اقتصاد

المفاوضات مع صندوق النقد “شيك” مشكوك التحصيل

وصولاً إلى مظلة الوزير السابق سليمان فرنجية. على أن الأهم من هذا وذاك هو مسألة التشكيلات القضائية المعلقة بعد رفض توقيعها، كما أرسلها وكرر التمسك بها مجلس القضاء الأعلى، وهو ما يعتبره الداخل والخارج على حد سواء دليلاً إضافياً على تعذر قيام قضاء مستقل عن السلطة والتوازنات السياسية. قضاء يلعب دوره في الحفاظ على المال العام ومحاسبة المتورطين من يكونون

تخوض حكومة الرئيس حسان دياب مع صندوق النقد الدولي مفاوضات شاقة وعسيرة،  وهي لا تملك أي من أوراق القوة التي يمكن استثمارها في دفع الصندوق للموافقة على مطالب لبنان بتأمين سيولة من العملات الصعبة بأسرع وقت ممكن. لا يعني ذلك أن الأمل مقطوع بالمطلق، ولكنه يعني أن “حسابات الحقل اللبنانية لن تنطبق على حسابات بيدر الصندوق الدولي”، الذي تتدخل في قراراته العديد من الدول الكبرى، التي تملك ما تشترطه للموافقة على تقديم القروض وحجمها وطريقة سدادها، إذ لا أحد يرمي أمواله في مهب ريح الافلاس المحدق بدولة مشكوك بقدراتها على الدفع.

وعناصر الضعف في موقف لبنان متشعبة ، وهي تبدأ من السياسي وتصل إلى الإداري والاقتصادي، ناهيك بالاجتماعي. واذا كان السياسي يحتل المقام الأول فذلك بالنظر لأنه”عقب أخيل” ونقطة الضعف الرئيسية، بل يمكن القول أنه في أساس وجذر حال الانهيار العام الذي تعانيه البلاد. ومع أن الورقة الاقتصادية التي أعدتها الحكومة لم تتطرق من قريب أو بعيد لمسؤولية السلطة، وطريقتها في الإنفاق نحو المآل الذي وصلت إليه البلاد، والتي كانت نُذره ومقدماته تتجمع منذ سنوات، وصولاً إلى لحظة الاستحقاقات الداهمة سواء على صعيد المالية العامة أو الإنفاق واستنزاف القروض والمساعدات التي حصلت عليها البلاد في غضون العقود الماضية، أو على صعيد توافر العملات الأجنبية في المصرف المركزي والمصارف لتغطية مستوردات المواد الأساسية كالأدوية والمحروقات والطحين والقيام بالتحويلات الخارجية وتلبية طلبات المودعين .

