ريما كتانة نزال*
الواقع الراهن للمرأة الفلسطينية ترسمه التحديات التي تواجهها يومياً وأهمها:
1 – يمثل الاحتلال الإسرائيلي التحدي الأول، فهو العدو الرئيس، الذي يعيق تطور المجتمع الفلسطيني، ويحتل الأولوية في النضال. والمرأة باعتبارها جزءاً من هذا المجتمع، فهي ضمن القوى الاجتماعية التي تناضل ضد الاحتلال. يكمن التحدي هنا في القدرة على تعبئة النساء في المعركة الوطنية لإنهاء الاحتلال من بوابات متعددة، كالانخراط في مقاومة الاستيطان والتهويد، والنضال من أجل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وكذلك مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والمساعي النسوية ضمن حملات المناصرة الدولية، وحشد الدعم النسوي الدولي، والاشتباك مع انتهاكات الاحتلال الجسيمة في المحافل الدولية.
2- تحدي المشاركة في إنهاء الانقسام، الذي أساء لأولويات النضال الفلسطيني، وأصبح آفة تعطل الطاقات والجهود وتمنع توظيفها لمواجهة الخطر الرئيسي المتمثل بالاحتلال. على الرغم من اتفاقيات المصالحة الموقعة؛ عددها ثمانية لم يطبق أي منها، بسبب تمأسس الانقسام وتحوله إلى سلطتين قائمتين على الأرض برؤيتين مختلفتين، مع نموّ مصالح طرفي الانقسام، وبروز شعار “إدارة الانقسام” بديلاً عن إنهائه.
3- التحدي الثالث الخلاف حول حقوق المرأة ومساواتها، وهو أحد المعيقات الرئيسة أمام تطور دور المرأة، ومشاركتها وحشد جهودها في المعركة الرئيسية للدفاع عن حقوق الشعب، وعن الهوية الوطنية والاجتماعية للمجتمع، الذي تميّز تاريخياً بالتنوع والتعددية الفكرية والسياسية والدينية. وكانت المرأة جزءاً أصيلاً في هذه التعددية مثلها مثل باقي القطاعات، لها نوازع وانتماءات، وهي غير محايدة تجاه حقوقها كما تجاه القضايا المطروحة، وموقعها ودورها في النظام السياسي.
غياب الحوار الديمقراطي ساهم في تشويه وشيطنة توجهات المرأة ومطالبها، من قبل بعض الاتجاهات المحافظة المتطرفة والمتعصبة، في ظل صمت السلطة الفلسطينية وتقاعسها، ما أدى إلى تحجيم قدرة الأطر النسوية على تعبئة النساء من أجل الدفاع عن حقوقهن الديمقراطية، وإنجاز القوانين القادرة على تحقيق العدالة والمساواة، ورفع الظلم والتمييز عن نصف المجتمع، وساهم كذلك في الحد من دور المرأة في مقاومة الاحتلال.
المرأة تحت الاحتلال
استمر نضال المرأة الفلسطينية في مقارعة الاحتلال والمشاركة في جميع أشكال النضال، وتطورت مساهمة المرأة في النضال الوطني، عبر الانخراط المباشر أو الضمني، متحملة تبعاته في تحويلها إلى شهيدة أو أسيرة أو بسبب استشهاد أحد أفراد أسرتها، وتأثير ذلك على حياتها ومسؤولياتها، بما في ذلك تحمل التهجير القسري بفعل سياسة الاحتلال في تدمير المنازل ومصادرة الأراضي، كما يحصل في القدس والأغوار والخان الأحمر ومسافر يطا وغيرها.
مع تطور الخطاب الحقوقي على خلفية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وممكنات عمليات المناصرة الدولية، اتسع دور المرأة في المعركة، وتطور استخدام الأدوات والآليات الدولية المتاحة لعرض واقع المرأة الفلسطينية وتأثير الاحتلال طويل الأمد، وأثره التراكمي على حياتها الفردية والجماعية من منظور النوع الاجتماعي الخاص. وقوع النساء تحت طبقات متعددة من الانتهاكات نتيجة مزيج من سياسات الاحتلال، مثل هدم المنازل في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، والقيود المفروضة على حرية التنقل، واستمرار سياسة العقاب الجماعي، التي تشكل معا حالة من الضغط الهائل، تؤثر على النسيج الاجتماعي، وتنعكس على تراجع مطرد لمستوى المعيشة وحقوق الفئات المهمشة وخاصة النساء.
