اقتصاد سياسة مجتمع منشورات

توسيع قاعدة الحراك المطلبي ضمانة استمراره واستقلاليته

فإن القضايا المدعو للتحرك بشأنها لا تحتمل الشك بوجاهتها ومشروعيتها وضرورة التحرك  من أجلها، مما يجعل عدم المشاركة فيها موضع تساؤل.

كان لتصاعد أزمات النظام السياسية، وانفجار صراعات الهيمنة الطائفية واستطالة الفراغ الحكومي وعجز الحكم وشلل مؤسسات الدولة، مضاعفات خطيرة على الصعيد الاقتصادي والاستقرار النقدي وقطاعات الخدمات العامة، أدت إلى رفع منسوب التردي الاجتماعي الذي ترزح تحت وطأته غالبية الفئات الشعبية من أصحاب المداخيل المحدودة والمتوسطة.

     وكان أمراً طبيعياً أن يؤدي هذا الوضع إلى قيام مبادرات احتجاجية في  الشارع ترفع مطالب عامة. وأيضاً  كان بديهياً أن تتعدد المبادرات الداعية إلى التحرك بصيغ متعددة وأشكال متنوعة. وبصرف النظر عن  الإلتباسات المحيطة بتلك الدعوات وعفوية بعضها أو قصورها، فإن القضايا المدعو للتحرك بشأنها لا تحتمل الشك بوجاهتها ومشروعيتها وضرورة التحرك  من أجلها، مما يجعل عدم المشاركة فيها موضع تساؤل.

      إن انتظار اكتمال المواصفات ووضع الشروط للمشاركة من موقع المتفرج، لايساهم في تجاوز  الإشكاليات التي ستبقى ملازمة لها وإن تبدلت أوجهها. فالحركات الاعتراضية والمطلبية لا تولد مكتملة المواصفات. كذلك فإن معالجة معضلاتها القائمة  سواء تعلق الأمر بالجهات الداعية أو القوى المشاركة أو شكل التحركات الحاصلة وتحديات استمراريتها، واستقلاليتها، وحدود فعاليتها وتأثيرها، لا يمكن له أن يتحقق إلا عبر مسار صراعي طويل ومتدرج، يحتدم فيه السجال والنقاش والتنافس. علماً أن المسائل الخلافية المتعلقة بالتحركات لا تحسم مرة واحدة والى الأبد.

     لا يختلف الأمر بالنسبة لبرامج التحركات وطبيعتها وتمايزها بين العام والقطاعي والمناطقي. كما يطرح سبل الخروج من هامشية التحركات القائمة والمشاركين فيها، رغم تعدد الداعين لها، وإدمان تكرارها على مدى زمني ليس بقصير. والهامشية ليست تهمة بقدر ما هي واقع  لها أسبابها ومظاهرها وسلبياتها من حيث الفعالية والجدوى. وهو ما يستحضر  الفارق بين حركة مطلبية ذات بنية حزبية أو نخبوية، وحركة شعبية تعددية حاشدة يفتقدها البلد.وهذا يطرح تحدي توسيع قاعدة التحرك والقدرة على استقطاب فئات شعبية وقطاعات اجتماعية، منكفئة راهناً يغلب لديها عدم الاستعداد للمشاركة، أو فقدان الثقة بالجهات الداعية، أو غياب القناعة بجدوى التحركات، رغم امتلاكها الحد الأدنى من الوعي حول حقوقها وحاجاتها ومطالبها. والثقة لا تأتي بقرارات أو مراسيم تصدرها الجهات الداعية أو التنظيمات الحزبية، بقدر ماهي قضية جوهرية  لا تتحقق وتُبنى إلا وفق مسار تراكمي يستند إلى وعي قضايا وحقوق تلك الفئات والقطاعات وأسباب إنكفائها وترددها بما فيه دوافع التحاقها بقوى السلطة وأحزاب الطوائف وانخراطها في صراعات ومعارك تتناقض مع مصالحها وحقوقها رغم معرفتها أنها هي من يدفع الكلفة مجاناً. 

     علماً أن توسيع قاعدة التحركات وانخراط الفئات الشعبية ومشاركتها، وانتظام الصلة بها والتفاعل مع قطاعاتها وقضاياها، هو أقصر الطرق لتأمين استقلالية التحركات والحركة على السواء  وتصليب عودها، وحمايتها من الإرتهان والمراهنة على بعض أطراف السلطة، التي ستبقى بالمرصاد وجاهزة دوماً لتجديد وتكرار محاولات ركوب الموجات الاحتجاجية والاستثمار فيها من أجل تضليل قواعدها وتشويه وعيها وايهامها بالدفاع عن حقوقها وتأييد مطالبها، إضافة إلى توظيف  ما تقوم به في صراعاتها السلطوية.

     أما أطر التحرك الراهنة، وانتظامها وتطورها وأشكال التنسيق، فهي أمر آخر.

[author title=”كتب محرر الشؤون النقابية” image=”http://”][/author][author title=”” image=”http://”][/author]