سياسة مجتمع منشورات

عام دراسي مثقل بالأزمات: الرسمي مُهمل والخاص ينازع

بعدما تبين أن قسماً من الأهالي عاجزون عن دفع مترتب السنوات السابقة، لكنهم حتى الآن غير مقتنعين بنقل أولادهم الى التعليم الرسمي بسبب غياب الثقة بالدرجة الأولى،

أقلع العام الدراسي الجديد مثقلاً بالأزمات التي تعصف باللبنانيين. اللافت هذه السنة حجم الإقبال على المدرسة الرسمية بسبب الضائقة المعيشية التي أوقعت قسماً من اللبنانيين في العجز، ورمتهم إلى حافة الفقر، فاضطروا إلى نقل أولادهم من المدرسة الخاصة، خوفاً من بقائهم في الشارع. فالتعليم الرسمي الذي تهمله الدولة، ولا يحظى برعاية ودعم مناسبين بقي رغم حاله المنهكة ملجأ بديلاً، رغم أنه لا يقنع الأهالي كخيار دائم بسبب المشكلات البنيوية التي يعانيها في غياب السياسة التربوية الواضحة، وبعدما جعلته السلطة مكاناً للتوظيف السياسي والطائفي وليس مكاناً للعلم والتحصيل.

تركت السلطة السياسية وقواها الطائفية، التعليم بلا رعاية ولا تنظيم، خصوصاً في التعليم الخاص الذي شهدت مدارسه زيادات متتالية للأقساط خلال السنوات السابقة، فظهرت الأزمة هذا العام، إلى حد جعل إدارات المدارس عاجزة عن رفعها هذه السنة، بعدما تبين أن قسماً من الأهالي عاجزون عن دفع مترتب السنوات السابقة، لكنهم حتى الآن غير مقتنعين بنقل أولادهم الى التعليم الرسمي بسبب غياب الثقة بالدرجة الأولى، ولأنه غير قادر على استيعاب التلامذة من الناحيتين الإدارية والتعليمية. ووفق الإحصاءات الأخيرة يتبين أن الإقبال الإستثنائي على المدارس الرسمية في مختلف المحافظات رفع عدد تلامذة الرسمي إلى 32 في المئة من العدد الإجمالي للتلامذة، وهذه النسبة لا تزال بعيدة عما كان يحتضنه التعليم الرسمي قبل الحرب إذ وصلت النسبة إلى 42 في المئة. وعلى رغم أن مديري المدارس والثانويات الرسمية فوجئوا بالأعداد الكبيرة من التلامذة الجدد، حيث تجاوز العدد الـ 18 الف تلميذ، إلا أنهم كانوا عاجزين عن استيعابهم، بسبب المشكلات التي تواجهها حالة المدرسة الرسمية، ووضع الاساتذة الذين يغلب عليهم التعاقد.

واتضح أن المدارس عاجزة عن استيعاب الإقبال الاستثنائي، لكنه اقبال لا يعكس الثقة بالتعليم الرسمي، ليس على صعيد مبانيه، بل بما يتعلق بالنظام المدرسي الرسمي بأكمله، فهناك نقص فادح في معلمي الملاك، فيما أساتذة التعاقد لا يستطيعون سد الثغر الأكاديمية والتعليمية، وذلك بعدما قررت الدولة إقفال باب التوظيف في القطاع العام، علماً أن التوظيف السابق كان قائماً على المحاصصة، بحيث جعل المدرسة الرسمية تفقد الكوادر التعليمية المدربة والمؤهلة. وكان لافتاً أن الاقبال على المدرسة الرسمية يتركز في المناطق الفقيرة، خصوصاً في بعض أحياء بيروت وضواحيها، وبعض مناطق الجبل لبنان خصوصاً الضاحية الجنوبية ومناطق بشامون وعرمون، وكذلك في محافظتي البقاع والشمال اللتان تضمان أكبر عدد من تلامذة الرسمي. ويتبين مثلاً وفق المعطيات أن تلامذة الخاص الذين يرحلون إلى الرسمي هم من المدارس ذات المستوى المتوسط، والتي يعتبر مستواها متدنياً، وزادت اقساطها على رغم أن قسماً منها لا يستوفي الشروط التعليمية الكاملة. وهناك حركة انتقال من مدارس ذات مستوى عال إلى مدارس متوسطة، ما يعكس عدم قدرة اللبنانيين على توفير الأقساط لأولادهم.