وكانت المقدمات الطبيعية تتراكم تباعاً حتى الوصول إلى استنزاف موجودات المصرف المركزي والمصارف التجارية وأموال المودعين الصغار معاً، بينما قام كبار المودعين من قوى سياسية ومالية بمغادرة السفينة على عجل، عندما تأكدوا من مصير الغرق الذي ينتظرها. وعليه لم تتكلف خطة الحكومة عناء الإشارة إلى هذا الواقع الذي تتقاسم المسؤولية عنه قوى المحاصصة الطائفية والمالية. فكل ما قالته ليس سوى هيكلة المصرف المركزي والقطاع المصرفي مع الوعد باستعادة الاموال المهربة إلى الخارج، وهو وعد “عرقوبي” يقارب وعود أركان السلطة المتكرر بالتوجه نحو تفعيل قوانين الإثراء غير المشروع، واسترداد ما جرى نهبه من المال العام، وهكذا نستمع دوماً إلى جعجعة دون طحين. الأسوأ من ذلك هو ما شهدته جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عندما انقسم الوزراء حول خطة الكهرباء، ومع أن الأكثرية صوتت ضد وزراء “السلطة الباسيلية” لجهة عدم لزوم بناء محطة ثالثة في سلعاتا والاكتفاء بمعملين في كل من دير عمار والزهراني… الا أن ذلك لا يعني أن المعركة قد حسمت، إذ جرت سريعاً العودة للمخطط المذكور بناء على إنسجام سيد القصر نفسه مع طرح صهره بمعمل ثالث حتى لو أفتت كل الجهات المختصة بعدم لزومه. يجب أن يعطف ذلك على مسألة الفيول أويل “غير المطابق” للمواصفات، وما أثارته من تحقيقات لن يُكتب لها الوصول إلى خواتيمها، بعد دخول الفيتوات السياسية، بدءاً من التيار ووزرائه الذين تناوبوا على قطاع الطاقة منذ أكثر من عقد من الزمن، وصولاً إلى مظلة الوزير السابق سليمان فرنجية. على أن الأهم من هذا وذاك هو مسألة التشكيلات القضائية المعلقة بعد رفض توقيعها، كما أرسلها وكرر التمسك بها مجلس القضاء الأعلى، وهو ما يعتبره الداخل والخارج على حد سواء دليلاً إضافياً على تعذر قيام قضاء مستقل عن السلطة والتوازنات السياسية. قضاء يلعب دوره في الحفاظ على المال العام ومحاسبة المتورطين من يكونون. كل هذا وسواه يعلمه صندوق النقد ويعلم أكثر منه بطبيعة الحال، بعد أن ظهر الموقف اللبناني التفاوضي منقسماً بين دياب ووزارة المال وحاكم المصرف المركزي، وما أظهرته أرقام كل منهما من تباين. على أن الأفدح أن الدولة كما اتضح خلال التفاوض لا تملك أجوبة مقنعة حول الأسئلة المحرجة لفريق الصندوق، وهي أسئلة تتعلق بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة في جميع القطاعات وفي المقدم منها قطاع الكهرباء والمحروقات والإدارة العامة والجمارك والتهريب والتهرب الضريبي و… وتبقى نقطة مهمة لدى الصندوق وتتمثل بغياب الإجماع السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الخطة. فقد رفضتها الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف، ونواب الكتل التي شكلت الحكومة، بما فيهم التيار الحر. وتبقى المعارضة الشعبية المؤكدة التي يلجم اندلاعها وباء الكورونا والتعبئة العامة هي الأساس.

لكن الأكثر فظاظة خلال الأيام المنصرمة هو ما تبين حول تهريب المحروقات والطحين ونوعية الفيول أويل وبالطبع الدولارات إلى سوريا. وتبين منه أن ما خسره لبنان مضافاً إليه الفوائد المستحقة في السنوات العشرة الماضية عبر المعابر والمرافئ الشرعية منها وغير الشرعية يعادل ما قدرته الورقة الاقتصادية للحكومة من خسائر، أي قرابة 92 مليار دولار. ما يعني أن لبنان عليه أن ينفق من عملاته الصعبة غير المتجددة لدعم الاقتصاد السوري المترنح وأمداده بما يتعذر الحصول عليه ثانية. ولعل ما دعا إليه أمين عام حزب الله هو مثال حي لدى دعوته الحكومة إلى إدارة هذا الملف من خلال علاقات ومفاوضات مع السلطة السورية تنسق الموقف من عمليات التهريب التي يدفع ثمنها الاقتصاد الوطني ومستوى عيش اللبنانيين وحاجتهم إلى الأساسيات في القريب العاجل.  

ثم هناك الموقف السياسي الدولي الفرنسي والاميركي، فقد أحالت الأولى مقررات سيدر إلى صندوق النقد. أما الولايات المتحدة الاميركية التي بدأت مطلع الشهر الجاري تطبيق قانون قيصر والمتدخلة يومياً بالشأن اللبناني بأشكال وصيغ متنوعة، وهذه تبدأ من ملف تحديد الحدود البرية والبحرية مع الكيان الاسرائيلي، وتصل إلى سلاح حزب الله وتمويله والتقيد بأحكام الحصار المالي المفروض عليه ومعه سوريا وايران، أي المحور المحاصَر الذي يدعو السيد نصر الله إلى التوجه نحوه لحل الأزمة المتفاقمة. ثم هناك المبتدأ والخبر عن الكيفية التي تشكلت بموجبها الحكومة وقوة التأثير المحددِة والحاسمة في قراراتها والتي يتوجب عليها أن تقرأ صبج مساء سورة “التوبة” لإبراء نفسها من تهمة التبعية.

[author title=”محرر الشؤون الاقتصادية” image=”http://”]محرر الشؤون الاقتصادية[/author]