ثقافة صحف وآراء

  “يا إله الانتقام تجلّ”: عظام الشرق الأوسط وأشلاؤه

*محمد حجيري

قال بنيامين نتنياهو، إن “حركة حماس سلمت إسرائيل جثة امرأة من غزة وليست الرهينة شيري بيباس”. وبيباس مجنّدة إسرائيلية اقتيدت إلى غزة في السابع من تشرين الأول مع طفليها اللذين احتفظت بهما، قبل مقتلهم جميعاً بغارة إسرائيلية على القطاع، بحسب رواية حماس. وردت حركة حماس، على الانتقادات الإسرائيلية لها بشأن جثمان المحتجزة بيباس وما رافقها من تهديدات واتهامات بانتهاك اتفاق التبادل، فقال المسؤول في الحركة، إسماعيل الثوابتة، إن رفات المحتجزة شيري بيباس “يبدو أنها اختلطت مع بقايا بشرية أخرى وسط الأنقاض بعد غارة جوية إسرائيلية”، بحسب “رويترز”. وأوضح الثوابتة إن جثة بيباس “تحولت إلى أشلاء بعدما اختلطت على ما يبدو بجثامين أخرى تحت أنقاض مكان قصفته طائرات الاحتلال الحربية بشكل مقصود ومتعمد“. 

بغض النظر عن الخطأ أو الصواب في ما حصل، وهو متوقع. فإن واقعة أشلاء الجثة هي صورة الشرق الأوسط كله. نتنياهو بعد تسلّم بعض الجثامين التي قتلت بقصف طيران جيشه، قال الشعار التوراتي “يا إله الانتقام تجلّ”، وهو حوّل غزة إلى مقبرة جماعية وأشلاء، وأصبحت العظام البشرية منتشرة وفي متناول الأطفال بعد التهدئة، بعدما كانت الجثث وليمة للكلاب الشاردة في أيام الحرب. وقبل أيام، ورد خبر من غزة أنه في المنطقة المحيطة بأبراج الزهراء يوجد الكثير من البقايا البشرية، وعظام وجماجم لأشخاص مجهولي الهُوية. منذ بداية وقف إطلاق النار لم تقم أي جهة بجمعها، وبعض الشباب يقومون بدفنها. هذه الجثث هي لمفقودين، لا يعرف ذووهم عنهم شيئاً. هذا جانب من الواقع اليومي لقطاع غزة ومدنه ومخيماته وقد سويت بالأرض. ما يقارب خمسين ألف قتيل، في حفلة إبادة ممنهجة، وفوقها يأتي ترامب حاملاً مشروعه لتحويل القطاع إلى فندق سياحي، مسبوقاً بتهجير أهله.

ليست غزة وحدها التي تحولت إلى مقبرة. مَن يتابع أخبار جنوب لبنان لا بد أن يصاب بالهول والنكبة، عدا مجزرة التدمير الممنهج للقرى، رُفعت أشلاء عشرات المقاتلين والمدنيين من تحت الأنقاض بعد شهرين على توقف الحرب. عشرات الأشخاص، لم يبق منهم سوى أطلال أمتعة وعلامات صغيرة تتذكّرها أمهات الضحايا. النص الذي كتبه المخرج أحمد غصين في فايسبوكه حول الأشلاء في الميدان، يرسم صورة الكارثة الحقيقية. العظام البشرية تتكلم في الليل، تتحدّث عن النكبة. العظام لا تروي السعادة والنفخ الأيديولوجي، بل القسوة. صوت العظام يقتل طمأنينة الحياة وأوهام البطولات… صورة الفك البشري وقربه الكلب الشارد، شيء من فيلم رعب حقيقي، شيء من مخلوقات ماري شيلي، شيء من فرانكنشتاين.

ليست إسرائيل التوراتية النتنياهوية وحدها التي حولت الشرق الأوسط إلى أشلاء. منذ هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، تتوارد الأخبار عن اكتشاف المقابر والعثور على عظام بشرية في ضواحي المدن السورية. العظام تتكلم عن البراميل المتفجرة وحواجز القتل الطائفية وعمليات الخطف ومكابس صيدنايا والتجويع…

مئات المجازر ارتكبت في ظل نظام الأسد، مع حليفه الإيراني والحزب الإلهي والروسي، واعتبر الضحايا في عداد المفقودين أو بلا أسماء وبلا قبور حتى. صورة الواقع السوري، ربما رسمها الكاتب ياسين سويحة قبل أيام في فايسبوكية كتب: “خلال تواجدي اليوم مع زملاء في حيّ التضامن، بالقرب من مسجد علي بن أبي طالب، اقتربت منا مجموعة من الفتية والأطفال وأخبرونا عن إيجادهم عظاماً بشرية هنا وهناك، وأحدهم ألحّ علينا أن نذهب لرؤية كيس عظام مرمي في إحدى البنايات المهدّمة. لم نذهب، ولم آخذهم بداية على محمل الجد. كنت قد عرفت سابقاً بإيجاد مجموعة من العظام البشرية قبل أسابيع في الموقع، وتخيّلت للوهلة الأولى أنهم يتحدثون عن تلك الحادثة. أمام الحفرة المهولة التي رمى فيها أمجد يوسف ضحاياه، أتى طفل يركض إلينا وهو يحمل قطعة جمجمة، ويلح علينا أن نأخذها. وضعناها بتصرّف رجل من أبناء الحي”.

أكثر ما تفعله أنظمة الاستبداد وميليشياته، ومعها الاحتلال، هو الاتفاق على الإبادة والمجازر وتقديس القتل.

 *  نشرت على موقع المدن بتاريخ 21 شباط 2025

Leave a Comment