مجتمع

والآن وداعاً بعد لقائنا الاخير

حسين صلح

غادرنا ابو حسن مروّة من غير وداع في رحلته الأبدية تاركا خلفه إرثا من القيم والمواقف والإقدام، شحذها خلال مسيرته النضالية دون كلل أو تأفف. كان دائماً في طليعة الصفوف دفاعاً عن الفقراء، دفاعاً عن الوطن مناضلاً من أجل مستقبل أفضل لعموم الشعب اللبناني. أبو حسن رسول استنهاض كما رُسُل الحقّ والعدل والمساواة، مَعلومون مَعرفون لا تزيد فيهم المجاملة ولا تنقص منهم المحاباة. ولكل هولاء الرسل ناحية من نواحي الحياة، وفي مُقدمها الحداثة والتغيير الديمقراطي في الانظمة والمؤسسات والخطط والاهداف من أجل مصلحة الشعب. ويمتاز النابغون والنابهون بأن لهم عقيدة قوامها الحرية والكرامة، ورسالة أبو حسن بلاغها النضال والتضحية، وقد بلغ رسالته على نحو ما بلغ المرسلون رسالات الوحي، ورسالته نزلت على قلوب الشباب، فجعلت من عقولهم وميولهم وقفاً عليهم يدعون إليها ويناضلون من أجلها، وقد لازمتهم في أطوار العمر وحلت في نفوسهم محل الغرض من السعي والغاية من الحياة.

أبو حسن كان لقاؤنا الاخير يوم وداع كبير المناضلين القائد الوطني والعروبي أبو خالد في بلدته أنصار في جنوب لبنان، حيث جلسنا كتفاً إلى كتف نستقبل المعزين الذين وفدوا من مختلف المناطق اللبنانية في يوم مشهود، وكنا بين الفينة والاخرى نسترق بعض الوقت لنتحدث ببعض الامور الراهنة، ثم نعود بالذاكرة إلى رفاق غادرونا شهداء سقطوا دفاعا عن لبنان وعروبته وعن القضية الفلسطينية، كما تحدثنا عن رفاق قياديين رحلوا بعد أن قاموا بدورهم النضالي على أكمل وجه. غادرونا وهم في عز العطاء بعد ان قهرهم الإنكسار والمرض وهزيمة المشروع الوطني للتغيير الديمقراطي، والعودة الى تكريس النظام الطائفي البغيض. ثم تطرقنا إلى حجم المسؤولية الملقاة على قيادة المنظمة بعد غياب الأمين العام محسن ابراهيم. وبعد ان شيعنا الرفيق “ابو خالد” الى مثواه الاخير عدنا أدراجنا إلى مناطقنا والاسئلة تولد اسئلة والهواجس تزداد عندي تحسباً لما ستحمله الايام من مفاجآت، لكن عرائس كورونا القاتلة كانت لنا بالمرصاد، وقد أسرعت في اصطيادنا ورمتنا على أسرتها المفروشة بالأكفان، ومن سوء طالعنا أنا وأبو حسن قد اصبنا بالجائحة في الوقت ذاته معا، ودخلنا المشافي للعلاج واخذت اخبارنا تنتشر عن الاخطار التي تحيط بنا، رغم صلابتنا ومقاومتنا للفيروس القاتل. وخصوصاً اننا اصبحنا على الصراط بين الحياة والموت. لكن أبا حسن رغم إصراره وقوة إرادته وصلابته المشهود لها لم يستطع الإفلات من كورونا القاتلة التي قهرته وأردته شهيدا كما الرفاق الذين استشهدوا في ساحات الوغى، وكان الخبر الجلل الصادم والقاسي علينا جميعاً، فبكيته ونعيته وانا أعاني الدمار الداخلي جراء كورونا، لكنني كنت أردد أنني سأنتقم لأبي حسن وأن أقهر كورونا وأعود الى العمل العام مهما كانت الصعاب، وان أبقى صديقا وفيا للرفاق في منظمة العمل الشيوعي.

أبا حسن: ايها الرفيق والصديق والاخ المحبوب منا جميعا، ان ابتسامتك لن تخفت وإطلالتك المشرقة ستبقى شمسا ساطعة نستمد منها طاقتنا، ولن ننسى عصاك التي كانت عونا لك تتكىء عليها وتهش بها من أزعجك ممن كنت تضع حولهم علامات استفهام وهم في مقدمة المعزين. وغاية عصاك سيحققها الرفاق والاصدقاء في نضالهم المستمر من أجل الحرية والعدالة والكرامة.

أبا حسن : الحياة في كل مكان هي الحياة، وهي في داخلنا وليست خارجة عنا، لقد كابدت في الحياة الشيء الكثير و قلبك لم يهن، وعزيمتك لم تفشل، وهذا في اعتقادي هو الحياة والواجب في الحياة وقد حققت ذلك، وصار هذا جزءاً من مسيرتك وكيانك.

وما زلت ارى الشمس تطل من ثراك وتشع في فضائنا ابتسامات لغد أفضل .

والآن وداعاً رفيق أبو حسن.

 

 

Leave a Comment