سياسة

الانقاذ المستحيل مع التكليف وحكومة اللون الواحد

بالطبع لن يحظى دياب بثقة الانتفاضة التي اندلعت في 17 تشرين الاول الماضي، وقدمت سلسلة مطالب معروفة أبرزها دون منازع تشكيل حكومة مستقلة عن أطراف السلطة الذين قادوا البلاد إلى الكارثة الراهنة، وإعداد قانون انتخابات نيابية وإجرائها قبل موعدها المقرر،

اذا صدقنا ما أجمعت عليه الصحافة الغربية من أن حسان دياب كان وراء تكليفه حزب الله، وقول بعض السياسيين والصحافة المحلية من أن جبران باسيل هو صانعه، وبالطبع الرئيس نبيه بري الذي يتبع “حذو  الحافر بالحافر” قائد الطائفة حزب الله. اذا صدقنا كل ذلك وهو صحيح، يحق لنا أن ندرك حظوظ البلد في المقبل من الأيام في الإنقاذ “المستحيل”، سواء نجح دياب في التأليف أو لم ينجح. فاذا نجح، وتراجعت المحاولات التي يبذلها كل طرف في الحصول على جائزة “اللوتو” من الغنيمة، وتوافقوا على توزيع الحصص بين الأركان الثلاثة وتابعيهم، ونالت التركيبة الثقة النيابية بأكثرية ممثليهم في الندوة البرلمانية، نكون أمام معضلة سياسية ـ اقتصادية وميثاقية كبرى. لكن المعضلة الأكبر تتمثل في نيلها ثقة المواطن اللبناني العادي الذي كال لمسؤوليه أقذع الشتائم، بالنظرإلى ما يعانيه من انحدار في دور وموقع بلاده، وتأزم حياته المهنية والتزاماته المعيشية ووضعته على حافة التسول والمجاعة. وبالطبع لن يحظى دياب بثقة الانتفاضة التي اندلعت في 17 تشرين الاول الماضي، وقدمت سلسلة مطالب معروفة أبرزها دون منازع تشكيل حكومة مستقلة عن أطراف السلطة الذين قادوا البلاد إلى الكارثة الراهنة، وإعداد قانون انتخابات نيابية وإجرائها قبل موعدها المقرر، لإحداث تغيير في الحياة السياسية عبر دخول أجيال وقوى حية إلى الحياة البرلمانية اللبنانية. ثم الأصعب بالتأكيد من هذا وذاك، هو نيل الثقة العربية والدولية بما يسمح بمد يد العون للبنان لتقطيع المحنة بسنوات قليلة، بدل وعود بالخروج منها في غضون العقود المقبلة.

بالطبع رافق تكليف دياب أوسع حملة اعتراض عرفها رئيس حكومة قبله. وذلك لأمرين متلازمين، أولهما يتمثل في تجربته “الرائدة” في وزارة التربية خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهي تجربة لم تترك سوى بصمات سلبية على تاريخه السياسي-الإداري تمثلت في “درته اليتيمة ” أو كتابه الشهير الذي فاض بصوره و”إنجازاته” الباهرة على مدى ألف صفحة، وكلف الوزارة في حينه 60 مليون ليرة، وفي رواية أخرى 70 مليوناً، عدا ما ظهر وكان مخفياً من ممارسات إدارية وسلوكية حصرت دوره بالتوقيع على معاملات يديرها سواه وغيرها من مآثر. أما ثانيهما فيتمثل في العوامل التي أملت المجئ بدياب لرئاسة حكومة اللون الواحد، والتي غابت عنها إدعاءات الميثاقية والتوافقية التي سادت لسنوات، ودفعت يوماً إلى وصم حكومة الرئيس السنيورة بالعرجاء بعد استقالة الوزراء الشيعة، ورفضه الاستقالة. وغيرها من ممارسات جعلت من سلطة مجلس الوزراء عبارة عن “لويجيرغا” طوائفية، يملك أي من أركانها حق النقض وتعطيل القرارات. إذن أخفت دعاوى التوافقية المحاصصة، وابتكرت لها اسما مختلفاً عن طبيعتها، وكانت حصيلتها تقاسم مقدرات الدولة ونهب مواردها، ثم نقلها إلى الخارج قبل نشوب الأزمة وخلالها كما بات يعلم القاصي والداني.

