كتب جاد هاني*
موقع المدن ـ الثلاثاء 20 تموز 2021
أتت نتائج انتخابات نقابة المهندسين مدوّية، واسفرت عن فوز كاسح للنقيب عارف ياسين، هذا الفوز ألغى وجود الأحزاب وسيطرتها على النقابة. إن صح التشخيص، فأكثر المتفائلين في صفوف المعارضة لم يتوقعوا هذه النتيجة، بفارق أربعة أضعاف عن مرشحي السلطة مجتمعين. تعقيباً على هذا الانتصار، من الضروري أن نتعمق أكثر في قراءة النتائج لنتمكن من البناء عليها في الاستحقاقات المقبلة.
وعي النخبة
يمكننا أن ننطلق في تحليل مبسط للمشهد، من خلال طرح الأجوبة على بعض الأسئلة التي يتم طرحها في أوساط معظم الفئات الشبابية، التي تسعى إلى العمل في أطر تنظيمية تهدف إلى بلورة تغيير سياسي في البلد. أحد هذه الأسئلة التي تُطرح: “ما هو المحرك الأساسي الكامن وراء هذا الانتصار؟”. بطبيعة الحال، تُرفع القبعة لمنظمي الماكينة الانتخابية لتحالف “النقابة تنتفض”، نتيجة المستوى العالي في التنظيم والأداء. لكن أحد العوامل الأساسية التي من الضروري أن نسلط الضوء عليها، هي الدرجة العالية من الوعي عند شريحة واسعة من الشعب اللبناني، وتحديداً النخب التي كان كل عمل السلطة يهدف إلى تجييشها، لما تمثل من تأثير وثقل في الشارع اللبناني. فكان سعي السلطة الدائم يهدف إلى تسويق أفكارها وسياساتها عبر هذه النخب المثقفة للتأثير على الرأي العام.
اللعبة الطائفية
ولقد كانت واضحة خلال الأيام القليلة الماضية، التي كانت تفصلنا عن حسم المعركة على منصب النقيب، حملات التجييش ذات الوتيرة العالية من قبل قوى السلطة، والتي تمثلت باستقدام مناصريها من بلدان الاغتراب للاقتراع لمرشحيها، إضافة إلى حملات إعلامية مغرضة ومضللة، بهدف شد العصب الطائفي وإثارة النعرات المناطقية والمذهبية. لتوصيف المشهد بوضوح أكثر، ظهرت لنا النماذج المألوفة التي تعمل لحماية الفساد ومصالح الفاسدين. فرأينا مقاولاً تاريخه مشبع بالصفقات المشبوهة بتسهيل من السلطة الحاكمة، ينادي بالنقابة اللاسياسية، فتمحور برنامجه على تحييد النقابة عن الشعارات السياسية! كما كان واضحاً سعي جهة سياسية أخرى عاجزة عن بلورة أي مشروع نقابي لخوض الانتخابات، عبر تسويق معركتها الانتخابية من باب صون وحماية الأعراف الطائفية البالية خدمةً لمرشحها. رغم كل هذه الحملات المضادة والمتنوعة، استطاع النقيب عارف ياسين اكتساح المعركة ببرنامج نقابي علماني منحاز للناس، مطيحاً بنظام عمد على تغذية نفسه بوقود طائفية، وحماية مصالحه عبر ترسيخ الطائفية والزبائنية متذرعاً بشتى أنواع الحجج للبقاء.
التجربة الجامعية
لم تكن تجربة النقابة تنتفض هي الأولى من نوعها، كان قد سبق أن رأينا تجربة مماثلة في جامعة القديس يوسف، حيث تمكن النادي العلماني من اكتساح الانتخابات الطلابية وإلحاق خسائر كبيرة بالأحزاب التي كانت تسيطر على هذه الجامعة منذ عشرات السنين. وحيث أثبتت هذه التجربة تعطش الأجيال الناشئة لحرية التعبير وكسر القيود القديمة البالية التي كانت تصب في خانة حماية مصالح أصحاب السلطة. الجدير بالذكر أن في تلك المعركة لم تكتف أحزاب النظام ببث أكاذيب، وشن حملات إعلامية مضللة، بل عمدت إلى اللجوء لكافة أنواع الترهيب، من افتعال مشاكل وتهديد القيمين على النادي، في محاولة يائسة لردع الطلاب وثنيهم عن التغيير، الذي يمثل تهديداً لبقاء الأحزاب وسيطرتها على الجامعات، تنفيذاً لأجندات السلطة المعروفة والواضحة.
أما الإجابة الأكثر دقة للأسباب الكامنة وراء نجاح الحركة الاعتراضية، فهو التغيّر في مزاج المجتمع اللبناني، وخصوصاً فئة الشباب والشابات منه. هذا التغيّر فتح المجال أمام صعود الحركات ذات القاعدة العلمانية التقدمية، فانطلقت مسيرتنا بوجه هذا النظام، من خلال طرح عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وتمكنا مرحلياً من فرض هذا العقد في الجامعات. إذ نجحنا في أول معركة في فرضه بميادين اجتماعية مختلفة. ونقابتا المهندسين والمحامين كانتا خير دليل. الرهان الآن ليس على تحالفات وتعويم جبهات أو “توحيد المجموعات”. الرهان الحقيقي هو على فرض هذا الخطاب السياسي الجديد في كل الأوساط الشعبية. والمعركة مستمرة حتى استعادة كل مساحاتنا العامة من بلديات ونقابات، لتشكيل جماعات ضغط هدفها النهوض بالمجتمع، وصولاً إلى تحسين مستوى التمثيل والأداء النيابي.
*رئيس النادي العلماني – الجامعة الاميركية
Leave a Comment