سياسة

 المؤتمر العام الرابع لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان

…. وعلى ضوء هذه القراءة النقدية للهوية الفكرية، كان من الطبيعي ان تتوقف المنظمة أمام تغيير اسمها المقترن بالشيوعية، وهو اسم مرتبط بالتزام الهوية الشيوعية.

 المؤتمر العام الرابع لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان

 

من أجل حزب يساري ديمقراطي علماني

من أجل حركة علمانية ديمقراطية لبنانية وعربية

 

تنشر “بيروت المساء” النص المتعلق بالهوية الفكرية والاسم الجديد للمنظمة. هذا القسم يشكل الحلقة المركزية في مبادرة المنظمة لتجديد اليسار اللبناني. أقر المؤتمر العام الرابع للمنظمة هذه المبادرة.

 

  في الهوية الفكرية والاسم الجديد

 

       في أواخر ثمانينات القرن الماضي، شهد العالم متغيرات كبرى على كافة الصعد دولياً وعربياً ولبنانياً، تمثلت بانهيار التجربة التي قامت تحت راية الماركسية اللينينية، في روسيا وبلدان المعسكر الاشتراكي الذي أصابه التفكك كما أصاب العديد من كياناته. وبعد تشتيت قوى الثورة الفلسطينية المسلحة من الخارج، انتقلت حركة النضال الفلسطيني والصراع مع الكيان الصهيوني إلى الداخل، في موازاة التحضيرات لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام العربي ـ الإسرائيلي. بالإضافة إلى فشل تجربة اليسار والحركة الوطنية للتغيير في لبنان، وتوقف الحرب الأهلية في مقابل إعادة تشكيل النظام الطائفي بإشراف ووصاية النظام السوري وفق تسوية الطائف التي شكلت خطوة متصاعدة في تعميق المحاصصة الطائفية، وقد سبق ذلك الخروج المبكر للمنظمة من الحرب الأهلية. وعليه انخرطت منظمة العمل الشيوعي في لبنان في مراجعة شاملة طالت هويتها الفكرية وخطها السياسي اللبناني والعربي والدولي، وبرنامجها السياسي، ونظامها الداخلي، وهي مراجعة ترافقت مع عملية نقد ذاتي شامل لمجمل تراثها. احتلت مراجعة الهوية الفكرية الأولوية في إعادة النظر والنقد، فالهوية الاشتراكية كانت تشكل القاعدة التي تأسست عليها المنظمة عام 1971. شملت مراجعة الهوية، إضافة إلى نقد الماركسية، رسم توجهات لخيار المنظمة الاشتراكي المستقبلي، ولقراءتها للديمقراطية وللعلمانية. وعلى ضوء هذه القراءة النقدية للهوية الفكرية، كان من الطبيعي ان تتوقف المنظمة أمام تغيير اسمها المقترن بالشيوعية، وهو اسم مرتبط بالتزام الهوية الشيوعية.

اولاً ـ  مراجعة الهوية الشيوعية

حمل نص “في الاشتراكية” الصادر عن اللجنة المركزية في نيسان 1993 أوسع مراجعة نقدية للماركسية اللينينية، شملت نقد الماركسية، وموقع ومضمون نقدنا للماركسية، لجهة فهمنا لتناقضات النص الماركسي الأصلي، وكيف قدم ماركس وإنجلس مذهبهما وأين يكمن تناقضه الأساسي، والمفهوم الاقتصادي للمادية التاريخية، والطبيعة المبسطة للمجتمع الشيوعي، وحدود التمييز بين اشتراكية علمية واشتراكية مثالية، وصولاً إلى تعيين موقع الماركسية ضمن الحركة الاشتراكية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين: النص الماركسي الأصلي على محك التاريخ. كما تعرضت المراجعة إلى موقع ومضمون اللينينية، من زاوية قراءتها بين أيديولوجيا كونية وواقع الخصوصية الروسية، وقراءة غير لينينية لثورة أكتوبر وإنجازاتها الأولى. وتناولت المراجعة نقد الستالينية والنظام السوفياتي بما هو نمط انتاج جديد ومجتمع طبقي جديد. وتطرقت إلى أزمة النظام (النموذج) السوفياتي: من إعلان الستالينية إلى البيرويستريكا فالإنهيار. كما طالت المراجعة تاريخ الحركة الاشتراكية العالمية، ونقد الأممية الثالثة والحركة الشيوعية العالمية، ونقد الماوية والنظام (النموذج الصيني) واليسار العالمي الجديد. وختمت المراجعة بنقد تجربة أحزاب الحركة الاشتراكية الديمقراطية في دول أوروبا الغربية.

