الدكتور عصام خليفة*
إن الدور الكبير الذي لعبه الأستاذ محسن إبراهيم على صعيد بلورة اهداف واستراتيجيات وممارسات الحركة الوطنية اللبنانية يحتاج الى دراسات موسعة وتقميش واسع. وعليه، أفضل الآن توجيه كلمة مختصرة عن الراحل الكبير، على أن تقتصر كلمتي على الحديث عن شجاعة الأستاذ محسن في ممارسة النقد الذاتي.
ومن اجل صياغة مداخلتي المختصرة عدت الى تقرير كنت كتبته عام 1977 لحركة الوعي جبهة الشباب اللبناني. وقد جاء فيه: “لا تغيير في لبنان إلاّ من ضمن مفهوم الولاء للبنان الوطن والإخلاص لمصالح الفئات المستغلّة من كل الطوائف المشكلة لهذا الوطن، فلا مجال بعد لإتهام طائفة بأكملها بأنها رجعية أو إعطاء طائفة أخرى بأكملها القاب الوطنية. والتغيير الاجتماعي والسياسي في لبنان لا يحدث إلا من خلال القوى الاجتماعية اللبنانية، غير أن ذلك لا يعني عدم التأثر بين هذه القوى وحركات التغيير في المنطقة العربية. من هنا خطأ جبهة الأحزاب عندما راهنت على الذراع الفلسطيني المسلح لإحداث التغيير في لبنان، في الوقت الذي تحتاج فيه حركة المقاومة نفسها الى حركة تغيير من الداخل…” (وثائق المؤتمر العام السابع لحركة الوعي، 1977، ص 30-31).
وفي 7 آب 2005 ولمناسبة تأبين رفيقه الشهيد جورج حاوي يصرح الأستاذ إبراهيم بشجاعة استثنائية أن الحركة الوطنية اللبنانية أخطأت في الكثير من المواقف والاستراتيجيات، “وبعضها كان قاتلاً”. ومن بين الأخطاء الكثيرة يتوقف عند خطأين:
“الأول: أننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وانصافاً.
الثاني: أننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الاهلية تحت وهم اختصار الطريق الى التغيير الديمقراطي. فكان ما كان – تحت وطأة هذين الخطأين – من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بنية البلد ووجهت ضربة كبرى الى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام”.
على صعيد آخر شدّدت حركة الوعي على العلمانية كأساس في الرد على الوضع الطائفي. “العلمانية في مفهومنا عملية صراع اجتماعي وسياسي شامل ومستمر، ولئن تحققت على صعيد الأنظمة والقوانين فيبقى أن نستمر في النضال لتحقيقها في عقل المجتمع وسلوكه” (تقرير حركة الوعي، المرجع السابق ص 33).
وعن العلمانية يقول أبو خالد في نفس الخطاب ( 7 آب 2005) “إن العلمانية لا تقوم ولا تستقيم ولا تتحول إنجازاً عصياً الا بنضال شاق من اجل بناء كتلتها الاجتماعية الراجحة الوزن في ميادين السياسة والثقافة ومؤسسات الانتظام المدني الاجتماعي الحديثة… ولا يمكن أن يقاد اللبنانيون حتى إلى جنة العلمانية بالسلاسل”.
رحم الله الأستاذ محسن إبراهيم. لقد كان حقاً صاحب فكر نقدي شجاع وقد رسم في مواقفه الأخيرة خريطة الطريق لكل العاملين على تحقيق التغيير في لبنان.
واذا كان البعض لا يستسيغ فكره، فلا يمكن لأي باحث في تاريخ لبنان المعاصر أن يتجاهل الدور المحوري الكبير لهذا المناضل، وأن يقيم ايجاباً نظرته الثاقبة للأخطاء القاتلة التي وقعت فيها الحركة الوطنية اثناء الحروب العبثية المركبة.
وكم نحن اليوم بحاجة إلى العقول النقدية التي تساهم في انتشال شعبنا ووطننا ودولتنا اللبنانية من الكارثة الكبرى التي تعاني منها.
* الأمين العام للحركة الثقافية – انطلياس، أكاديمي وباحث ونقابي لبناني
Leave a Comment