بين السلطوية والتحرير
أثرت هذه الأوضاع بعمق على حياة النساء الفلسطينيات، ما استدعى المطالبة بالحماية الدولية والتضامن الدولي النسوي، وعرض قضايا النساء الفلسطينيات في المحافل الدولية النسوية، بهدف توسيع الاشتباك السياسي مع الاحتلال، وبناء ائتلافات وشبكات دولية للتضامن مع المرأة الفلسطينية، واستخدام القرار 1325 الخاص بأجندة المرأة والأمن والسلام.
دور المرأة في الواقع الاجتماعي:
بعد نحو ثلاثة عقود من تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تتولى صلاحيات اجتماعية وقانونية وتشريعية ومطلبية تمس مصالح الشرائح والقطاعات المختلفة؛ بما فيها النساء، وانطلاقاً من تلازم المسارين الوطني والاجتماعي، لا بد من الإقرار بأن الاستجابة لقوائم الواجبات والمطالب والسياسات ما زالت بائسة ومحدودة جداً، فمطالب المعلمين والمحامين والعمال والنساء، تقرع أبواب المسؤولين بقوة، إلا أن السلطة لا تستجيب، وتتجاهل كل هذه المطالب، كأنها ركبت أذناً من طين وأخرى من عجين كما يقول المثل الشعبي.
تكشف الأرقام بوضوح الحقائق المستورة، خلافاً للخطاب السياسي المزدوج والمتناقض والفاقد للمصداقية. إذ ما زال الواقع القانوني يراوح مكانه، مع خليط القوانين الأردنية والمصرية والأوامر العسكرية الإسرائيلية. على الرغم من تغير الزمان والمطالب والاستحقاقات.
التحدي هنا في القدرة على تعبئة النساء في المعركة الوطنية لإنهاء الاحتلال من بوابات متعددة، كالانخراط في مقاومة الاستيطان والتهويد
اقتصرت التطورات المنهجية في السياسات على تبني (الكوتا) تبنياً رمزياً لا يفي بعملية التغيير، عاكساً تردد السلطة الفلسطينية تجاه إرساء النظام الديمقراطي، وقواعد المساواة التي التزم بها النظام الأساسي. ما ينطبق على مشاركة المرأة في واقع العمل السياسي والاقتصادي والعام، وفي بُنى وهياكل صنع القرار، ينطبق أيضاً؛ على إقرار القوانين والتشريعات اللازمة.
بلغة الأرقام: تشير تقارير الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء عشية الثامن من آذار 2023 إلى ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة عام 2022 إلى 19%، بعد أن كانت في السنة السابقة 17%، أي عادت النسبة إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا في عام 2020، الذي شهد تدهوراً في نسب المشاركة.
تظهر الإحصائيات كذلك؛ بلوغ معدل البطالة 40% في صفوف المرأة المشاركة في القوى العاملة، مع الانتباه إلى أن البطالة تتركز لدى حاملات المؤهلات العلمية. كما أن رواتب النساء تنخفض بواقع 50% تحت الحد الأدنى من الأجور، البالغ نحو 520 دولاراً (مع الإشارة إلى أن الاحتلال يفرض غلافاً جمركياً قسرياً يلحق الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي، حيث الحد الأدنى للأجور نحو 1470 دولاراً شهرياً)، كما تبين الإحصائيات أن 40% من النساء الفلسطينيات يعملن دون عقود في القطاع الخاص، وأن 46% منهن فقط يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة.
ما زالت المشاركة في صنع القرار تراوح مكانها، وتتسم بالمحدودية والتواضع، مع استمرار السلطة في وضع الحواجز بينها وبين الحركة النسائية ومطالبها الحقوقية، على الرغم من مثابرة المؤسسات النسوية على القيام بعمليات الضغط دون كلل أو ملل، كانت نتيجة ذلك الوصول إلى انجازٍ محدودٍ، بحصولها على قرار من المجلس المركزي عام 2015، يقضي بتخصيص 30% من المواقع للمرأة في جميع بنى وهياكل “الدولة”، وهو ما أكده المجلس الوطني عام 2018، إلّا أن القرار لم يطبق حتى في هيئات منظمة التحرير التي أصدرته، مما فاقم خيبة الأمل، وأضعف الرهان على سلطة مترددة وتتلكأ في الوفاء بمسؤولياتها.
بلغت نسبة النساء اللواتي تم انتخابهنَ في الانتخابات المحلية 2021/2022 نحو 21% من عضوية البلديات والمجالس القروية. وأظهرت البيانات أن نسبة النساء من أعضاء المجلس المركزي تشكل حوالي 23%، و11% من أعضاء المجلس الوطني، و12% من أعضاء مجلس الوزراء، وهناك امرأة واحدة فقط تشغل منصب محافظ من أصل 16 محافظاً، وأن 1% من رؤساء الهيئات المحلية في فلسطين هنَ من النساء. أما عن إدارة مجلس الغرف التجارية والصناعية والزراعية فقد بلغت 1% فقط من النساء، وحوالي 19% نسبة القاضيات، وبلغت نسبة النساء أعضاء النيابة 18%.