انطلقت المنظمة في مراجعتها من سؤال: كيف نفهم أزمة الماركسية بعد هذا الحشد الكبير من الوقائع الدالة عليها، خصوصاً أن أزمة الهوية الفكرية للمنظمة هي انعكاس لأزمة الماركسية؟. فالخيار الذي تأسست عليه المنظمة هو خيار الإلتزام الكلي الشامل بالماركسية اللينينية فهماً للفكر والنظر، ومرشداً للعمل. انتهت المراجعة إلى رفض إعدام النص الماركسي الأصلي، انطلاقاً من ضرورة تفكيكه لمصلحته ولمصلحة الإفادة منه. ما يعني ضرورة إدراج النص الماركسي ضمن تراث الحركة الاشتراكية، وبما يوجب التحرر من النظرة إليه كنص مقدس، يؤخذ به أو ينصرف عنه كلياً. إن هذا يعني إعادة إنتاج بعض أحكام منه، من أجل التقريب بينها وبين الواقع. وخلصت المراجعة إلى الحسم بأن المنظمة هي بصدد هوية جديدة تفعل في واقع المجتمعات وفي تطورها.

كانت المنظمة تعتبر الماركسية اللينينية نظرية النظريات، والتي من معينها نستطيع أن نشتق الأجوبة على كل المشكلات، كما كانت من أكثر التنظيمات والأحزاب تشدداً في التزام الماركسية.

بناء لهذه النظرة، قررت المنظمة عدم تجديد التزامها الماركسية اللينينية التزاماً كلياً وحرفياً وشاملاً، في مقابل عدم إسقاطها من الحساب ورفض إعدامها. وهذا ما عبرت عنه الخلاصات الختامية التي حملها نص “في الاشتراكية”، والتي أشّرت إلى الوجهة الجديدة لهوية المنظمة الفكرية  في ضوء مراجعة الهوية الشيوعية:

نختم هذا النص التحليلي النقدي حول الاشتراكية بتسجيل الخلاصات والاستنتاجات التالية:

أولاً: في الأصل كانت الحركة الاشتراكية وفي إطارها ظهرت الماركسية مشروعاً كلياً مطلقاً للتغيير الاجتماعي البشري على قاعدة من التنبؤ بحتمية تاريخية. وقد اجتاز هذا المشروع الكلي المطلق اختبار قرن ونصف القرن: من الفكرة إلى الحركة إلى الثورة إلى الدولة، فلم يحكم له التاريخ بالنجاح بل حكم عليه بالفشل. لذا لا محل اليوم لتقييد اشتراكيتنا بقيد الإلتزام الكلي بالماركسية منهجاً ونتائج تحليل ونموذج تطبيق. وإذ نقرر أننا اشتراكيون، لا نرى مبرراً لاستمرارنا حاملين صفة الماركسية. على أن الماركسية تبقى في نظرنا جزءاً من تراث الحركة الاشتراكية لا يمكن شطبه، بل ينبغي حفظ اعتباره، والانفتاح عليه، واستيحاء كل ما هو صحيح منه. وفي الماركسية نظرات علمية تشكل حقلاً معرفياً ضخماً ينبغي عدم التردد في الاستناد إليه ونحن نرتاد آفاق تجديد خيارنا الاشتراكي. فالفارق كبير ومهم بين القول الصحيح أن لا محل لتقييد اشتراكيتنا بقيد الإلتزام الكلي بالماركسية، وبين القول الخاطئ أن اشتراكيتنا لا تتجدد إلا بمقدار ما تتنكر كلياً للتراث الماركسي.

