ماذا يفعل اللبنانيون ووطنهم مهدد بالزوال؟ ماذا ينتظرون أمام الانهيار الجارف والإنفجار المدمر والجوع الزاحف؟ وهل حقاً يشكل الخارج وموفدوه، كما يتوهم البعض، مرجعية خلاص لهم، وهو الذي يبحث عن مصالحه واستثماراته في أزمات البلد. وهل مخططاته تتضمن بناء دولة للبنانيين؟ وهل هناك راهناً فرص نجاحٍ لإيجاد تسوية تراعي مصالح الجميع، تُفرض على الطبقة السياسية، وتتضمن بناء دولةٍ تعالج معضلات البلد ومشكلاته ؟
وهل بالإمكان حقاً إعادة تأهيل المنظومة الحاكمة لتعوض على مواطنيها بعض ما هدرته خلال عشرات السنين، وأن قواها ستتخلى طوعاً عن سياساتها وتغير جلد أدائها، وتستجيب لمطالب اللبنانيين وتنفذ طلبات الخارج الاصلاحية؟
والسؤال يتعلق بمدى توافر فرص التسوية وقدرة الخارج ورغبته في إلزام قوى السلطة الاستجابة لطلباته، والتنازل عما تعتبره مصالحها وحقوقها، وأن يفرض عليها التراجع عن مصادرة إرادة اللبنانيين وتزوير تمثيلهم وهدر حقوقهم، والتوقف عن استباحة مؤسسات الدولة وتعطيلها. في وقت لا يزال سلاح الطائفية محاصراً كتلاً اجتماعية وازنة، ما يجعلها قادرة على متابعة ذات الاداء، وإدامة استخفافها باللبنانيين وحقوقهم، وتجاهل ما يتهددهم من مخاطر، بما فيها الصادرة عن العدو الصهيوني، ومحاصرة ما تبقى لديهم من أمل بالحياة والمستقبل في لبنان.
ماذا يفعل اللبنانيون الذين لم يعد باستطاعتهم معرفة عدد ضحاياهم وشهدائهم ومفقوديهم وجرحاهم في الحروب والمعارك التي شاركوا فيها، اعتقاداً منهم أنها قد تجلب لهم الخلاص، ولا تذكّر ما تعرضوا له من منوعات الموت والخطف والتعذيب على الحواجز وفي زنازين أحزابهم الطائفية وسجون ومعتقلات من استنجدوا بهم، واصبحوا محتلين لبلادهم وأوصياء عليهم. كما تراهم عاجزين عن تقدير كلفة دمار وخراب ممتلكاتهم وارزاقهم وجنى أعمارهم، أو إحصاء أعداد المهاجرين بحثاً عن الأمان ومصادر العيش، وتحديد نسب الفقراء المهددين بالموت جوعاً، والمصابين بالامراض المستعصية والاوبئة.
ماذا يفعل اللبنانيون والمنظومة الحاكمة بكل اجنحتها وفروعها، تعرف جيداً عوامل قوتها وحصاناتها وفعالية سلاحي الطائفية والحرب الاهلية، وأهميتهما في مسارات تجديد بُناها وأدوارها وسعيها لبقاء الدولة هشة. كما تدرك أيضاً أن وجودها يشكل مرتكزات لاستثمارات الخارج، وأن نزاعاتها معابر لتدخلاته ومشاريعه للسيطرة والهيمنة على البلد ودول المنطقة. وكلاهما معاً يتقنان التعامل والتلاعب ببُنى المجتمع وابتزازها في حقوق وحاجات وأحلام وطموحات ابناء الوطن.
ولذلك فإن دعوات الخارج وموفديه لاصلاح الأمور وإعادة تنظيم الصفوف، في اعقاب الانفجار المدمر، شكّل مخرجاً لقوى منظومة السلطة من مآزقها. كما اعطاها فرصة ثمينة لتجديد المناورات وتبادل الضغوط والشروط وخوض المنازعات لحماية مواقعها والدفاع عن مصالحها الفئوية، والتلطي خلف نتائج الانفجار واستغلال تقاطر مساعدات الاغاثة. ووفر لها أيضاً باباً للتحايل على طلبات وشروط الجهات الدولية والامعان في التهرب من ضغوطها وتجاهل المخاطر.
ماذا يفعل اللبنانيون، بعد نجاح احزاب السلطة في احتواء انتفاضتهم والإستهانة بها، بينما موفدو الخارج وخلافاً لأوهام البعض، لا يرون فيها سوى ورقة ضغط تضاف إلى شروطهم. ماذا يفعلون ولا أحد يناقش لماذا انتفض مئات الالوف الذين ملأوا الساحات ولم تتحول انتفاضتهم وغضبهم مشروعاً حقيقياً للتغيير. ومن غيَّب السؤال حول اسباب انكفائهم عن الساحات رغم فقدان الثقة والأمل بالطبقة السياسية التي تتحمل كامل المسؤولية عن أزماتهم.
ومع سعي الخارج لإعادة تأهيل الطبقة الحاكمة والتجديد لها، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً ومشروعية بالنسبة للبنانيين، أين هي انتفاضة 17 تشرين التي فجروها. ولماذا خلت الساحات والشوارع من تحركات الناشطين. وماذ وراء غياب الدعوات لتنظيم التظاهرات والاعتصامات؟ والسؤال يضاف إلى ما سبقه ويتعلق بأسباب استمرارعزلة مجموعات وقوى الانتفاضة عن فئات المجتمع المتضررة وقطاعاتها ومطالبها وحقوقها. وما هي أسباب العجز عن تفعيل التحركات وتزخيم المشاركة فيها، والاكتفاء بتكرار التحركات الهزيلة وتمكين قوى السلطة من استغلالها لمصالحها الفئوية. ومن يتحمل مسؤولية العبث بسلمية التحركات الاحتجاجية، باصراره على ممارسة العنف والشغب، وقد اصبحا ذريعة لممارسة القمع العاري المدان سلاحاً بيد قوى السلطة وأجهزتها وميليشيات أحزابها لتفريق المشاركين وإبعادهم عن الساحات.
أين هي الانتفاضة؟ وماذا يفعل الناطقون باسمها من مجموعات وتنسيقيات؟ وأين تُصرف الأوراق ومشاريع وبرامج التغيير ولوائح التشكيلات الوزارية المتناسلة، وباسم من توجه وإلى من تتوجه في ظل غياب الرافعة الاجتماعية لها. وهل تحمل حلولاً للمشكلات الملحة لقطاعات المجتمع بكل فئاته ومناطقه وقطاعاته وما يتعلق بأزماتها وقضاياها وكيفية التصدي التدريجي لها والتحرك من أجلها في مواجهة السلطة المستقيلة من مسؤولياتها، وإلى متى ستبقى محكومة بالانتظارالذي يفاقم ما تواجهه من مخاطر الافلاس والانهيار.
بين القلق والخوف من امتداد النيران المشتعلة في ساحات الجوار والمصير المجهول، وبين انتظار تسوية غير مؤكدة تُفرض عليهم وتبقيهم أسرى الانقسامات الأهلية وحروبها المتكررة مخرجاً دائما لأزمات النظام وقواه الطائفية. هل لا تزال انتفاضة اللبنانيين خياراً ممكناً في مواجهة مخاطر المجاعة والدمار والموت، وهل من استدراك وقدرة على تجديدها وتصعيدها في زمن الحاجة لها لاحياء الأمل بالحياة.
[author title=”المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]