يأتي عيد العمال العالمي هذا العام، ولبنان يرزح تحت وطأة نكبة الانهيار المتوالية فصولاً على نحو لم يعرف مثيلاً لها في تاريخه.
يأتي العيد كما كل الاعياد، وأكثرية اللبنانيين وفي طليعتهم الطبقة العاملة لا يستطيعون الاحتفال بأي منها، لأنهم يكافحون لتأمين قوتهم اليومي للبقاء على قيد الحياة المستحيلة، في ظل إصرار الطبقة السياسية المالية المتسلطة على البلاد التهرب من موجبات الاصلاح، التزاماً منها بسياسات المحاصصة والنهب، ودفع سائر الفئات والشرائح الاجتماعية نحو المزيد من الافقار والبطالة والهجرة.
يأتي العيد ولبنان ساحة مرتهنة لسياسات المحاور الخارجية التي تهدد مصيره كياناً وطنياً ومجتمعاً أهلياً، بينما مؤسسات الدولة وأجهزتها مشلولة وعاجزة عن تأدية ابسط أدوارها، ووقف الخراب الذي أصاب جميع مرافقها وقطاعاتها.
يأتي العيد في ما العمال والمستخدمون والموظفون يواجهون ارتفاع ثمن رغيف الخبز وحبة الدواء وتعذر الطبابة والاستشفاء، وفقدان الحد الأدنى من الضمانات الصحية والاجتماعية، وسط ارتفاع أكلاف النقل وأسعار المحروقات، وصعوبة الحصول على خدمات الماء والكهرباء وغيرها.
يأتي العيد وقوى السلطة في نظام المحاصصة الطائفية تخطط لنهب ما تبقى من مدخرات اللبنانيين، وبيع الاملاك العامة، بذريعة الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وسط انهيار اقتصادي شامل، أطاح بالعملة الوطنية والأجور والمداخيل ودمر قدرتها الشرائية. الأمر الذي يدفع المواطنين الفقراء اليائسين إلى ركوب زوارق الموت، سعياً للوصول إلى بلاد يستطيعون فيها تأمين ابسط مقومات العيش. وتجدهم يجازفون بحياتهم مع نسائهم واطفالهم، هرباً من الموت في جحيم الفوضى والانهيار، إلى موت أكثر مأساوية.
يأتي العيد، ومنظومة الحكم تغرق البلاد في معاركها الانتخابية بكل اسلحة الاحتراب الأهلي، وعهرها وفجورها السياسي والمالي. سعياً منها لتثبيت نظامها وتجديد شرعيتها بقوة قانون الانتخابات التزويري، وعبر استسهال شراء اصوات الناخبين، بما نهبته من اموال تعبهم في لبنان والمهاجر، بهدف مواصلة اخضاعهم، واستباحة كرامتهم الانسانية. بينما يشهد العمال والفلاحون والمزارعون والموظفون والأطباء والمهندسون والمحامون غياب مطالبهم وحقوقهم عن برامج معظم المرشحين ولوائحهم بما فيها التي ترفع رايات الاعتراض.
يأتي العيد والحركة النقابية بمختلف تشكيلاتها واتحاداتها العمالية والمهنية ومعها روابط المعلمين والاساتذة، تقيم وسط عجز مطلق عن حماية حقوقها المكتسبة، أو النضال في سبيل مطالب قطاعاتها، ويحصر بعضها مطالبه بالشأن المالي الهزيل، وتحكم تحركاتها صراعات مرجعياتها السلطوية الطائفية والحزبية، مستهينة بأنين شعبها في سعيه عما يقيه غائلة الجوع والمرض والموت البطىء.
يا عمال لبنان
إن منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني، التي شاركت في انتفاضة تشرين 2019 المجيدة مع جموع المواطنين وتابعت نبضها، ورصدت ما آلت إليه أوضاعها من تشتت وتفكك. وهي إذ تحيي صمود عمال لبنان وتضحياتهم وتاريخهم النضالي، تؤكد على الحقائق التالية:
- أهمية التحضير لإعادة الزخم لصوت العمال في الشارع، ومعهم كل المتضررين دفاعاً عن وطنهم، وإنقاذاً له مما يتهدد مصيره ومواجهة دولتهم المنهوبة ومؤسساتها المشلولة.
- بلورة المطالب العمالية والقطاعية لمختلف الفئات المتضررة مدخلاً لإعادة بناء وتكوين الحركة النقابية على المستوى السياسي العام، بما يتلاءم مع مهمة إنقاذ اللبنانيين ووطنهم من المجهول الزاحف.
- التوجه جدياً نحو اعتماد تحركات عامة وقطاعية، تستعيد حقوقاً، وتفرض تعديل سياسات، وتحقق اصلاحات حقيقية، وتحاصر نظام المحاصصة الطائفي والفساد السياسي.
- ضرورة العمل على إعادة بناء الأطر النقابية واللجان العمالية والمهنية في مواقع العمل على قاعدة الاستقلالية عن قوى الطوائف، التي عاثت فساداً وتزويراً فيها كما في سائر الأطر الديمقراطية.
- الدفاع عن الحقوق المكتسبة كديمومة العمل والضمانات الصحية والاجتماعية والمعيشية التي حققتها نضالات العمال وتضحياتهم، والدفاع عن القطاع العام ومؤسسات الدولة الخدماتية، ومواجهة استباحتها، وتعطيل أدوارها من قبل مافيات السلطة لضمان استمرار استغلال ونهب المواطنين دون حسيب أو رقيب.
- تنظيم صفوف العمال والعاطلين عن العمل من كل الفئات الاجتماعية لضمان حقوق الحد الأدنى في العيش بكرامة، في ضوء تصاعد مستويات البطالة والكساد والتضخم ، جرَّاء صعوبات عمل القطاعات المنتجة وتراجع المداخيل وغيرها.
أيتها العاملات والعمال
إن منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني تؤكد أننا كعمال وموظفين ومعلمين وأصحاب مهن حرة ومتقاعدين، لن نرضى بالإذلال الذي نتعرض له يومياً، وتشدد على إعلاء راية النضال دفاعاً عن حقوقنا المستباحة، وتحقيق مطالبنا المشروعة. باعتباره الطريق الوحيد للإنتظام في مسيرة إعادة بناء الحركة النقابية الديمقراطية المستقلة عن سلطات وقوى النهب والفساد والافساد، التي لم يشهد العالم مثيلاً لها على الاطلاق.
ختاماً كل التحية للعمال والكادحين في شتى ميادين الحياة في نضالهم وصمودهم وليكن عيدكم في لبنان مناسبة لشحذ الهمم ورفع راية الصمود وإرادة المواجهة من خلال أوسع مشاركة في الانتخابات النيابية تصويتاً واقتراعاً ضد لوائح منظومة قوى السلطة الطائفية ـ المالية، التي تقود البلاد إلى مزيد من الخراب، والشعب نحو المجاعة المؤكدة.
بيروت 29 نيسان 2022 منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني
Leave a Comment