ثانياً: إذ نعيد النظر في التزامنا الماركسي وفي صفتنا الفكرية الماركسية، لا بد من أن نقرر أن الهوية الشيوعية التي نحمل لم تعد تصلح وجهاً للاشتراكية المتجددة التي نسعى إلى اشتقاق مفاهيمها وصوغ برنامجها وتأسيس التنظيم الملائم مع متطلباتها. مما يعني أن النص الذي أقره مؤتمرنا العام الأول 1971 تحديداً لإسم المنظمة لم يعد نصاً صالحاً أو كافياً لتثبيت الهوية الشيوعية لمنظمتنا وللمحافظة على اسمها الحالي، الأمر الذي يوجب اشتقاق اسم جديد للمنظمة يتطابق فعلاً مع هويتها الفكرية الجديدة.

.. الأصل في قيام منظمة العمل الشيوعي هو التزام خيار الاشتراكية، وهو الخيار الذي اخترق مجمل تراثها النظري والفكري والسياسي منذ نشأتها حتى إعلان مراجعتها الشاملة.

ثالثاً: لا محل لانخراطنا في دائرة الاشتراكية الديمقراطية الممثلة بالدولية الاشتراكية، بعدما انتقلت هذه الاشتراكية الديمقراطية، على امتداد القرن العشرين، من تيار ضمن الحركة الاشتراكية إلى صيغة تسوية ضمن الرأسمالية.

رابعاً: بعدما حددنا اشتراكيتنا سلباً، فقلنا إنها لن تكون التزاماً كلياً بالماركسية ولا تنكراً مطلقاً لها، وإنها لن تكون ذات هوية شيوعية أو وجه إشتراكي ديمقراطي غربي، يتوجب علينا أن نعيّن الحقل الذي سنستقي منه مادة تحديد وتجديد إشتراكيتنا إيجاباً. وفي هذا المجال نرى أن العودة إلى الأهداف الأصلية للاشتراكية لا تشكل وحدها أساساً صالحاً لصوغ مشروع اشتراكي جديد. فلا يمكن شطب وقائع قرن ونصف القرن من تاريخ الحركة الاشتراكية للعودة إلى أفكار الرواد الاشتراكيين الأوائل كما ظهرت منتصف القرن التاسع عشـر لأن ذلك يعادل الدعوة إلى لون من “الأصولية الاشتراكية” لا محل لها في القرن العشرين. لذا يتعين علينا أن نستقي مادة تحديد وتجديد نظرتنا إلى الاشتراكية من مصدرين أساسيين: أولهما ـ تجديد فهم أزمة الرأسمالية في واقعها الراهن خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والثاني ـ رؤية حدود الديمقراطية المتحققة في عالم اليوم واستكشاف أزمتها من جديد. ففي هذين المصدرين، أي في أزمة الرأسمالية كنظام اقتصادي وأزمة الديمقراطية كنظام سياسي، يكمن الأصل المستمر لكل مشروع اشتراكي”.

 

ثانياً ـ  توجهات خيارنا الاشتراكي

 

الأصل في قيام منظمة العمل الشيوعي هو التزام خيار الاشتراكية، وهو الخيار الذي اخترق مجمل تراثها النظري والفكري والسياسي منذ نشأتها حتى إعلان مراجعتها الشاملة، وهو يشكل المبدأ الأول في الهوية الفكرية الجديدة. إن ما تطرحه المنظمة في مؤتمرها العام الرابع هو توجهات لخيار اشتراكي يلتزمه حزب يساري، وتعتبر أن انجاز هوية فكرية متجددة هو مهمة تاريخية تقع على عاتق القوى المؤمنة بالتغيير وبالاشتراكية خياراَ. والمنظمة ترى نفسها في قلب هذه المسؤولية، وستعمل على تأطير وإشراك قوى على استعداد للانخراط والمساهمة في هذه المهمة.

