شباب

لماذا غابت الحركة الطلابية عن الانتفاضة الشعبية؟

ولكنّ اضراب الخمسين يوماً فشل وانتهى بوعود فارغة. فكان المتضرّر حينها هو الطالب والأستاذ المتعاقد دون سواهما. هذه التحرّكات التي نظمها الطلاب وجّهت بوصلتها صوب المصارف دون حد أدنى من مقاربة مسؤولية السلطة السياسية،

تراجع زخم المتظاهرين الذين شهدتهم الساحات مع بداية الانتفاضة في 17 تشرين الأول 2019، عندما هبّ اللبنانيون مطالبين بلقمة عيشهم ومحاسبة المسؤولين الذين أوصلوا البلاد إلى الوضع الكارثي. ما شهدته الساحات اللبنانية على مدى حوالي ثلاثة أشهر، لم يكن أمراً عاديّاً ولا يمكن الاستخفاف بنتائجه. فما حققته الانتفاضة حتى اليوم عبارة عن خطوات عديدة تتلاءم مع حجمها وأدائها، ولا علاقة له بالشعارات الفضفاضة التي حملت كل الاحلام والحقوق-المطالب.

انتفاضة استثنائيّة بهذا الحجم كان ينقصها الكثير كي تشقّ دربها نحو التغيير، وتعيد بناء الدولة ومؤسساتها بعد الخراب. ومن أبرز ما كانت تتطلبه هو بلورة برنامج لتحركاتها، من خلال العمل على انتاج قيادة وهيئات تنسيق فعلية بين الأطراف المشاركة والمكونة كافة، وهو ما لم يحصل. ولهذا تحولت بعض “قياداتها” إلى مجرد أفراد مكلّفين من قبل أطراف السلطة، ينتحلون هذه الصفة ليعرضوا مسرحيّتهم بين فترة وأخرى، يجري ذلك بالتآمر والتنسيق مع جهات حزبيّة، بهدف تقزيم وإضعاف التحرّكات الشعبيّة. لا سيما وأن السلطة تدرك بخبثها السياسي نقاط ضعف الشارع، وكيف تستثمره لتهدم أي مشروع تغيير ينشأ ضدها. وعليه، نجحت السلطة في تحويل الصراع على كرسي رئاسة الحكومة، إلى مناسبة لايقاظ خطابات الفتن الطائفيّة بعدما فشلت في قمعها العاري. وهكذا شهدنا محاولة قسمة الساحة الى ساحات متناقضة، في الوقت الذي عادت فيه أطراف السلطة إلى اللعب  على تقاسم الحصص بين مكوناتها.

أمّا التظاهرات الطلابيّة التي استمرّت بضعة أيّام قليلة، وأعادت الأمل بعودة الحركة الطالبيّة إلى الشارع والساحات، فتراجعت نتيجة غياب هيئات ولجان التنسيق بينها، وبما يضمن استمراريّة التحركات في وجه سلطة المحاصصة والفساد، مع حضور مصالح الطلاب الثانويين والجامعيين في عام دراسي طبيعي. ما يضعنا أمام تساؤلات عديدة، عن السبل التي تضمن استمراريّة هذه التحرّكات ضمن المعادلة السابقة، باعتبار الطلاب هم قوة الدفع الكبرى في إحداث تحولات كبرى نتيجة التحركات المتتالية.

لا تنتهي مطالب الطلّاب أو تختزل بمجرّد رفع شعار “اسقاط النظام الطائفيّ”، أو “اسقاط حكم المصرف”، هذه الشعارات سبق ورفعها الطلاب في تحرّكاتهم العام الماضي، وعندما حوّل الأساتذة خلال اضرابهم الاخير طلّابهم الى مجرد ملحق بهم لتحقيق غاياتهم ومصالحهم. ولكنّ اضراب الخمسين يوماً فشل وانتهى بوعود فارغة. فكان المتضرّر حينها هو الطالب والأستاذ المتعاقد دون سواهما. هذه التحرّكات التي نظمها الطلاب وجّهت بوصلتها صوب المصارف دون حد أدنى من مقاربة مسؤولية السلطة السياسية، ودون الحد الأدنى من الالتفات إلى المشاكل الطالبية الفعلية. ففي الجامعات الخاصّة تتضاعف المعضلات، وفي المقدم منها مسألة  ارتفاع الأقساط، ما يحول دون فئات واسعة من متابعة دراستها بعد انهيار مداخيل ذويها أو فقدانهم الدخل أصلاً. أمّا الجامعة اللبنانية، فتعاني فيضاً من الفساد الأكاديمي والإداري في فروعها وكلياتها نتيجة المحاصصات الطائفية ما يجعلها مجرد استنساخ عن سلطة المحاصصات والمنظومة السياسية الفاسدة السائدة في لبنان.

