ثقافة

  خالد غزال و”مجموعة الأربعاء” / دلال البزري

“مجموعة الأربعاء” تكوّنت بعفوية، وبغالبية من الأصدقاء واليساريين القدامى، أصحاب تجربة واستنتاجات مختلفة حول ماضيهم. تجتمع كل أربعاء في مقهى بوسط البلد، يتكلم روادها عن موضوعات كلها راهنة، غير نظرية. كان لا بد في بدايتها أن يدخل إليها متجاوزون لآداب الحَكي، أو مستصغرون لعقول بعض أفرادها، أو مدّعون بتفوق ما، أو رؤية “أبعد”، أو “أعمق” أو “أوسع” مما يظنّه هؤلاء. ولكن المجموعة تخلّصت بسلاسة من تلك العناصر “غير المنضبطة”. أو هي العناصر التي فهمت…

كان بيننا خالد. الوحيد الذي بقي على إلتزامه بالحزب اليساري. وكنا نقدّر، تبعاً لهذا الإلتزام الذي رسا في تصورنا عنه منذ زمن، بأن يكون خالد هو الأكثر تشدّداً بيننا، أو تمسّكاً بأفكاره؛ بالصفات ذاتها التي بقيت في اذهاننا عن الملتزم الحزبي، الصارم، القاسي أحياناً، المتجهّم على طول الخط… لكن الواقع كان شيئا آخر. فخلال عمليات “التطهير الذاتي” التي كانت تُخرج العناصر “غير المنضبطة” من تلقاء انفسهم، أو خلال واحدة من الإحتدامات السياسية حول هذه المسألة أو تلك، كانت الأدوار مقلوبة تماماً: الغالبية، التي تخلصت من حدّتها الحزبية، على ما تظن، كانت تغالي في الدفاع عن مواقفها، وبنوع من الكبرياء المخفي، العائد ربما الى ذاك التاريخ الحزبي المتروك…. فيما خالد، المفترض به أن يلعب هذا الدور، كان الأقل عبوساً، الأكثر تسامحاً مع الآراء، حتى لو وقفت على نقيض تام لرأيه.

ولا يغرنّك كل ذلك، فتتصور بأن خالد كان يشجّع على الفَلَتان، تماشيا مع أهوائنا الفوضوية، الراغبة دائما بالتفلت من أي التزام، انتقاما من تاريخ ثقيل من الإنضباط الحزبي، الذي حكم َشبابنا. إلا خالد. بالإبتسامة، بتلك الأريحية النابضة من عينيه البارقتين، كان يأخذ بيدنا نحو الإنتظام، مثل المعلم الماهر الذي يهديء تلامذته المشاغبين. ربما هذه المهارة هي التي جعلته أكثرنا أهلية للإتيان بموضوع نقاشنا الأسبوعي، يحدِّد إشكاليته، يعرضه علينا، مفتتحاً بذلك جلستنا. وبالدماثة ذاتها التي كان يتغاضى بها عن هفوات فوضانا.

هكذا، جمعَ خالد المجد من طرفَيه: مجد الإنضباط، الذي لولاه، لأصبحنا فرقة من المتسامرين في عزّ النهار. ومجد القلب الذهبي، الذي لا يكتفي بالأريحية، إنما يوزّع محبّة على كل واحد منا، بسؤاله عن مشاريعه وأخبار أولاده وأحفاده.

عندما علم خالد بأن لا شفاء من مرضه، صارَ أكثر ثقة بالشفاء. وهذه ميزة المحبّين للحياة، الذين يواجهون الموت بالحلْم، أيضاً. فلا يحزنون قبل موعد الحزن، ولا يحمّلون من حولهم ثقله قبل أوانه. لا يريد لنا أن نعتال همّه؛ معتقدا انه بذلك يخفّف علينا صدمة رحيله. وانا متأكدة بأنه لم يكن غير ذلك مع أهله، مع زوجته وألاولاده، الذين كان يتكلم عنهم بمزيج  من الإعجاب والحنان، الغامرَين أيضاً.

هذا هو سرّ خالد. سرّ حبي له. سرّ حبنا له.   

[author title=”دلال البزري” image=”http://”]كاتبة لبنانية[/author]