ترى المنظمة أن الاشتراكية عبارة عن توجهات عامة تُملأ دائماً بمضامين مخصوصة. والهوية الاشتراكية تعيد الاعتبار للأصل الرحب، المتنوع والخصب والحيوي للخيار الاشتراكي، ما يعني أن الاشتراكية ليست ترسيمة تقوم على قوانين، بمقدار ما هي أجنحة وتيارات واجتهادات ومواقف وخيارات. والخيار الاشتراكي يتأسس على موقع اجتماعي معين. فالخيار الاشتراكي ليس مباديء أخلاقية معلقة في الهواء، بل هو إعادة اعتبار للأساس الاجتماعي لهذا الخيار بالمعنى السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

وترى المنظمة أنها صاحبة خيار اشتراكي لا يشكل مجرد عودة إلى أصول، فيصبح لوناً من ألوان الأصولية في غير موضعها. خيار لا يقطع بينه وبين هذه الأصول، إنما يعود إليها بكل رحابتها، ويرى جيداً وبعين ثاقبة حصيلة التطور الذي لا بد وأن تتشكل من مادته خلاصات متجددة. ما يعني أن خيارنا الاشتراكي يستوعب أهمية الماركسية ووظيفتها في سياق العلوم الاجتماعية، لا ينكرها ولا يتنكر لها، لكنه لا يعتبرها بوابة العلم الوحيد. فالمنظمة، وهي تغادر ترسيمة في فهم الاشتراكية أعلنت نفسها كونية على جميع الصعد لجهة ثبات قوانينها، ولجهة دقة شمولها ولجهة ما تنطوي عليه من حتميات، لن يكون خيارها الاشتراكي ترسيمة كونية بديلة. فالماركسية ضمن الخيار الاشتراكي رافد من الروافد، وبالتالي لا التزام مطلقاً بها ولا عداء مطلقاً حيالها. نفيد من الماركسية بمقدار ما تتصل مقولاتها بتسليح خيارنا الاشتراكي بحيثيات وازنة في اتجاه الصواب، مع الأخذ في الاعتبار واقع التجربة البشرية. وبديلاً عن القول باشتراكية علمية مطلقة اليقين، لا يأتيها الباطل من أي جانب، نريد اشتراكية حمّالة أوجه بقدر ما أن التطور البشري يطرح أوجهاً متعددة ومتباينة بتباين الحقبات واللحظات والمجتمعات.

… ترى المنظمة أن  معركة العلمانية وليس معركة إلغاء الطائفية السياسية هي جوهر برنامجها في التغيير    للنظام السياسي القائم.

في خيارنا الاشتراكي، الصعيد الاقتصادي مهم، كذلك الصعيد السياسي مهم، والصعيد الاجتماعي مهم، والصعيد الأيديولوجي مهم. وليس هناك بنية تحتية تقرر وحدها وبنية فوقية تشكل مجرد انعكاس لها، كما أنه ليس هناك بنية تحتية تشكل مجرد انصياع. هناك بنية تجتاز حقبات من التطور ولحظات من التقدم بالغة الغنى والتعقيد، مما يعني أن كل الاصعدة مهمة ومؤثرة.

ثالثاً ـ  في الديمقراطيـة

المبدأ الثاني الذي تقوم عليه هويتنا الفكرية هو الديمقراطية. فالاشتراكية أعلى درجات الديمقراطية. والديمقراطية لا تتحقق وتكتمل إلا بمقدار ما تتجه يساراً. كما  أن  من خصائص مذهبنا في الاشتراكية أنه لا يرى في الديمقراطية وسيلة، بل يرى فيها جوهراً، أي مجتمعاً متعدداً يعترف بمصالح الآخرين، طامحاً إلى تسويات اجتماعية غير محايدة، تحتكم الى آليات ديمقراطية.

والديمقراطية هي التي تضع الحد الفاصل بين إنصاف التراث أو إلغائه اعتباطاً، وهي التي تضع الحد الفاصل بين حداثة بصيرة وحداثة عمياء، لأن الآلية الديمقراطية هي التي تحسم في النهاية مقادير الحداثة وحجم مقادير التراث. والديمقراطية في إطار الحداثة لم تكن مجرد حيلة من حيل البورجوازية، بل إن التاريخ يشهد على أنها خيار فُرض على البورجوازية بقوة الصراع الطبقي، لأن النظام الأمثل للرأسمالية في الأصل ليس النظام الديمقراطي، بل النظام الاستبدادي.

