اقتراح قانون يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلقة بأوتوستراد (خلدة – الضبية – العقيبة) وملحقاته
أحيل إلى لجنتي المال والموازنة والأشغال العامة، إلا أنه لم يدرس فيهما لغاية تاريخه.
في مطلع العام 2019، اقترحَت القوات اللبنانية، ممثّلةً بثلاثةٍ من نوابها، مشروع قانونٍ يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلّقة بـأوتوستراد خلدة – الضبية – العقيبة وملحقاته، وآخر يرمي إلى تعديل بعض أحكام قانون الاستملاك. يهدف القانونان المطروحان إلى إحياء مشروع الأوتوستراد الدائري الذي سقط بمرور الزمن، عبر تسهيل تنفيذ استملاكاته التي كانت السبب الأوّل للحيلولة دون إتمامه. بعد ستين عامًا من التخطيط لإنجازه، يشكّل الأوتوستراد الدائري جزءاً من سياسةٍ ممنهجةٍ لضرب النقل العام، وزيادة عوامل الاستثمار في المناطق المجاورة له. ففي النتيجة، لن يخفّفَ الأوتوستراد المنشود من زحمةِ السير، بل سيكبّد خزينة الدولة أكلافًا من دون جدوى، وسيعرّض سكان العمروسية والمكلّس والدكوانة والبوشرية والجديدة والزلقا وجل الديب وأنطلياس والنقّاش للتهجير، كما سيُقسّم البلدات ويشلّها اقتصاديًا ويدمّر أحراجها.
اقتراح قانون یرمي إلى تعدیل بعض أحكام القانون رقم 58 تاریخ 29/5/1991
في مطلع العام 2019، اقترحت القوات اللبنانية، عبر ثلاثة من نوابها، قانوناً يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلقة بـأوتوستراد (خلدة – الضبية – العقيبة) وملحقاته، وآخر يرمي إلى تعديل بعض أحكام قانون الاستملاك. أُحيلا إلى لجنتي المال والموازنة والأشغال العامة ولم يُدرسا لغاية تاريخه. تهدف هذه القوانين إلى إحياء مشروع الأوتوستراد الدائريّ الذي سقط بمرور الزمن، عبر تسهيل تنفيذ استملاكاته، هي التيّ كانت السبب الأوّل الذي حال دون إنجازه. فما هو إذاً الأوتوستراد الدائري؟
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تمّ استدعاء المهندس المعماري “إيكوشار” لإعادة تنظيم مدينة بيروت الكبرى. كان الهدف الأول احتواء نمو بيروت من خلال السماح بتنمية المناطق المحيطة. فقدّم مخطّطاً هيكلياً متكاملاً اقترح فيه إنشاء عدة أقطاب مدينية تشكلّ أبواباً لتوسع كل المناطق حول بيروت وشبكة طرقات سريعة تربط بينها. كانت شبكة الطرق المقترحة هرميّة وتتألف من طرق تربط أجزاء المدينة المختلفة بعضها ببعض، ومن اوتوستراد دائري يمتدّ من طبرجا إلى خلدة، يربط بيروت بالطرق السريعة التي تربط بين المدن الساحلية. كانت هذه الطرق تمرّ في مناطق نائيّة لتجنب إعادة استخدام الطرق الحالية التي من شأنها أن تعقّد حركة المرور. غير أنّ مخطط الاوتوستراد الدائري لم ينفذ.
مع نهاية الحرب الأهلية، كانت خطة النقل لبيروت جزءاً من مخططها التوجيهيّ (1986)، فكان من المهمّ تحسين وسائل النقل العام. كما تمّ اقتراح مشروع الأوتوستراد الدائري، والاوتوستراد العربي، وشبكة ثانوية للطرق السريعة. وفي عام 1994-1995، تمّ تبنِ خطة نقل جديدة على مدى 20 عاماً، أوصت بتطوير الطرق والمواقف وإشارات السير، وإنشاء شبكة مترو وخطوط ترام وشبكة حافلات للنقل العام في بيروت. وقد أعتبر تطوير النقل العام استكمالاً لشبكة الطرق الرئيسية، بما فيها الاوتوستراد الدائري. وزعمت الدولة حينها أن كل ما جاء في هذه الخطة قيد التنفيذ أو سيتّم تنفيذه. ومع ذلك، لم يتّم تنفيذ أيّ عنصر من خطة النقل العام. فقد تذرع رئيس الوزراء حينها بمقاومة ثقافة اللبنانيين لوسائل النقل العام. وبينما كانت خطة النقل لا تزال قيد الدراسة، أطلقت عدة إدارات إجراءات مجزأة شجعت زيادة حركة السيارات الفردية وسيارات الأجرة والحافلات الصغيرة، على حساب خطة شاملة للنقل العام.