تأتي نسب المشاركة الرمزية، في الوقت الذي تشير البيانات المثبتة في العام الدراسي 2022/2021 إلى أن معدل المشاركة في التعليم النظامي في فلسطين يقارب 73%، بواقع 68% للذكور و78% للإناث. فيما تتفوق الإناث على الذكور في معدلات إتمام المرحلة الثانوية الدنيا والعليا، ببلوغها نسبة 97% و78% على التوالي، في حين بلغت النسب بين الذكور 90% و53% على التوالي.
وللمزيد من الاشارة إلى الإجحاف بحق المرأة وكفاءتها العلمية، بلغت نسبة الطالبات الملتحقات في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 62% من مجموع الملتحقين في مؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي 2021/2022، منهم 10% ملتحقون بتخصص تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يتوزعون حسب الجنس بواقع 59% للذكور و41% للإناث، وحوالي 3% ملتحقون بتخصص العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء، منهم 28% للذكور مقابل 72% للإناث.
أرقام نسب التعليم، تبين بوضوح مدى توفر الكفاءة العلمية المناسبة لتبوّؤ الوظائف المختلفة، بينما ما زالت القيادات الرسمية والحزبية تتذرع بنقص الكفاءة في وجه المطالبة بتعزيز مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، وتعميمها وإقرارها في القوانين الانتخابية كافة بما فيها الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات الشعبية.
القوانين والتشريع
ما زالت القوانين المطبقة في الاراضي المحتلة عام 1967 المتعلقة بالمرأة هي مزيج من القوانين الأردنية والمصرية والإسرائيلية، حيث يتم تطبيق القوانين الإسرائيلية إلى جانب القوانين الأردنية المتقادمة في القدس المحتلة، في حين تطبق في الضفة الغربية القوانين الأردنية إلى جانب ما أقر من تعديلات قانونية طفيفة على يد السلطة، كما تسري في قطاع غزة القوانين المصرية، التي كانت قبل العام 1967. هناك عدد من مسودات القوانين الفلسطينية تنتظر الإقرار كقانون حماية الأسرة من العنف، وقانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، ما يرفع الستار عن الصعوبات التي تعترض حصول النساء على أدوات الحماية والعدالة، خاصة في المناطق المصنفة (ج)، المعرضة للضم بسبب خضوعها للسيطرة الإسرائيلية، وعدم قدرة مؤسسات السلطة الفلسطينية على الوصول إليها.
علاوة على تعدد القوانين المطبقة وتقادمها، عمدت السلطة إلى إدخال بعض التعديلات المجتزأة على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، مثل رفع سن الزواج، مع استثناءات خلقت إشكاليات معقدة بعد اختبار نفاذ التعديل على أرض الواقع، كما تم وقف العمل بالبنود القانونية التي تحصِّن مرتكبي الجرائم على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة، كإجراء متخذ من قبل السلطة بمثابة إقرار عن مأزق القوانين المنفصمة عن الواقع واحتياجاته، ومع تطورات يشهدها المجتمع وخاصة واقع المرأة على مختلف الصعد، بينما لا تشهد الثقافة السائدة أي تطور موازٍ لتطور الأدوار التي تلعبها المرأة في المجتمع، وهو التحدي المنبثق من الموروث الثقافي والاجتماعي، الذي يتسم بالسكون والتقوقع وانتشار الأفكار المتطرفة، التي تحتشد لمقاومة أي تغيير للواقع الاجتماعي.
من الأمثلة الصارخة على ذلك، الهجمة المتطرفة التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية ومؤسساتها على خلفية قانون حماية الأسرة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إذ تم خلال هذه الهجمة شيطنة المرأة الفلسطينية وقياداتها ومؤسساتها المناضلة وتشويهها، وتمت الإساءة فيها للمدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة، مما دفع المستوى الرسمي الحكومي إلى رفع مسودات القوانين عن طاولة العمل والإقرار، ما يؤكد نقص الإرادة السياسية وعجزها عن اتخاذ القرار، وحالة يغيب عنها مبدأ المشاركة والتشاور والحوار المجتمعي.
*نشرت في العربي الجديد- ملحق فلسطين في 26 آذار / مارس 2023
Leave a Comment