وفي مجال التنظيم، تعلن المنظمة تجاوزها للمركزية الديمقراطية بالمعنى الذي كرسته اللينينية في التنظيم، هذا التجاوز يجد ترجمته في النظام الداخلي لصالح نظام يرسي علاقات ديمقراطية ذات مركز، يسمح بالتعددية في مختلف الميادين الفكرية والسياسية. والقول بعلاقات ديمقراطية ذات مركز هو للتأكيد بأن الديمقراطية لا تعني الفوضى، فالحزب له مركز يصوغ حصيلة مختلف المبادرات. كما وأن القول بعلاقات ديمقراطية ذات مركز يقي التنظيم من الشللية أو الفوضوية، طالما أن التعددية تحتفظ بموقعها.

رابعاً ـ  في العلمانيـة

المبدأ الثالث الذي تقوم عليه هويتنا الفكرية هو العلمانية. وشرط العلمانية أن تقترن بالديمقراطية. فالعلمانية من دون الديمقراطية تتحول إلى استبداد وديكتاتورية على غرار ما شهدته الأنظمة النازية والفاشية والشيوعية وبعض الأنظمة العربية التي استنسخت النظام السوفياتي. ترى المنظمة أن العلمانية ليست عقيدة مطلقة موازية للعقيدة الدينية، بل هي ليست عقيدة إطلاقاً. والعلمانية هي الصيغة التي تؤشر إلى فصل العام عن الخاص، وتؤكد على فصل الدين عن الدولة. ومقابل الفهم المغلوط للعلمانية كعقيدة، ترى المنظمة وجوب فهمها كمسار، وكجزء من عملية مجتمعية كاملة متعددة الأوجه. والعلمانية كانت جزءاً من الحداثة، كما كانت رافعة من روافعها. وفي تجارب العلمنة والعلمانية، قديمها وحديثها، ثبت أن هناك علمانية توسلت تزخيم تطور ديمقراطي لمصلحة المجتمع، فزحفت حثيثاً نحو التمييز اللازم بين العام والخاص، وعلمانية فُرضت سلطوياً وتوتاليتارياً يسهل الإرتداد عنها وعليها.

وفي لبنان، ترى المنظمة أن الوجه الرئيسي لمعركة الديمقراطية في البلد كفاعل مقرر لمجمل صراعاته ومسار تطوره، هو قضية العلمانية. فهي الوجه الرئيسي المعبر عن الحد الفاصل ما بين ديمقراطية قابلة لأن تؤطر كل موروثات البيئة اللبنانية اضطراراً أو اختياراً، وما بين ديمقراطية موصولة بالمستقبل. لذا ترى المنظمة أن معركة العلمانية وليس معركة إلغاء الطائفية السياسية هي جوهر برنامجها في التغيير للنظام السياسي القائم. فشعار إلغاء الطائفية السياسية ولد طائفياً في الأصل، وانتهى طائفياً بشكل فاقع. ولا معنى لإلغاء الطائفية السياسية إلا إذا نظرنا إليه في امتداد الترقي من مجتمع أهلي إلى مجتمع مدني، ومن مجتمع طائفي إلى مجتمع سياسي، لأن المجتمع الطائفي مجتمع تقليدي وعشائري، ولا يتحقق هذا التطور إلا في امتداد التحول إلى درجات متمادية نحو العلمانية.

 

خامساً ـ  الاسم الجديد للمنظمة

كان اسم منظمة العمل الشيوعي الذي أقره المؤتمر الأول للمنظمة عام 1971 تتويجاً للإلتزام الكلي والشامل بالماركسية اللينينية. بعد المراجعة الفكرية والسياسية الشاملة التي أجرتها المنظمة، لم يعد من المنطقي أن يبقى مشروعنا الحزبي متخذاً صفة الشيوعية، كما أن المنظمة لم تعد في مدار الإنتماء إلى الحركة الشيوعية في منطلقاتها النظرية وفي التجربة التاريخية التي كانت لنا.