وفي عام 2004، أوصت توجهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي بإيجاد شقين لمشكلة الازدحام على المحور الساحلي: شقّ متعلّق بالمركبات الآلية وشقّ آخر يتعلّق بالنقل المشترك. يُنفذ هذا الحلّ وفقاً لخطة ثابة على مراحل ثلاث. وقد شملت المرحلة الأخيرة منها، تنفيذ جزئين من مشروع الأوتوستراد الدائري والـ A2..
يمتدّ هذا المشروع اليوم، وبحسب الدراسة الأخيرة التي قدّمت له، من خلدة مروراً بعاليه وبعبدا والمتن الشمالي وصولاً إلى ضبيه، بطول 21 كلم. وهو مؤلّف من جسر علوي للسير السريع، وتحته مسار للنقل العام وإلى جانبيه طريق خدمة و14 محوّل طرق. وتبلغ كلفته 1،602 مليار دولار (846 مليون للاستملاكات). أمّا شبكة الطرقات المرتبطة به، فتشمل تخطيطات لمداخل بيروت. وفيما خصّ اوتوستراد ضبية – العقيبة (A2) الذي أُقرّ مرسوم تخطيطه عام 2017، فهو يشكلّ الامتداد الشماليّ للاوتوستراد الدائري، بطول 18 كلم. وتبلغ كلفته 1،240 مليار دولار (416 مليون للاستملاكات).
أصدرت الدولة في تشرين الأول من العام 1966 المرسوم رقم 5821 الذي قضى باستملاك الأراضي التي وقعت ضمن تخطيط الاوتوستراد الدائري. لكنها، لم تستملك هذه العقارات ولم يُبنَ الأوتوستراد. إنّ اندلاع الحرب اللبنانيّة كما وكلفة الاستملاكات المرتفعة، أجّل المشروع، قبل أن تغيّر حكومات ما بعد الحرب مساره، فتعدّله 7 مرّات. في كانون الأوّل 2001، اعتُبرَ هذا المشروع كأنّه لم يكن، في حين رفض مجلس الإنماء والإعمار إلغاءه. وفي عام 2006 عُدّل قانون الاستملاك، وبحسب المادة 17 و18 منه، أعطيت مهلة 5 سنوات لتنفيذ الاستملاكات، وإلا اعتبر مرسوم تصديق التخطيط كأنه لم يكن. ومع انقضاء هذه الفترة من دون تنفيذ المشروع، بات المرسوم باطلاً حكماً، فقرّر مجلس الوزراء إزالة الإشارات عن العقارات المُصابة بالتخطيط، إلّا أن هذا لم يحصل.
منذ ذلك الحين، جرت عدّة محاولات لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ هذا المشروع، جميعها باءت بالفشل. في عام 2012، وضعت لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، اقتراح قانون لإصدار سندات خزينة من أجل تنفيذ استملاكات الأوتوستراد. وفي عام 2016، أعاد مجلس الإنماء والإعمار تقديمه وفق اقتراح وشكل جديدين، بتوجيه من الحكومة، قلّل فيها عدد الاستملاكات وبالتالي كلفتها، مع المحافظة على الترابط بين المناطق. في عام 2017، قدّم النائب جوزف معلوف (القوات اللبنانية) اقتراح قانون يهدف الى إيجاد حل عصريّ لمشكلة الكلفة العالية لاستملاك العقارات الواقعة ضمن حرم الاوتوستراد الدائري (خلده – ضبيه). وهو يرتكز على تجزئة التعويض المستحق لأصحاب العقارات المستملكة الى جزأين، الأوّل يدفع نقداً، والثاني يكون بمثابة تعويض عيني يتمثّل بزيادة في عامل الاستثمار.
