجحون أيضاً في معركة التغيير وإنقاذ لبنان من الانهيار. وأهم شروط النجاح وحدة صفوف القوى السياسية والنقابية والمدنية والفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير، وخوضها معاً الصراع السياسي والشعبي ضد تحالف قوى النظام تحت راية برنامج نضالي للتغيير الشامل هدفه الوصول إلى إنقاذ لبنان واللبنانيين.
وأكد النائب سعد على ضرورة إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، ورفض كل أشكال الفراغ والتمديد والشغور، وشدد على ضرورة تشكيل الحكومة، وانتخاب رئيس للجمهورية، بعيداً عن التدخلات الخارجية والمحاصصات الطائفية. كما نرى أن أي إصلاح سياسي مرهون بتجاوز المحاصصة الطائفية، تطبيقاً للبنود الإصلاحية في اتفاق الطائف على الأقل. كما أن الإصلاح مرهون بإعادة بناء إدارات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها على قواعد الكفاءة والنزاهة والمساواة، مع تفعيل دور أجهزة الرقابة والمحاسبة، معرباً عن دعمه لتحركات العاملين في المؤسسات العامة ومطالبهم. وعلى التضامن مع القضاء في مواجهة كل أشكال الضغط والترهيب التي يتعرض لها. وعلى إقامة السلطة القضائية المستقلة والفعالة. وطالب مجلس النواب بإقرار اقتراح قانون استقلالية القضاء العدلي الذي تقدمت به مع عدد من الزملاء النواب قبل عدة سنوات، وإقرار اقتراح قانون استقلالية القضاء الإداري الذي تقدمت به قبل مدة أيضاً بالشراكة مع ائتلاف استقلالية القضاء.
وتوقف عند المآزق والانسدادات السياسية على صعيد الحكم، واعتبرها وثيقة الارتباط بالانهيارات المالية والاقتصادية، وبانعكاساتها الاجتماعية الكارثية. وعلى الرغم من كثرة الكلام عن الإصلاح، استهجن أن تأتي موازنة 2022 خالية من أي توجّه إصلاحي. معرباً عن رفض ما يحاك من تحميل أصحاب الدخل المحدود والمتوسط خسائر الإفلاس والانهيار، بدلاً عن تحميلها لمن تسببوا بها من المنظومة الحاكمة، وحلفائها من أرباب المصارف والاحتكارات والتهريب. كما شدد على ضرورة وضع خطة متكاملة للتعافي المالي والاقتصادي تضع لبنان على سكة الإنقاذ، وتوفير الضمانات الصحية والاجتماعية للبنانيين. وأنهى مشدداً أن الإنقاذ مرهون بالتغيير السياسي، إذ إن سياسات المنظومة الحاكمة لا تقود إلى الإنقاذ، بل إلى المزيد من تعميق الانهيار. ومن المهم أيضاً إعادة التشديد على أن النجاح في معركة التغيير يتطلب نضالاً طويل النفس وتعديلات أساسية في موازين القوى.
وختاما رد النائب سعد وطه على أسئلة ومداخلات الحضور التي تمحورت حول الظروف التي انتهت بالمقاومة الوطنية بتنوعها إلى مقاومة اسلامية فئوية. وأهمية جمع المعارضة وراء مشروع سياسي ـ اجتماعي موحد قادر على استلهام روح انتفاضة تشرين 2019، ومصير الاستحقاقين الحكومي والرئاسي واحتمالات انعكاسهما على الوضع المالي والمعيشي والأمني، وضرورة إعادة تشكيل المؤسسات النقابية والمهنية المستقلة عن اطراف السلطة السياسية ـ المالية المافياوية، والعمل على صياغة برنامج أولي موحد يعيد استحضار الكتلة المتضررة من حال اليأس والعزلة إلى الشارع في انتفاضة متجددة، وغيرها من الأسئلة.
Leave a Comment