محسن إبراهيم

يبقى إرثه المعرفي والنضالي ذخيرة للديموقراطيين العرب

الدكتور كامل مهنا*

رحل الصديق أبو خالد مؤمناً حتى الرمق الأخير بالشعب، قوةً للتغيير وقاعدةً لصنع النهضة، وطاقةً لإكساب حركة النضال العربي معانيها الأصيلة، مخلفاً وراءه إرثاً معرفياً كبيراً، وذخيرة للعروبيين واليساريين والديمقراطيين اللبنانيين والعرب.

قدّم خلال مسيرته النضالية رؤى متقدمة للواقع السياسي في مجتمعاتنا العربية. وكانت البوصلة في كل طروحاته المنهجية تشير إلى القضية العربية المركزية، إلى فلسطين. فإذا كان من نافلة القول إن هذه الطروحات العميقة لا يستطيع أحد التنكر لها، فإن هذا الإرث الذي تركه لا يزال منهجاً لكل مفاعيل الحقوق العربية المغتصبة، خصوصاً أن بلادنا عانت ولا تزال من السياسات الخارجية الأميركية الجامحة والمشاريع الفئوية الزاحفة من كل الجهات.

عوّل محسن إبراهيم على دفع الفئات الشعبية لاكتشاف مكانها الصحيح في حركة التاريخ. أي على عملية توعوية مستدامة تقود هذه الفئات إلى لعب دور حاسم. وتحقّق نقلة نوعية نحو الفعل الثوري، كي تغدو إنجازات هذه الفئات فعلاً تراكمياً راسخاً عبر السنين، وتتحول إلى حركة مجتمعية تضع الشعوب، شعوبنا المقهورة في مجرى نهر التقدم. ولا بد هنا من الربط بين بُنية الفئات الشعبية وبين تطلعاتها وآمالها، فكان بمقدوره أن يقدم الأدلة النظرية على إمكانية وأهمية السعي نحو التقدم، على الرغم من كل الصعاب والتحديات التي تواجه هذه الحركة الثورية، فحيث تكون هذه الحركة، لا بديل عن الوعي الشعبي الجماهيري للقضية.

لا يستطيع أحد التنكر للرؤى التي عبر بها هذا القائد حول واقع المجتمعات العربية، كذلك لا يمكن لأحد التنكر لدوره قائداً سياسياً في مواقع الصراع المتقدمة ضدّ أعداء الأمة العربية وحركات التحرر الوطني فيها. وقد أثبتت الممارسة العملية لهذا القائد الريادي، أنه كان مدرسة في جرأة الموقف والنقد على مدى العقود الماضية. وكذلك في مرحلة التحولات الصعبة والمنعطفات الخطرة. في تاريخه النضالي لم يبخل بمساهماته الفكرية والنظرية والنقدية التي شعَّت في مختلف الاتجاهات. كما رسم مسار رحلة التجدد والديمقراطية في عالمنا العربي، ما انعكس اعجاباً والتزاماً بفكره من جانب شريحة عريضة من الجمهور العربي، خصوصاً من المثقفين لجهة متابعة هذه المسيرة والاستمرار في خطها.

إن غياب أبو خالد خسارة كبرى للبنان وفلسطين والبلاد العربية. لقد آمن بأنه لا بد من خوض معركة طويلة ومباشرة لاقتلاع الرواسب الفكرية والاجتماعية التي تعطل فعالية الفئات الشعبية، وتحرمها من لعب دورها الصحيح، متسلحة بالمعرفة. وقد انعكس إيمانه هذا على أجيال من المناضلين، وما انفك دؤوباً على استمرار العمل وفق هذه الرؤية، لبناء المستقبل الذي تطمح إليه شعوبنا على الرغم من التحديات والصعاب العديدة.

*رئيس مؤسسة عامل

Leave a Comment