إبراهيم حيدر*
ليست الجامعة اللبنانية من الأولويات لدى أهل السلطة. الثابت أنها باتت مؤسسة مهملة لا يخجل أحد الوزراء بالدعوة إلى إقفالها، لأنها باتت عبئاً على الدولة، وفق ما سرّب من احدى جلسات الحكومة طرحت خلالها ملفات الجامعة. الدعوة لإحالتها إلى التقاعد تنطلق من خلفية الصراع على التحاصص، وليس لحرص المسؤول على الجامعة وحمايتها وتحصينها، أو على الأقل المطالبة بإصلاح أوضاعها بعد تأمين مقومات استمرارها. هكذا تتخلى السلطة عن الجامعة وتتركها لمصيرها في ذروة أزمتها، طالما لم تعد تؤدي الوظيفة القائمة على التنفيعات في ظل الانهيار. فإذا سئل هذا المسؤول عن رؤيته للجامعة كمؤسسة أكاديمية لها وظيفة علمية وبحثية، وهي بحاجة للدعم وتصويب أوضاعها، نكتشف أنه يصنفها كمدرسة ايتدائية، ولا يعلم عن تاريخها شيئاً، وكيف تأسست وتوسعت حتى باتت تضم أكثر من 80 الف طالب وطالبة و19 كلية بما فيها معاهد الدكتوراه العليا. المهم أن ينتزع اسم عميد من هنا ونسبة من الأساتذة المتفرغين وحيّزا من القرار السياسي الذي يتحكم بأمور الجامعة من هناك.
نظرة السلطة – كل السلطة – إلى الجامعة اليوم، انها مؤسسة عامة ينبغي أن يكون لكل طرف حصة فيها، وغير ذلك فلتذهب الجامعة وأهلها إلى الجحيم. الجامعة في الجحيم اليوم، يتألم أهلها وهي تنازع، لكنها تستمر برصيد مكوناتها واساتذتها الذين لم يعودوا قادرين على العطاء باللحم الحي. الدفاع عن الجامعة واستمراريتها وتحصينها لا يعني أنها كانت في أفضل أحوالها قبل الانهيار الذي ضرب كل القطاعات، وساهمت الطبقة السياسية الحاكمة في أخذها إلى الجحيم. يكفي أن ننظر إلى المراسيم التي تنص على منح موظفي القطاع العام تعويض انتاج عن كل يوم حضور فعلي، لنكتشف أنها لا تشمل أساتذة الجامعة وموظفيها كما بدلات النقل، حتى الخمسين مليار ليرة التي اقرت للجامعة لم تكن مدرجة على جدول أعمال اللجنة الوزارية إلا بعد سجال وقتال، فيما عائدات فحوص الـPCR والبالغة 50 مليون دولار لا تزال محجوزة ويمنع صرفها بقرار يغطيه أهل السلطة.
تعاني الجامعة اليوم من أزمة خانقة تهدد استمراريتها لا بل وجودها. الدليل عندما كانت تُطرح ملفاتها في مجلس الوزراء، وقفت في وجهها قوى السلطة عبر ممثليها، فلم تقر لا بل حُجزت موازنتها التي تمكنها من الصمود. تبيّن أن كل القوى السياسية والطائفية، وأولئك الذين يزايدون على الجامعة، لم تتغير نظرتهم إلى هذه المؤسسة كمكان للتنفيعات والتوظيف السياسي، فأسقطوها بالتضامن والتكافل غير مكترثين لوجودها، إلا إذا كانت ملفاتها تضمن التوزيع السياسي والطائفي والتحاصص على الاسماء والكليات والعمادات، ومن له كلمة الفصل في الهيمنة على بنيانها.
إيصال الجامعة إلى الجحيم قرار من السلطة. هي في الأساس عاجزة، أو لا تريد مناقشة أوضاعها بنيوياً بسبب الخلافات على الحصص. كيف يمكن مثلاً رفض اقتراح مضاعفة أجر الساعة للاساتذة المتعاقدين، وهو لا يساوي شيئاً قياساً بالتقدمات لمؤسسات أخرى. وكيف تبقى الجامعة بلا موازنة تلبي الحد الادنى من حاجاتها، ولا اساتذة قادرين على متابعة التدريس الجامعي في شكل يليق بهذه المؤسسة الاكاديمية؟
الجامعة تُدفن حية، وهي على المقصلة ومصيرها على المحك، ما لم تعد مؤسسة لها الأولوية. وليعرف أهل الجامعة أن ما يُحاك لهذه المؤسسة خطير جداً، لا بد من مواجهته كي لا تصبح فعلاً في الجحيم.
*نشرت في جريدة النهار في 3 آب 2022
Leave a Comment