كادت التحركات التي شهدها العراق طوال تشرين الأول الماضي، تطيح بحكومة الرئيس عادل عبد المهدي، والتي أدت مع تجددها إلى مقتل ما يقارب 200 مواطن، بينهم عدد من قوى الأمن، وإصابة أكثر من 6 آلاف متظاهر بجروح على أيدي قوى محلية يرجح أن تكون من تنظيمات مرتبطة بالحشد الشعبي الذي نشر عناصره على أسطح المباني وأطلقوا النار من بنادقهم على المتظاهرين.
الحكومة اعترفت بمسؤوليتها عما تعرض له المتظاهرون خلال الأيام الستة التي شهدت التظاهرات، ولتهدئة غضب الشارع والمحتجين، تعهدت بمحاسبة المسؤولين عن هذا القمع والعنف وشكلت لجنة تحقيق أعقبها محاسبة بعض المسؤولين الأمنيين والمحافظين بتهمة التقصير، بينما ظل المتسببون الفعليون بالقتل يتمتعون بالحصانة، ما ادى إلى عودة التظاهرات ثانية ومحاولات قمعها بالحديد والنار.
وتحدثت العديد من التقارير عن دور إيراني في قمع المحتجين الباحثين عن وضع معيشي أفضل؛ حيث أعلن مسؤولان أمنيان عراقيان (17 أكتوبر): إن “قناصة تابعين لمليشيات مدعومة من إيران اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين خلال الاحتجاجات“.
من جانبه قال وزير الخارجية العراقي السابق، هوشيار زيباري، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر”، يوم الجمعة (18 أكتوبر الجاري)” إن الاحتجاجات اليوم في لبنان لها العديد من الميزات المشتركة مع الاحتجاجات الأخيرة في العراق“.
وربط الوزير زيباري بين تظاهرات كل من لبنان والعراق له مبرراته وأسسه كونه ناجم عن “الغضب المشترك من المؤسسة السياسية، والفساد المتفشي، ونقص الخدمات العامة، ودور إيران، والقيادة غير الحاسمة“. وكانت الهتافات التي أطلقها المتظاهرون في مختلف المدن معادية للحكومة العراقية وايران والمرجعيات الدينية والحشد الشعبي معاً.
وترتبط هذه التحركات بما سبقها وما سيليها، باعتبار أن المتظاهرين حددوا موعداً للعودة إلى الشارع، بالعلاقة مع جملة الأوضاع التي يعانيها العراق على صعد الخدمات العامة والبطالة واستشراء الفساد، وعدم محاسبة الفاسدين الذين تسببوا بخسارة البلاد مليارات الدولارات، واحتلت بلادهم موقعاً متقدماً في المراتب العالمية لجهة شيوع وانتشار الفساد دون أي محاسبة، ما يعني تمتع هؤلاء بحصانات تمنع النيل منهم. والمعروف أن تلك الحمايات منها ما هو داخلي يرتبط بالتركيبة الحاكمة وتوازنات القوى وله علاقة بايران والولايات المتحدة الاميركية. وكان العراقيون في مدينة البصرة والمدن الجنوبية قد استقبلوا حكومة عبد الهادي بتظاهرات طالبت بالاصلاح وتغيير الأوضاع ومحاربة الفساد. لكنهم بعد أشهر من الصراعات على المحاصصة بين القوى السياسية والخلافات على هذه الوزارة أو تلك عاد أضعافهم إلى الشارع على نحو أكثر اتساعاً وبشعارات أكثر تحديداً للمسؤولين عن أوضاعهم، وللدول التي تقف وراءهم والتي تدير الأوضاع في العراق من خلال أتباعها كما هو معلوم.