وبالعودة إلى الأيام التي سبقت وقادت إلى رفض سعد الحريري الاستمرار في سباق التكليف باعتبار أن تجربته تسجل عليه وليست له، فالتنازلات التي قدمها منذ أن عقد التسوية التي قادت إلى انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وجاءت به إلى رئاسة الحكومة قادت إلى تآكل واهتراء تياره الأزرق، بينما كان يتم تقاسم السلطة الفعلية بين كل من حزب الله والتيار البرتقالي تحت غطاء ورعاية القصر. مع هذا الوضع عجز عن تمرير موازنة العامين 2019 و2020 واندفعت البلاد نحومصيرها المحتوم الذي طالما حذرت منه شركات التصنيف الأئتماني العالمية ومعها فرنسا باعتبارها الدولة التي رعت مؤتمر سيدر، وتعذر تحقيق أي من الاصلاحات التي رهنت القروض الموعودة بتحقيقها. أكثر من ذلك عانت علاقات الحريري الداخلية من عاصفة النتائج التي توصلت إليها التسوية المذكورة، إلى حد أنه خسر معظم تحالفاته. وبالنسبة لحزب الله الذي أدار المعركة لم يؤيد تغيير الحكومة بداية، بالنظر إلى الغطاء الذي تؤمنه له وسط الهجمة الاميركية على أذرعه المالية، لكن الحريري استقال على وقع الانتفاضة، فانتقل إلى محاولة اقناعه بالعودة ضمن شروطه، وفي مقدمها بقاؤه في حلبة التمثيل السياسي. وعندما فشلت المحاولة استبدل ذلك بالمجئ بدياب لحكومة اختصاصيين يتم تحريكهم من وراء الستار. التيار الحر ومعه رئيس الجمهورية تماهى مع الحزب باعتبار أن الحريري يمكنه فتح البلاد المغلقة أمام طموح باسيل في معركة رئاسة الجمهورية، وعندما بدا ذلك متعذراً تقرر السير بدياب، رغم أن الطرفين يعرفان مدى المخاطر الناجمة عن اقتياد الطائفة السنية مخفورة إلى بيت الطاعة، ووضع دول العالم أمام الأمر الواقع. على أي حال يمكن القول إن انفجار الغضب الشعبي منذ 75 يوماً أدى إلى ارتباك أطراف المعادلة الطوائفية وكل على طريقته. لذلك جرت محاولات مستميتة من الثنائي الشيعي لوأد الانتفاضة عبر شتى السبل، بدءً بالقمع العاري في عمليات بدت مفتوحة على دفاتر الحرب الأهلية وذاكرتها. وعليه، لم يكن اختيار شعار الهجوم على الساحات عشوائياً، بل بهدف استجرار شعارات طوائفية ومذهبية من الطينة نفسها. يضاف إلى ذلك محاولات اختراق الانتفاضة في عقر دارها عبر خيم بعناوين مموهة لضمان اسقاط القلعة “من الداخل”. ولكي يمر التخلص من الانتفاضة، كان لا بد وأن يترافق ذلك مع تحريك للجو السياسي الراكد، لاسيما وقد تزامن ذلك مع وصول الموفد الاميركي ديفيد هيل إلى بيروت فكان أن جرت الاستشارات والتكليف بحضوره.

القوى التي اختارت دياب حاولت الإيهام أنه ومن وراءه باتا مقبولين في العواصم العربية والدولية. و نسجت روايات عن قبول عربي بحكومة تكنوقراط،  يشارك فيها حزب الله بتمثيل مموه. أما على الصعيد الدولي فقد جرت عملية رسم “منمنمات” تتحدث عن صفقة اميركية ـ ايرانية عبر عُمان وقطر اللتين رتبتا صفقة دياب، للايهام أن هناك غطاءً عربياً دولياً من شأنه أن يقود إلى فك أسر عزلة لبنان عن العالم الخارجي، ومعها تنهال على البلاد القروض والمساعدات التي “تفرج كربتها” في الاقتصاد والسياسة. لكن وباختصار فان حكومة اللون الواحد لا تعني سوى الإيغال في نفق الكارثة.

[author title=”محرر الشؤون اللبنانية” image=”http://”]محرر الشؤون اللبنانية[/author]