فاروق دحروج*
في تكريم رفيقنا الكبير محسن ابراهيم نقف احتراماً لذكراه، ولذكرى شهدائنا في كل المعارك التي خضناها الى جانبه وجانب قيادات العمل الوطني والمقاومة الفلسطينية.
عبر التاريخ تنهض قامات تترك بصمات لا تمحى، لأنها استطاعت أن تلتقط الضرورة التاريخية، واستطاعت ان تترجمها الى رؤية فكرية وسياسية مناسبة، وتمكنت من حشد القوى الشعبية القادرة بنضالها وتضحياتها وتحويلها الى وقائع سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية.
الرفيق محسن ومنذ شبابه الأول ومع صعود حركة التحرر الوطني العربية بقيادة القائد العملاق جمال عبد الناصر، حدّد موقفه الى جانب هذا الخط الذي رسمته قوى التحرر، وانخرط بكل قدراته المميزة في سياق هذه المعركة الكبرى.
فكان المفكر السياسي القدير، والصحافي اللامع، وصاحب القلم المبدع، وكان المنظم، وكان قبل ذلك وبعده الانسان الذي يحلو العمل معه، وتطيب الحياة الى جانبه.
وحين انتكست التجربة الناصرية والتحررية بعامة، وتراجع المد القومي العربي، وبدأ صعود الاتجاهات المذهبية والطائفية كبديل منها. كانت لديه الجرأة لينتقد علناً ثغرات تلك التجربة، وحدّد ضرورة متابعة المعركة وفق خلفية فكرية سياسية اكثر شمولية واكثر عمقاً وجذرية. فكان خياره بتوسيع أفق الرؤية القومية العربية، الى أفق الرؤية الماركسية والخيار الأممي، حيث أعتبر انه من المستحيل إنتصار قوى التحرر العربي على التحالف الأطلسي الصهيوني، دون الانكفاء إلى قدرات قوى التحرر والتقدم العالمي. وعندما جاءت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الساحة اللبنانية لمتابعة معركتها في وجه الصهاينة وداعميهم الدوليين والاقليميين، إنخرط الرفيق محسن إلى جانب المعلم كمال جنبلاط والرفيق جورج حاوي وإنعام رعد وغيرهم من قادة العمل الوطني اللبناني، في معركة الدفاع عن الثورة الفلسطينية في وجه التآمر الذي تعرضت له، رابطين تلك المعركة التحررية العربية بمعركة الاصلاح اللبناني الداخلي لنظام سيطرة الطغمة المالية الطائفي الشكل الرجعي المضمون. وقد اعتبر انذاك الرفيق محسن ـ والرفاق القادة الاخرين كمال جنبلاط وجورج حاوي أن هذين الوجهين من المعركة لا ينفصلان… فلا تحرير لفلسطين دون عمق عربي متحرر، ولا تحرر وطني تغيب فلسطين عن عنوانه الأكبر.
واليوم، في زمن محاولة تكريس الهزيمة، وزمن التطبيع، يصبح هذا الكلام أكثر صحة من أي وقت مضى، ولا يغير من ذلك واقع المقاومة الراهن. فجوهر المعركة في وجه الصهاينة وحلفائهم أهم من الشكل الذي ترتديه. وما زالت المعركة في لبنان خاصة في ظل انهيار مشروع الليبرالية المتطرفة، والتبعية الفجة، والتعصب الطائفي والمذهبي المتلفت، مستمرة تحت العناوين ذاتها تقريباً.
فكما كان لبنان يعيش ضرورات الاصلاح السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي الذي إختصر برنامج الحركة الوطنية افقها ومحطاتها، فهو يعيش الآن الضرورات نفسها وأفق الحل ذاته.
فجوهر الأزمة سياسي وإن اتخذ اشكالاً مختلفة اقتصادية واجتماعية ومذهبية، فلا خلاص لنا الا عبر القطع مع منظومة التبعية المالية والسياسية الأمنية وقوى التطبيع وخياراتها.
لا خلاص لنا دون تجاوز المحاصصة الطائفية والمذهبية.
لا خلاص لنا دون التخلي عن نظام الريع ونهب الودائع إلى اقتصاد منتج مترابط مع محيطه وعادل في توزيع ثمار الثروة الوطنية، وتعب الكادحين وقوى الانتاج.
لا خلاص لنا الا بتثبيت وتعزيز مكستباتنا الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان الفعلية وفي مقدماتها حق العمل، وحق التمثيل السياسي الصحيح، وحق العدالة بكل مندرجاتها ولا خلاص الا بتصالح الفكرة القومية العربية مع الديمقراطية.
في ذكرى الكبير الذي خسرنا، والباقي في القلوب والضمائر الحية، في ذكرى من شارك في الدعوة إلى القتال وحمل السلاح في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حين تعرّض وطنه للإحتلال وعجزت سلطاته الرسمية عن النهوض بموجبات الدفاع عنه.
نكرر التزامنا بما ناضل من أجله الرفيق محسن ابراهيم والحركة الوطنية وكل قوى التحرر في لبنان وفلسطين والمنطقة.
تحية لذكرى الرفيق أبو خالد ولكل الرفاق الذين غادرونا، والذين ما زالوا باقين وصامدين وما بدلوا تبديلا.
* الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني
Leave a Comment