كتب جمال حلواني
انتهت سجالات عدد من مجموعات الانتفاضة حول الدعوة للتحرك في مناسبة عيد الاستقلال التي شهدت طروحات متناقضة، ومشادات كبيرة قادت الى خروج عدد من الناشطين من مجموعاتهم نتيجة الخلافات المحتدمة. وهذه الخلافات وما تمخض عنها من مواقف تجسد أحد أوجه أزمة الانتفاضة وانسداد آفاقها، والتي تتكرر أشكال التعبير عنها.
فقد طرحت بعض المجموعات تنظيم مسيرة سيارات في مناسبة الاستقلال، لكن المجموعات اختلفت على خط سيرها في بيروت، وهل تشارك المناطق ام تتحرك في مناطقها فقط. ترد مجموعة ثانية نعم نشارك، مع تعديل التوجه وأن نتظاهر امام “الزيتونة باى” مع حمل حقائب السفر، كي نقول للسلطة: ان شعبك ينوي الهجرة نتيجة يأسة من هذة السلطة وأدائها.
اختلفوا على موضوع الحقائب أو الشنط، واعتبر بعضهم أن هذا موقف عدمي وأن الثورة فشلت وخلصت الحكاية.
مجموعة اخرى ترفع راية “المجموعات السيادية” تبنت الدعوة لمسيرة سيارات تنتهي امام مقر الامم المتحدة، واذا تعذر ذلك الذهاب إلى بكركي لتسليم البطريرك الراعي رسالة تتعلق بالمطالبة بتنفيذ القرار 1559. وعليه، وقع الخلاف واحتدم النقاش واختلطت الامور.
أما في الجبل أيضاًـ فقد عُقدت عدة اجتماعات لمندوبي المجموعات، من أجل توحيد رؤية الانتفاضة ودورها وتشكيل قيادة موحدة للجبل كمرحلة أولى، على أن تعمّم التجربة لاحقاً في كل لبنان. تزامن هذا الطرح مع محاولات تقوم بها مجموعات أخرى لإنشاء حكومة ثورية وتشكيل مجلس نيابي بديل يراعي التمثيل الطائفي، تمهيداً لانتخاب رئيس جمهورية الثورة. ومرة أخرى يتجدد النقاش المندلع حول الشعارات الكبرى التي تكررها كل المجموعات ولا تجد طريقها الى التنفيذ.
في المقابل تحركت بعض المجموعات التي تنتمي إلى احدى المنصات، التي لمع اسمها في الاعلام، وتسابقت المجموعات للعمل تحت مظلتها، من أجل القول للسلطة إنهم البديل وأن سقوطها قادم لا محالة وهي مسألة وقت، وانهم مستمرون في تحركاتهم كقوة ضغط ثورية اجتماعية وطبقية تمثل القطاع الخاص، وتضم عدداً من اصحاب المصالح والأعمال والشركات.
يوم 21 تشرين الثاني تجمع العشرات من الشبان أمام “الزيتونة باي” وتحركوا بمواكبة أمنية كبيرة بإتجاه ساحة الشهداء. لم يتجاوز عدد المشاركين في المسيرة الـ 150. لكن الاناشيد والهتافات الثورية لم تغط على ضآلة العدد، لأن اصحاب الحناجر التي ترددها غابت أو اختفت، ولم تعد تملأ الساحات.
لكن المجموعات الناشطة أو من بقي ناشطاً او متابعاً للاجتماعات منها أو باسمها، لم تجروء على طرح السؤال عن اسباب عدم المشاركة أو هزالها في أحسن الأحوال رغم تكاثر وتدافع الأزمات، وأين اختفت عشرات ومئات الالوف الذين ضاقت بهم ساحات وشوارع الوطن، وهل تحققت مطالبها أو جزءاً يسيراً منها؟ وكيف تبخرت مئات المجموعات التي لم يعد أحد يذكر اسماءها؟ أو لماذا ولدت التنسيقيات ميتة؟ أو انهار من تشكل منها بسرعة البرق كما ظهر؟
من صفات الثوار والمجموعات الثورية أنهم لا يخافون من المواجهة مع قوى السلطة. لكن اليس أسهل عليهم مواجهة ما هم عليه من عجز وقصور ذاتي.ولماذا الهروب؟ وهل يستيطع هذا أن يحارب الفساد ويستعيد الاموال المنهوبة ويحقق التغيير ويأتي بالمطالب المرفوعة، من يعجز عن اقناع الناس بالمشاركة في التحركات وإلقاء اللوم عليهم، بدل التفكير في أسباب انكفائهم عن المشاركة وإدارة الظهر لدعوات التحرك التي يغيب عنها الداعون لها أنفسهم.
من السهل حصر المسؤولية بالسلطة وأحزابها، لكن الا يستحق وضع الانتفاضة أو الثورة والحراك، سموها كما تريدون، أن يواجه من يرفع شعارات التغيير واسقاط النظام؟ لماذا لم نتقدم في مواجهة السلطة التي تشعر أنها مرتاحة على وضعها، بعدما صدق البعض أنها بدأت بالانهيار والسقوط وأنه البديل أو المخلّص المنتظر.
الا تعكس حالة المجموعات وسجالاتها واختلافاتها ومنافساتها ومناقراتها على وراثة اسم الانتفاضة شكلاً من اشكال المتاجرة المسيئة لها، ولأحلام الذين تحول غضبهم تمرداً وعصياناً، استسهل الكثيرون ركوب أمواجه والذهاب به بعيداً إلى متاهات يتحكم بها السراب واغرقته بأوهام التغيير السهل، الذي تبين أنه كان أقصر الطرق لليأس وإبقاء ابواب الخلاص أمام قوى السلطة الفاسدة والفاجرة مشرعة على مصراعيها. هل نستمر في الهروب مما اقترفناه من أخطاء، ونمتلك جرأة تحمل المسؤولية عنها، لتجديد الأمل الصعب في مواجهة هذا الوضع العصيب والبالغ التعقيد بالنظر إلى تداخل مستوياته، ونحن نمر في المرحلة الأشد خطورة من تاريخنا، ونعمل لمحاولة وصل ما انقطع مع الذين راودهم حلم التغيير وحركهم الوجع والخوف والقلق، وبالتالي بث الروح في محركاتهم المعطلة في مواجهة الجوع الزاحف برعاية من يحكمون باسمهم ويتحكمون بهم، بأمل الإنقاذ العاجل كخطوة على طريق الخلاص من هذه الطبقة الميليشياوية الفاسدة كي يبقى لنا وطن ونستعيد الاستقلال.
Leave a Comment