أمّا عام 2019، فقد شهد تطوراتٍ عديدة متعلّقة بهذا المشروع. فقد عُقد اجتماع لإطلاق المرحلة التمهيدية لمشروع إنشاء طريق سريع برسوم مرور بين خلدة ونهر إبراهيم، ما يُعرف بالأوتوستراد الدائري والـ A2. وقد أدرج هذا المشروع ضمن برنامج الاستثمار(CIP)، الذي قدمه لبنان في مؤتمر سيدر. بذلك أصبح القطاع الخاص مدعو لتمويل وتنفيذ الأعمال الإنشائية لهذا المشروع، ومن ثمّ صيانته لفترة معينة (BOT). فيما سيتعين على الدولة تغطية تكاليف الاستملاكات، وتحديد رسوم المرور يُنصف الشركة بالحصول على مستحقاتها واستثمارها من جهة، والمستخدمين من جهةٍ أخرى.
خلال العام نفسه، وكما ذكرنا سابقاً، تمّ اقتراح قانونين متعلقين باستملاكات الأوتوستراد الدائري والـ A2 وملحقاته. يهدف القانون الأوّل إلى تقسيم التعويض المُستحق لأصحاب العقارات المستملكة المتعلقة بـالأوتوستراد، إلى جزءٍ يتم دفعه نقداً (30%)، وآخر (70%) يجري تسديده على شكل أمتار بناء وهمية مترتبة عن زيادة عوامل الاستثمار السطحي والعام. يمكن الاستفادة منها من قبل أصحاب العقارات المستملكة أنفسهم في العقار نفسه أو عقار آخر أو أكثر، غير مبني، يقع في المناطق المجاورة، أو عبر بيعها لعقارات أخرى مجاورة، ضمن شروطٍ معيّنة، مما يخفف من كلفة الاستملاكات. أمّا القانون الثاني، فبجزءٍ منه، يعطي فرصة خمسة سنوات للإدارة لتنفيذ استملاكات مراسيم التخطيط المصدقّة التي سقطت بمرور الزمن إذا كان مشروع المنفعة العام ما زال قائماً، وإلا يجري التعويض على أصحاب الحقوق أمام المحاكم المختصة.
من هنا، نلمس إصرار السلطات عموماً، والقوات اللبنانية على وجه الخصوص، على تسهيل تنفيذ هذا المشروع، وذلك رغم مرور أكثر من ستين عاماً على التخطيط له وعدم ملاءمته لما أضحت عليه مدينة بيروت اليوم، واكتظاظ محيطه بالسكّان، وتصغير المسارب وقدرتها على استيعاب حركة السير. ويتذرع هؤلاء، بحسب الأسباب الموجبة، باتفاق الطرق الدولية في المشرق العربي، الذي يؤكد أهمية تسهيل حركة النقل البري على الطرق الدولية. وأهمية تنفيذ أوتوستراد (خلدة – الضبية – العقيبة) كحلّ لأزمة السير الحالية والمستقبلية في بيروت الكبرى. كما وحماية حقوق المواطنين والمحافظة على المصلحة العليا.
تتعدد الإشكاليات المتعلّقة باقتراح هذا القانون، فمنها ما يرتبط مباشرةً بمضمونه، ومنها ما يتعداه ليطال مشروع الاوتوستراد بحدّ ذاته. فيما يتعلّق بالشقّ الأوّل، إنّ زيادة عوامل الاستثمار في المناطق المجاورة للأوتوستراد، وما سيتبعها من تمركز لمراكز تجاريّة، سكنيّة ومراكز أعمال، حوله لن يخفّف زحمة السير، بل سيفاقمها عكس الغاية التي وضع لأجلها. ما سيكبّد خزينة الدولة وبالتالي المجتمع، أكلافاً دون جدوى. إضافةً إلى ما يرافق ذلك من تشويه وضغط على البنى التحتية الموجودة، خصوصاً أنّه لا يأتي ضمن مخطّطٍ توجيهي عام. وأخيراً إمكانية بيع زيادة عوامل الاستثمار السطحي والعام لعقارات أخرى مجاورة تسمح للمتمولين من الاستفادة من هذه الزيادة. وتساهم أيضاً في زيادة حركة المضاربة على أسعار الأراضي. كما يُطرح في هذا السياق، إشكالية شفافية التعويضات إن كانت ماديّة أو عينيّة.