إن العمل الطلابي الحقيقي والفعلي، وخصوصاً على صعيد التعليم الرسميّ يلعب دوراً حاسماً في إطلاق  عملية تغيير على صعيد الوطن ومؤسساته العامة، فتشريع التعليم للجميع وانتشار المدارس الرسمية وحماية الجامعة الوطنية وتطوير وتعزيز دورها كان حصيلة تنامي تحركات اجتماعية ومطالبات شعبية على امتداد العقود التي رافقت وصوله إلى ما وصل إليه من توسع ودور. وقد كان للطلاب دورهم الأساس في نمو وتوسيع الجامعة اللبنانية، من خلال تحركاتهم المطلبية وادواتهم النقابية خصوصاً الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية الذي كان يتجدد انتخابه سنوياً، وتتنافس على رئاسته وبرامجه القوى الحية في المجتمع الطلابي.

ومع الحرب الاهلية وتجدّد الانقسام شهدت الحركة الطالبيّة تراجعًا في دورها، كذلك الامر بالنسبة لمؤسسات التعليم العام وحتى على مستوى الشهادة الرسمية، وكلّ ذلك صبّ في خدمة ومصلحة التعليم الخاص ومؤسساته الطبقيّة والطائفيّة. وإذا كان طلاب لبنان وتلامذته لا يتلقون التعليم ذاته من حيث المستوى، فمرد ذلك إلى غياب ” ديمقراطيّة التعليم ” مع رسوخ النّظام الذي يميز بين المواطنين، ولا يؤمن الحد الأدنى من المساواة الفعلية بينهم في الحقوق والواجبات والفرص، بقدر ما يساهم في تعزيز وتنمية الانقسامات الطائفية والطبقية ويغذي الصراعات في صفوفهم.

إذاً هذا التفاوت في بنية التعليم ومضامينه الوطنية والاجتماعية، ينبع من تفاوت العلاقة بين النّظام وطبقات وشرائح المجتمع وطوائفه، ومن توجّه السّلطة إلى اهمال التعليم الوطنيّ بمراحله المتعددة، لمصلحة التعليم الخاص والطائفي منه، وضمان سيطرة احزاب الطوائف وتسلطها على حياته الداخلية. ولذلك فإنّ الدور الطلابي في الانتفاضة على النظام يجب أن ينطلق ويتمحور حول قضاياهم التعليمية والنضال لأجل التغيير في مؤسساتهم التعليمية التي تسودها حالة الفساد والمحاصصات، فضلاً عن الآفاق المسدودة أمامهم، والتي لا بد من فتحها من خلال تنمية المجتمع وقطاعاته للعمل في بلادهم بديلاً عن الهجرة إلى المغتربات.

علينا كطلاب البدء من جامعتنا الوطنية وهي الرسمية الوحيدة التي تفتح أبوابها للحصول على التعليم العالي بصرف النظر عن العوامل الطبقية والطائفية. وكي تستعيد دورها لا بد من مواجهة سياسة المحاصصات عبر التعيينات والمكاتب الحزبية غير الشرعيّة، التي تخدم منظومة الفساد من خلال “التوارث السياسي”، وفرض نفسها على إرادة الطلاب والطالبات ومصادرة حريّاتهم وقمع أي توجه مخالف لهم واعتباره مؤامرة مدبّرة. ويبقى السؤال، كيف لنا ان نطالب بانتخابات نيابية مبكرة وخفض سن الاقتراع الى ثمانية عشر عاماً،  إذا كنّا نحن كطلاب محرومين من ممارسة حقنا الديمقراطي في حرم جامعتنا الوطنية  وغيرها الكثير؟

إن كل انتفاضة تنتج ما هي قادرة على انتاجه، وليس ما تطرحه الشعارات الفضفاضة، ما يتطلّب عملاً سياسياً نضالياً مستداماً يتجاوز مسيرة من هنا واضراب من هناك. ومدخله  تأسيس حركة طالبية متينة الأسس قادرة على النضال داخل الجامعات وفي القطاع برمته، لتنتقل بعدها إلى المساهمة في إحداث تغيير على صعيد الوطن، وتشكيل قاعدة شعبية قوية تحضيراً للاستحقاقات السياسية الكبرى والتحركات الشعبيّة الآتية دون ريب.

[author title=”جويل عبد العال” image=”http://”]اعلامية لبنانية[/author]