ويتبين من موازنة العام 2019 أن إجماليها يصل إلى حوالي 108 مليارات دولار وعجز بلغ نحو 19 مليار دولار، وبرزت لدى مناقشاتها في مجلس النواب صراعات طائفية ومناطقية حول بعض البنود. لكن الواضح أن كل فريق كان يسعى لنيل الحصة الكبرى من أرقامها. وعليه تأخرت عملية إقرار الموازنة، لكن الأزمات البنيوية التي يعانيها قطاع الخدمات في العراق، خاصة الكهرباء والمياه لا تتأخر، هذا عدا عن مشكلات البطالة وإنهيار المستوى المعيشي، وتسرب موارد البلاد إلى الخارج تحت تأثير ما تعانيه قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية من أزمات إلى الحد الذي باتت البلاد تعتمد كلياً على مستوردات تأتيها من دول الجوار. أما الدور الاميركي كلاعب أكبر يتقاسم النفوذ مع إيران، فيهيمن على المؤسسات الكبرى العاملة، خصوصاً في ميدان استخراج النفط وتزويد الجيش والأمن الداخلي بالأعتدة والآليات.
والمعروف أن العراق يعاني من جملة مشاكل وتحديات أبرزها المحاصصة ومحاولة كل طرف الاستئثار بالموارد المتوفرة لصالحه وطائفته ومنطقته، ما جعل البلاد مرتعاً لفوضى لم تفلح الحكومات المتعاقبة في وضع حد لها.
ورغم ما يصدره العراق من نفط، إلا أنه ما زال عاجزاً عن إعادة إعمار المدن والبني التحتية التي دمرتها الحرب الأخيرة. وما لم يجر تدميره خلال القتال مع داعش ما زال يفتقر إلى الحد الأدنى المقبول من تأمين الخدمات العامة والطرق والجسور والمجاري لتصريف المياه المبتذلة. أما قطاعات الإنتاج فلا تُضَخ لها الأموال اللازمة للحصول على الآلات والمواد الأولية لإعادتها إلى عجلة الدوران. وما زال العراق يفتقر إلى الطاقة الكهربائية التي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في معالجتها، وعليه، فإن البلاد ما تزال تستوردها من إيران، ما يجعل الأخيرة أبرز المتضررين من حل هذه المشكلة، لا سيما مع فرض الولايات المتحدة عقوباتها عليها، الأمر الذي يمنعها من تصدير نفطها وصادراتها إلى دول العالم، باستثناء العراق وسوريا ولبنان. وتزداد معضلة الاقتصاد العراقي تعقيداً جرّاء العجز عن الإفادة من حصة العراق المائية القادمة من تركيا عبر بناء سدود للإفادة منها في تأمين مياه الشرب والري. وفي ظل وضع على هذا النحو تبدو البلاد مفتوحة في كل الاتجاهات أمام البضائع والسلع القادمة من إيران وتركيا وسوريا والسعودية والأردن وغيرها، في ظل غياب للصناعة المحلية.
ويتفاقم الوضع مع العجز عن استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية بسبب الظروف الاجتماعية والأمنية غير الملائمة واستشراء الفساد في مفاصل الدولة، ومعه ترفض العديد من الشركات الأجنبية الاستثمار في المشاريع الملحة، باعتبار أن الموازنة العامة تُصرف في معظمها على الإنفاق الحكومي الهائل والرواتب والأجور والديون. أما مشاريع الاستثمار والإعمار فتمول من القروض الخارجية.
وأعلنت الحكومة العراقية خلال الأعوام السابقة إطلاق خطة للتنمية المستدامة قسمت على ثلاث مراحل تنتهي عام 2030، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يرون أن المرحلة الأولى التي انتهت عام 2017 لم تشهد تنفيذ سوى 5 إلى 10% منها، وينطبق على المرحلة الثانية ما تحقق خلال المرحلة الأولى.
وتصل مديونية العراق الخارجية إلى أكثر من 130 مليار دولار، وهي مرشحة للزيادة في ضوء المعطيات المتوافرة. ومن أبرز المشاكل البنيوية التي يعانيها العراق أن اقتصاده يعتمد بشكل كلي على تصدير النفط، ومعه يغيب تنوع الإيرادات مثل الصناعة والزراعة.
[author title=”محرر الشؤون العربية” image=”http://”]محرر الشؤون العربية [/author]