فيما خصّ الاوتوستراد، فمساره كان ملحوظاً في مناطق بعيدة عن الأماكن السكنيّة، إلّا أن تنامي المدن وازدياد الكثافة السكانيّة، جعلت هذه المناطق امتداداً للبلدات والمدن التي يفترض أن يمرّ بها. وأصبحت جوانبه مُحاطة بالمناطق السكنيّة. يصل البعض إلى القول إنّ عشرين ألف مواطن معرضون للتهجير في حال تنفيذ المشروع. إذ إنّه سيضرب المناطق السكنية في العمروسية وفي ساحل المتن من المكلس والدكوانة والبوشرية والجديدة والزلقا وجل الديب وانطلياس والنقاش وصولاً إلى الضبية. وسيُقسّم البلدات ويمنع التواصل بين السكّان ويشلّها اقتصادياً، إلى جانب التلوث (تلوّث بصريّ وسمعيّ) والأمراض التي سيسبّبها لقرب مسار السيارات من الوحدات السكنيّة. فهو ليس صالحاً على المستوى البيئيّ، لا يحترم أياً من المعايير البيئية، ولم يمر أيضاً أصلاً في لجنة البيئة. إنّ امتداد الاوتوستراد شمالاً (A2) يهددّ أيضاً مناطق حرجيّة مثل جبل حريصا ومناطق أخرى لم يطلها العمران حتّى الآن. إضافةً إلى ذلك إنّ تعديل عرض الاوتوستراد من 70 متراً إلى 30 متراً، لن يخفّف زحمة السير بل سيفاقمها. كما تبدو كلفة الاوتوستراد عالية جداً، في حين أننا نواجه أزمة اقتصاديّة غير مسبوقة. فالدولة لا تملك المال الكافي لتنفيذ هذا المشروع الذي يمكن الاستعاضة عنه بمشاريع أكثر حيوية.
من الملفت أيضاً، أنّ مشروع الاوتوستراد الذي يمتدّ من خلدة إلى ضبية يلقى معارضةً من نواب التيار الوطنيّ الحرّ خصوصاً النائب السابق نبيل نقولا، ويقترحون بالمقابل مشروع الأوتوستراد البحري، الذي يمرّ فوق البحر من الكرنتينا وصولاً إلى ضبية وتتفرّع منه مخارج إلى المدن الساحليّة. وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشروع “لينور”. بينما يتّفق كلّ من التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية على أهميّة الجزء الثاني للمشروع (من ضبية إلى العقيبة)، إذ اعتبروا إقرار مرسوم تخطيطه إنجازاً. في جميع الأحوال، تغيب عن أذهان هؤلاء مشاريع تطوير وسائل النقل المشترك، مع ما يتبعها من جدوى اقتصاديّة وآثار إيجابيّة في الحدّ من زحمة السير وهدر الوقت، والتقليل من نسبة التلوثّ، وذلك عوضاً عن استحداث طرق جديدة تؤدي إلى استقطاب المزيد من السيارات والزحمة وخسارة في الوقت، والأضرار البيئية وحوادث السير، واكلاف كبيرة على الاقتصاد من استيراد كثيف للسيارات والوقود وثقل في ميزان العمليات الجارية يقدّر بنحو 4 مليارات دولار أميركي سنوياً.
منذ نهاية الحرب الأهلية، ولربما منذ الاستقلال، اتبعت إجراءات وممارسات ممنهجة لضرب النقل العام، والاستعاضة عنه بتنفيذ الطرقات واستيراد السيارات الفرديّة. فبحسب التوزيع القطاعي للاستثمارات إعادة الإعمار، شكلت البنى التحتية الأساسية من طرق، طاقة واتصالات حتى عام 2004 ما يعادل 56% من النفقات. وإذا نظرنا الى سياسة النقل في لبنان، وغياب التخطيط والنقل العام، نرى انّ استيراد السيارات أصبح حاجة حيث إنّ السيارة المستوردة أصبحت وسيلة النقل الاساسية لفئات المجتمع كلها في ظلّ غياب النقل المشترك. فقد كانت هذه الاجراءات تعزز منطق الزبائنيّة وذلك عبر التلزيمات التي كانت توّزع على الأحزاب، أو من خلال تسهيل عملية استيراد السيارات عبر السياسة الجمركية المهندسة برمتها لحماية الوكالات الحصرية التي تتمتع بها شركات استيراد السيارات، التي كان أصحابها من أتباع الأحزاب أو من السياسيين أنفسهم، على حساب المواطن، ومن دون النظر الى حاجات المجتمع الفعلية. فما زال النهج ذاته متبعاً حتّى اليوم من خلال القوانين المقترحة لتسهيل مشاريع البنى التحتية الضخمة على مثال الاوتوستراد الدائري.
*نشر على “مرصد سياسات الأرض” – استديو أشغال عامة بتاريخ تمّوز 2021 مع تعديل جزئي بالعنوان.
Leave a Comment