تؤشر استطلاعات الرأي العام في الكيان الاسرائيلي إلى أن حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامينن تنياهو سيحظى على الأقل بحوالي ثلاثين مقعداً من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، كما تشير إلى أن أحزاب اليمين المتطرف ستحظى بالعدد الأكبر من المقاعد مقابل تراجع حزب العمل وأحزاب الوسط. ويطمح نتنياهو أن تكون النتائج في الانتخابات المقررة في 9 نيسان هي الفرصة الخامسة له لتشكيل حكومة من أحزاب اليمين المتطرف، كما فعل في الحكومات المتعاقبة منذ العام 2009 وحتى الآن. ويستند نتنياهو في ذلك ليس إلى الموجة اليمينية التي ما تزال طاغية على المشهد الاسرائيلي منذ عقود، بل إلى الانتصارات التي حققها والتي تجعل منه الرجل غير المنافَس على زعامة حزبه والبلاد. فقد أتاح له وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن يقطف ثمار زعامته ورئاسته اعترافاً بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الاميركية إليها، وتتالي الاعتراف بالخطوة من جانب دول محدودة يراهن أن تتصاعد وتجعل الخطوة أمراً واقعاً على صعيد العلاقات الدولية. والأهم من ذلك كله أن اسرائيل باتت مقررة في الوضع السوري، وما الاتفاقات التي أعيد احياؤها في ما يخص المنطقة الجنوبية من البلاد سوى خطوة. وتتابع الآن الطائرات الحربية والصواريخ الاسرائيلية مطاردة وقصف التواجد الايراني في الأنحاء السورية، بعد أن حصلت من روسيا مجدداً على “حق” العودة إلى تنفيذ العمليات الحربية يومياً دون رادع من المنظومات الجوية الروسية كما حدث بعد اسقاط طائرة التجسس الروسية. ويجري العمل الآن في اتجاه دفع الإدارة الاميركية إلى الاعتراف بضم الجولان إلى الأراضي المحتلة أسوة بالقدس، وتهديد الرئيس السوري بشار الأسد بقتله لأنه فتح أبواب البلاد للايرانيين الذين ينافسون الاسرائيلييين في منطقة باتوا يعتبرونها ضمن نطاق نفوذهم. ولا يجد الايرانيون وممانعتهم سوى الردود الكلامية المكررة على استهداف مواقعهم وحلفائهم من الميليشيات التابعة.
أيضاً هناك عمليات التطبيع التي تتم بصمت مع عدد من الدول الخليجية التي تشاطر اسرائيل التخوف من الخطر الايراني، وتكريس نوع من التحالف عبر مؤتمر وارسو المزمع عقده في شهر شباط الجاري، والذي دعت إليه الولايات المتحدة الاميركية لمواجهة مخاطر النفوذ الايراني على صعيد منطقة الشرق الاوسط. وبذلك تتجاوز اسرائيل المخاوف التي أثارها قرار الرئيس ترامب سحب القوات الاميركية من سوريا. على هذه القاعدة من الإنجازات يأمل نتنياهو أن يتمكن من طي صفحة الاتهامات الموجهة ضده بالرشوة والفساد المالي والتي تهدده بالمحاكمة.
أما في الضفة والقطاع فتحظى اسرائيل باطلاق يدها تقريباً، فالتغطية الاميركية في مجلس الأمن حاضرة لحماية سياساتها العنصرية، وما تصدره الجمعية العمومية للأمم المتحدة لصالح فلسطين وشعبها من قرارات باعتبارها أرضاً محتلة لا يجد طريقه إلى التنفيذ. وعليه “تتغول” الإدارة الاسرائيلية لتشمل معظم مناطق الضفة بما فيها المناطق المصنفة في اتفاقات أوسلو خارج سلطتها، ومعه تتصاعد حمى الاستيطان إلى الحد الذي تجاوزت معه تهويد القدس إلى السعي لتهويد عموم الأرض الفلسطينية، وفتحها أمام المستوطنين الذين يتم جذبهم من كل دول العالم باعتبار فلسطين هي بلدهم واسرائيل هي دولتهم بموجب قانون القومية، إضافة إلى حملات القمع والقهر والاعتقالات والمصادرة اليومية للأراضي والممتلكات الخاصة والعامة.