إن الاسم الجديد يجب أن يشكل تعبيراً وانعكاساً للهوية الفكرية وللتوجهات البرنامجية الجديدة التي قررت المنظمة التزامها. المبادئ الثلاثة التي تحدد طبيعة الاسم الجديد هي:

المبدأ الأول: هو الإنتماء إلى اليسار. والأصل في موقع المنظمة هو اليسار. واليسار مؤشر واضح على موقع في الحياة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية ـ الثقافية، من الصراع في المجتمع، له مقاربته، يخاطب مصالح معينة، ويغلّب مصالح معينة.

المبدأ الثاني: هو اقتران اليسار بالديمقراطية. نحن بصدد إعادة بناء يسار يختلف عن اليسار الذي التزمناه وكنا في داخله، والذي غلبت على المساحة الكبرى منه الوجهة التوتاليتارية. نحن نعيد الاعتبار إلى يسار رأى الاشتراكية أعلى درجات الديمقراطية.

المبدأ الثالث: هو اقتران اليسار الديمقراطي بالعلمانية.

 تريد المنظمة في تنظيمها الجديد إطلاق حركة علمانية لبنانية شاملة، ولا تريد انقلاباً علمانياً في البلد، ما يعني الدعوة إلى انقسام البلد يميناً ويساراً، وعلمانيين تحديثيين وتقليديين.

هكذا على الاسم الجديد ان يكون متصلاً بالهوية الفكرية والسياسية الجديدة.

 

سادساً ـ   في شروط تغيير الاسم

  ينعقد بعد عام، مؤتمر استثنائي يحسم في تغيير الاسم واعتماد اسم جديد.

هل يعلن المؤتمر العام الرابع فوراً إلغاء اسم منظمة العمل الشيوعي وإعلان الاسم الجديد لحزب اليسار الديمقراطي العلماني؟، أم أن الأمر يتطلب المرور بمرحلة إنتقالية تسعى المنظمة من خلالها إلى جعل قسمات مشروعها الحزبي القادم واضحة بالمضمون؟ السؤال ليس شكلياً، فالمنظمة ليست بصدد التهرب من المسؤولية عن تجربتها السابقة، ولأنها تتحمل كامل المسؤولية عنها، فإنها أيضاً  مسؤولة عن عرض وشرح مراجعتها النقدية أمام اللبنانيين. أما تغيير إسم المنظمة فإنه يتطلب نقاشاً علنياً صريحاً لإظهار الفارق بيننا وبين الذين لا يزالون ملتزمين الهوية الشيوعية، خصوصاً أن القاعدة العامة لدى جموع اللبنانيين والمحيطين بنا، يعتبرون أن منظمتنا ما زالت لصيقة بهويتها السابقة. إن هذه المسألة ترتب أن يتم تغيير الاسم بعد إدارة أوسع نقاش وسجال ممكن داخل المنظمة وخارجها، وذلك ليكون الأمر ديمقراطياً في علاقتنا بالناس وبالجمهور المعني والمهتم بهذه المسألة. فلا يجوز أن يتخذ الأمر شكل انقلاب فكري يضع الناس أمام أمر واقع.

ورعم أن المنظمة أنجزت شوطاً مهماً نحو إنجاز هذه المهمة، لكنها غير كافية للبت النهائي بالاسم راهناً، لذلك يقرر المؤتمر العام الرابع تحديد فترة إنتقالية مدتها عام، تقوم خلالها المنظمة عبر هيئاتها وفروعها بحملة ندوات وسهرات في كل المناطق اللبنانية، إلى جانب النشر الإعلامي في المجلة وعبر وسائل الإعلام المتاحة طرحاً وسجالاً، لشرح المراجعة الفكرية والسياسية والتوجهات البرنامجية وتعريض خيارات الهوية الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية للنقاش، ومعها حيثيات تغيير الاسم، على أن ينعقد، بعد عام، مؤتمر استثنائي يحسم في تغيير الاسم واعتماد اسم جديد.  

[author title=”منظمة العمل الشيوعي في لبنان” image=”http://”]المؤتمر العام الرابع – المبادرة الفكرية والاسم الجديد[/author]