كتبت جويل عبد العال
طرحت الانتخابات الطالبية التي شهدتها العديد من الجامعات الخاصة أسئلة على الوسط الطالبي في مؤسسات التعليم العالي بعد ظهور نتائجها. وهي أسئلة أقل ما يقال فيها وعنها أنها قد تفتح الأفق أمام المستقلين عن أحزاب وتيارات السلطة لإظهار مدى ثقل وزنهم، خصوصاً وأن أحزاب هذه السلطة حاولت أن تتدثر بثياب الاستقلال محاذرة استثارة غضب الكتل الواسعة من الطلاب/الطالبات على ممارسات أحزابهم السياسية التي اوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيار في شتى المجالات بما فيه التعليم العالي… ما دفع رؤساءها إلى توجيه نداءات حول ما تعانيه من صعوبات تكاد تهدد ديمومتها، وبما لا تشفع فيه عراقتها ورسوخ دورها في نهضة البلاد.
واذا كان من الطبيعي أن السلطة لم تغير شيئاً في أدائها، فالملفت أن الطلاب والطالبات حاولوا عبر تأكيد حضورهم إيصال أصواتهم المختنقة على امتداد عقود، ومن مدخل الانتخابات الطالبية التي شهدتها أحرام العدديد من الجامعات في العاصمة والمناطق. وبعيداً عن الاحتفال والانتصارية التي دفعت البعض إلى تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، يمكن القول إن أحزاب السلطة التي طالما تقاسمت مقاعد الهيئات والمجالس اضطرت إلى التستر واخفاء هويتها السياسية باعتباره مثار رفض أكثري، وتقدم بعضهم بصفة المستقلين ما قاد إلى وصولهم على لوائح مصنفة تحت هذا الاسم. هذا مع العلم أن الانقسامات التي طبعت الحياة الطالبية سابقاً كانت محكومة بالانقسام السياسي العام، مع تبدل حيناً في التحالفات بين مكونات هذا الفريق وذاك. إذن يمكن تسجيل أن المعركة الحالية اختلفت عن سابقاتها تحت تأثير رياح انتفاضة الـ 17 من تشرين أول عام 2019 من جهة، وتداعيات انفجار المرفأ وما كشفه عن حجم الفساد والفضائح، والذي انتقل من تهديد ودائع اللبنانيين وجنى أعمارهم إلى تهديد حياتهم، حتى وهم في بيوتهم يعتقدون أنها آمنة، فانهارت على رؤوسهم، دون أن يؤدي ذلك إلى رفة في جفون المسؤولين. ومع تسجيل العديد من الايجابيات التي تمخضت عنها تلك الانتخابات لجهة غياب قوى طالما استثمرت في انقسامات الطلاب وتباهت بتبعيتها لأطراف السلطة، إلا أن المؤكد هو أن الاحزاب الطائفيّة التي طالما تباهت بانتماءاتها وعملت على تقاسم وتحاصص المؤسّسات العامة والخاصة بفسادها وممارساتها الفئوية والميليشياوية اضطرت إلى الإنكفاء والاختباء. وخلافاً لما أشاعه البعض من أن نتائج ما جرى تؤشر إلى مرحلة نوعية جديدة من الحياة السياسية والطالبية، يمكن القول إن حال الإنكفاء التي تشهدها البلاد على وقع ذبول الانتفاضة والاجراءات الصحية بما تتطلبه من الحجر والتباعد الاجتماعي فعلت فعلها. وعليه، المؤكد أن التحول الذي شهدته الجامعات لم يكن جذرياً وكاملاً باعتباره دليل على تحول عميق في حياة البلاد. ما جرى هو ظهور وزن القوة المستقلة من جهة، ومحاولات البعض التلطي تحت عباءة الاستقلالية للتمويه على انتماءاتهم وحجز مقاعد لهم. من هنا يمكن القول إن معركة التغيير في الجامعات طويلة ومتعرجة وهي مؤثرة ومتأثرة بالتطور العام الذي تعيشه البلاد.
وأمام هذه المعركة المديدة التي يخوضها طلاب/ات الجامعات الخاصّة، فإنّ الوضع في الجامعة اللبنانيّة يكاد يشبه الوضع السياسي العام السائد بشكل عام لجهة الجمود والشلل. والمشهد هنا لا يزال رهن أحزاب طائفية تقاسمت الجامعة اللبنانية بفروعها وكليّاتها وفرعنت نفسها فارضة زبائنيّتها، مهمّشة دور الجامعة اللبنانية الوطني كأكبر مؤسسة للتعليم العالي وطلابها، مشرّعةً خطابات الانقسامات الطائفية والمذهبية. اثنا عشرة سنة ولا تزال الحياة الديمقراطية مغيّبة عن الجامعة اللبنانيّة بحجّة “الامن القوميّ”، في ما قمع الحريّات مستمرّ؛ فمرّةً تقمع المجالس والهيئات الطالبيّة أصواتنا، وتارّةً تهاجمنا الإدراة وتهدّدنا في فرض مجالس غير قانونية، وطوراً اخر تطلّ علينا رئاسة الجامعة باجبارنا على توقيع تعهّدات تلزمنا بكمّ أفواهنا، وعدم التحدّث عمّا يدور في كواليس الجامعة الوطنيّة، وتمنعنا من النقد وتنتهك حقّنا في حرية الرأي والتعبير.
في العام 2019 كان لطلاب/ات الجامعة اللبنانية أمل بأن يمارسوا بعد احدى عشر سنة حقّهم/ن في الاقتراع والحياة الديمقراطيّة، ققرّر حينها رئيس الجامعة فؤاد أيّوب أن يبدأ الحديث عن عودة الانتخابات الطالبية الى الجامعة اللبنانية ، لكن ثبت بعدها أن لا الرئيس ولا أحد من الاحزاب المهيمنة في الجامعة اللبنانية يريد أن يتخلى عن دوره وهيمنته. وبالتالي سقطت محاولاتهم بإدعاء الحرص على الانتخابات والحياة الديموقراطية، فهم يطالبون قولاً بالديمقراطيّة رغم عدم ديمقراطيّتهم، وجميعهم يعتنقون الممارسات القمعيّة و”البعثيّة” نفسها والحصيلة بقاء تسلطهم على الجامعة وأهلها من طلاب وأساتذة وموظفين.
معركة التغيير الفعلي تحرز أهمّ نصر في معركتها يوم ينجح طلاب/ات الجامعة اللبنانية في اعلاء صوتهم/ن بوجه رئاسة الجامعة اللبنانيّة و كل من مارس ويمارس سياسة القمع والاقصاء لحساب الجامعات الطائفية واستثماراتهم الحزبيّة. ألم يحن الوقت لاستعادة الحياة السياسيّة الى جامعة الوطن، ووضع حدٍّ للزبائنيّة والاستزلام السياسي؟.
Leave a Comment