الجدل الذي يشهده لبنان حول ملف “النازحين” أو “اللاجئين “السوريين، والذي دق أبواب الجلسة الأولى لاجتماعات مجلس الوزراء وكاد يقود إلى فرطها ، إن لم يكن قد فرطها فعليا، هو نموذج عن حسابات المحاصصة اللبنانية ومخاطرها. فالطرفان يتباريان تحت شعار “العودة الآمنة” أو “العودة الطوعية” قبل الحل السياسي أو بعده، لكنهما لا يتصرفان بنزاهة انطلاقاً من الحرص على المصلحة الوطنية السورية، بقدر ما يحاولان وضع هذه المصلحة في خانة حسابات طوائفهم. إذ يعلم الجميع أن هناك فريقاً يتصرف أنه انتصر في معركة الداخل السوري وانتهى الأمر واستتبت الأوضاع للرئيس بشار الأسد ومحوره الروسي الايراني، ما يتطلب التثمير في مصلحة تعويم نظام الأسد. وهو ما بدا على نحو صريح في قمة التنمية الاقتصادية العربية التي عقدت في بيروت، إذ استعجل هذا الفريق تلك العودة، ما قاد إلى حال من الفشل. ولأن هذا الفريق يراهن على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومن ثم إلى الحصول على تفويض شرعي، أو أمر واقع متجدد في الإشراف على الوضع اللبناني، فإن ذلك يُترجم بمكاسب آنية ومستأخرة.
في المقلب الآخر هناك فريق يرى أن موضوع عودة هؤلاء النازحين إلى ديارهم لم ينضج بعد، باعتبار أن الروس سبق واطلقوا محاولة تكللت بالفشل ، فالعودة تتطلب أموالاً لا تملكها كلاً من روسيا وايران ومن معهما. وعندما تبين للروس أن الاوروبيين ليسوا على استعداد للتمويل مثلهم مثل الدول العربية النفطية دون حل سياسي فعلي، وقالت اميركا كلمتها المختصرة بأن العودة تتطلب حلاً سياسياً، وأنها مرتبطة أيضاً بعملية إعادة الإعمار التي تحتاجها والتي تتطلب مليارات الدولارات لإعادة تعمير البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة، وهذا يتطلب الاتفاق على تحديد الحصص. أما وأن ذلك لم يجر فلا عودة ولا من يحزنون. عندها قام الروس “بضب” المشروع الذي تذكره اللبنانيون في بيان حكومتهم الوزاري . ولكن دون أي دينامية دولية. لكن هذا الفريق لا يريد أن يكسر الجرة مع الروس، لذا أعلن تمسكه بالمبادرة، يقيناً أن ذلك يحقق أحد هدفين أولهما اعتبار الموقف الروسي ميدان صراع للجذب، والثاني أن الدول الاوروبية التي اعلنت عن مساهمتها في تمويل مشاريع مقررات مؤتمر سيدر اشترطت عمالة سورية من النازحين لا تقل عن نسبة 30 % ، لذا جرى تكرار الحديث عن دور العمالة السورية التاريخية في قطاعي الزراعة والبناء.
وبعيداً عن موقفي الفريقين هناك السؤال الكبير حول موقف نظام الرئيس الأسد وفريقه الذي لم يغير رأيه القائل إن ” سوريا المفيدة” لا تتطلب أكثر من نصف عدد السكان فقط، أي 12 مليوناً وليس 24 مليوناً. أما الباقون فعلى الآخرين تدبر أمورهم في دول الجوار القريبة. وما يفيض عن هؤلاء ينخرط في تهديدات الأسد المتكررة بعودة قوافل غزو اللاجئين براً وبحراً. من قال إن هذه الدول تكترث بالوضع اللبناني وضغط اللاجئين على بنيته السياسية والاقتصادية؟
[author title=”المحرر العربي” image=”http://”]المحرر العربي[/author]