لم يعتبر الرئيس السوداني عمر حسن البشير مما شهدته العديد من الدول العربية، لذلك يبحث عن مسكنات لوجع السودانيين في هذه العاصمة العربية أو تلك، في قطر أو مصر، علهّا تساهم في تخفيف حدة الأزمة التي يعيشها السودان منذ ثلاثة عقود هي حصيلة وجوده في الحكم، وكانت آخر تجلياتها رفع أسعار الخبز، ما قاد إلى انفجار الوضع منذ حوالي الشهرين. يتهم البشير المتظاهرين على عهده بأنهم يحاولون استنساخ ما شهدته الدول العربية الأخرى من انتفاضات. ولأن الرئيس البشير لا يختلف عن سواه من الحكام العرب أكد رفضه التنازل والبقاء في سدة الحكم، أما إذا أرغمته التطورات فانه يقبل بأحد الضباط في تكرار للتجربة السودانية الفاشلة منذ عقود وعقود. ولأن البشير لا يختلف عن باقي الحكام العرب لم يجد حرجاً من وصف الجموع التي نزلت إلى شوارع المدن والقرى بأنهم عبارة عن فئران عليها العودة إلى جحورها، بدل أن تردد الشعارات والبرامج والنداءات نفسها وتستخدم وسائل الاتصال الاجتماعي. علماً أن الرئيس الليبي معمر القذافي سبق ووصف المحتجين على ديكتاتوريته الجماهيرية بأنهم جرذان.
ودوماً هناك الإتهامات للجهات الدولية التي تعمل على زعزعة الأوضاع في دول المنطقة، وليس بعيداً عما ذهب إليه الرئيس السوري بشار الأسد من زعم وجود مؤامرة كونية عليه، لم يختلف البشير عنه في تحميل مسؤولية سوء وضع السودان على هذه القوى التي أجتمعت ضده. وبالطبع ضمن هذه الجهات يلعب الإعلام الدولي والإقليمي دوره التهويلي، دون أن ينكر وجود مشكلة، لكن المشكلة المضاعفة أن لا يرى البشير علاج لها سوى استمرارية حكمه مباشرة بشخصه أو من خلال ضابط آخر يحمل المشروع نفسه، متجاهلاً أن حكمه أدى إلى التفريط بوحدة التراب السوداني، وانتج مسلسل الأزمات التي تطحن عظام السودانيين من فئة الطبقة الوسطى وما دون.
لا يكلف الرئيس السوداني نفسه عناء البحث عن أسباب المعضلة التي يعانيها حكمه، والتي دفعت العديد من الأطراف التي كانت ضمن طاقم الحكم إلى الانسحاب منه متأثرة بقمعه العاري وخروج الحوار الوطني عن مساره الطبيعي، والتضييق على الحريات، والبطش بالمحتجين السلميين. ما يعني أن الحكم يفقد تباعاً المزيد من القوى التي ضمنت بقاءه طوال هذه العقود. لكن المشكلة لا تقف عند هذه الحدود، إذ أن المواقف التي أعلنها البشير تؤشر بدورها إلى سيناريوهات قد تكون الأسوأ، ولعل جملة ما أعلنه تكشف بوضوح أن الخيارات التي يمكن أن تندفع نحوها الأوضاع لن تختلف عما آلت إليه أوضاع الدول التي شهدت مثل هذه التحركات، حتى ولو كان الثمن هو الخوض في دماء السودانيين عبر منوعات القمع وصولاً إلى الحرب الأهلية عبر استخدام القوة، والتوسع في استعمال الجيش علّه ينقذ حكمه المتهاوي.
وسط هذا الاطباق تتصاعد حدة الاحتجاجات لتتحول إلى تظاهرات سلمية واسعة ضد حكم البشير الذي يعلن إصراره على تطويل أمد حكم العسكر، ما يؤدي إلى المواجهات التي أسفرت عن مصرع العشرات وجرح الألوف.
[author title=”كتب محرر الشؤون العربية” image=”http://”]كتب محرر الشؤون العربية [/author]