لكن المعضلة في المقابل تتعدى هذا المشهد الاميركي الاسرائيلي وحال التفكك العربي، لتكشف عن الوجه الآخر للعملة، وهو المتمثل في حال الانقسام الفلسطيني المقيم. ففي غضون الأسابيع والأشهر المنصرمة توسع الخرق على “الراتي”، وتبين أن اتفاق القاهرة الذي تم التوصل إليه بين حماس وفتح لم ينجح في التقريب بين الموقفين، وما حدث كان العكس ، إذ أكد المؤكد من أن وضعي الضفة والقطاع باتا يداران في عالمين مختلفين تماماً، مع أن كلاهما ومعهما الشعب الفلسطيني في المأزق الخطير نفسه. ووصل الأمر إلى حدود طرح المشاريع والمشاريع المضادة بعد أن فشلت المحاولة المصرية لإنهاء الانقسام المستحكم. وكان أن أدى ذلك إلى جملة تداعيات كان أبرزها قرار السلطة بحل المجلس التشريعي والدعوة إلى الانتخابات العامة مجدداً علّها تعيد إحياء الشرعية الفلسطينية، مع ما يثيره ذلك ودون توافق من أسئلة وتساؤلات وقد يقود إلى تعميق الشرخ بين الطرفين، وهو ما كانت كتلة “التغيير والإصلاح” النيابية التابعة لحركة حماس قد استبقته منذ ذهاب الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة لالقاء كلمته أمام الجمعية العامة و “نزع شرعيته” وإعلانه غير ذي صفة لتمثيل الشعب الفلسطيني في هذا المحفل الدولي. وتبع ذلك حملات اعتقال طاولت مناصري فتح في القطاع لمنعهم من الاحتفال بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، واعتقالات مضادة طاولت مؤيدي حماس في الضفة، وصولاً إلى سحب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية من معبر رفح، ما أدى حتى الآن إلى فتحه باتجاه واحد، وعودة الجهود المصرية الهادفة إلى عودة الموظفين والحفاظ على تفاهمات التهدئة خشية انزلاق الأمور إلى أكثر مما هي عليه الآن من تمزق.
كل هذه الوقائع عبرت عن تأجج نار الخلافات المستعرة وأعاقت وتعيق التوصل إلى الحد الأدنى المشترك لمواجهة تداعيات السياسات الاسرائيلية والتوجهات الاميركية وخصوصاً منها، ما يمس قضية الشعب الفلسطيني بدءاً بقضية القدس مروراً بقطع المساعدات الاميركية عن الاونروا والمؤسسات والمجتمع المدني الفلسطيني في عملية ضغط متصاعدة… وهو ما شجع مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي على الشروع في تنفيذ خطة رئيس بلدية القدس المحتلة السابق نير بركات واقفال ثلاثة مدارس للاونروا يقارب عدد تلامذتها حوالي 700 طالب. كل هذا ولم نصل بعد إلى إعلان إدارة ترامب تفاصيل “صفقة القرن”. بالطبع نجحت السلطة الفلسطينية عبرعمل دبلوماسي كثيف بما فيه قطع الاتصالات مع الإدارة الاميركية في لجم منحى ترمب، ومعه عجزت اميركا عملياً عن تسويق الصفقة فلسطينياُ وعربياً ودولياً، ولكن الانقسام الداخلي حال دون تحويل هذا المكسب إلى إنجاز يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ويعيد تأكيد مشروعية إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحقها بالسيادة على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
[author title=”عماد زهير” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]