عدد تلامذة المدارس الرسمية من اللبنانيين سيرتفع إلى أكثر من 300 ألف تلميذ، يوازيهم تقريباً عدد من التلامذة السوريين النازحين، واللاجئين الفلسطينيين بعد تراجع تقديمات الأونروا التعليمية إلى حدود خطيرة. وهذا يعني أن الضغوط على المدرسة الرسمية تتضاعف، ولم تاخذ السلطة بالاعتبار ضرورة تجهيز مدارس لاستيعاب أعداد التلامذة، ما سيضطر الوزارة إلى فتح دوامات بعد الظهر في المناطق المكتظة والفقيرة.

المشكلة تبقى في عجز المدرسة الرسمية عن مواكبة كل هذا الإقبال، وإن كان ليس بالأعداد التي روّج لها، والعجز سببه تراكم مشكلاتها، والضعف الذي تعانيه على غير صعيد. النظام في الرسمي بات عاجزاً عن مواكبة التحولات في ظل الاستقالة الرسمية عن دعمه ورعايته، خصوصاً في الكادر التعليمي الذي بات التعاقد سمته الرئيسية، بعدما اصبح العدد الأكبر من أساتذة الملاك فوق الستين من العمر، ويخرج إلى التقاعد سنوياً أكثر من 1200 معلم ومعلمة، ما يفرغ المدرسة الرسمية من كوادرها، بينما يبقى متعاقدو الأساسي والثانوي وبعضهم بات في أواخر الخمسينات، وهم بدأوا يخضعون أخيراً لدورات، علماً أن المتعاقدين يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي، وبالتالي لا يستطيعون الحلول محل أساتذة الملاك.

الأزمة الأخرى التي تلوح في ميدان التعليم هذه السنة، هو الإنقسام الطائفي الذي غذته السلطة بمحاصصاتها وفسادها. يقال مثلاً أن مديري مدارس رسمية يفضلون تسجيل أبناء منطقتهم وطائفتهم. يتبين أيضاً أن لا إقبال في بعض “المناطق المسيحية” على المدرسة الرسمية، وهو ما يضع التربية أمام إعادة هيكلة توزيع المدارس وترتيب الإستيعاب لضبط العملية التعليمية. علماً أن في لبنان حوالى 1385 مدرسة وثانوية رسمية لا يتعدى العدد في بعضها الـ100 تلميذ وتلميذة، فيما كل المدارس الاخرى من الخاص الى الخاص غير المجاني والاونروا يبلغ عددها مع الرسمي 2890 مدرسة. أما عدد التلامذة وفق إحصاء المركز التربوي 2017 – 2018 فيبلغ في كل قطاعات التعليم في لبنان، 1069627، والمتوقع ألا يتغير كثيراً في هذه السنة الدراسية.

المدارس الخاصة لم تخرج من ضائقتها أيضاً ومن العلاقة المتأزمة بين مكوناتها، فيستمر القائمون عليها وفي مقدمتهم اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة برفض تطبيق القانون 46، فيما تتحضر المدارس الى رفع موازناتها الى التربية خلال الشهرين المقبلين، وهي ستكون كما موازنات العام الماضي غير متضمنة الدرجات الست الاستثنائية للمعلمين، وبالتالي فإن الزيادات المطروحة على الأقساط المدرسية بلغت هذه السنة في بعض المدارس بين 10 و20 في المئة، وهناك مدارس أبقت على اقساطها كما العام الماضي، في الموازنات تتعلق فقط بالملحق 17 من سلسلة الرتب والرواتب. وتصر المدارس على رفض الدرجات الست، وتكرر دعوة الدولة الى تمويل المدرسة الخاصة أسوة بالرسمي، فيما المعلومات تشير الى أن الأزمة تكمن في عدم قدرة العديد من الأهالي على تسديد أقساط أولادهم المتراكمة، وقد بلغت لدى البعض مبالغ تتراوح بين 22 مليوناً و30 مليون ليرة. لذا يحمل العام الدراسي الجديد المزيد من الأزمات وتزيدها سياسة السلطة التي تقضي على ما هو مضيء في التعليم.

[author title=”سالم حيدر” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]