بين قوانين دينيّة وأحزاب طائفية، تبقى جريمتنا أنّنا نساء هذه المجتمعات، تحاصرنا آلامنا اليوميّة والممارسات التعسّفيّة بحقّنا، وتعاقب أمومتنا بالسجن والتهديد والملاحقات القضائيّة، تنفيذاً لقوانين وتشريعات مفروضة ضدّنا. نحن اللّواتي تتحكّم بمفاصل حياتنا وحياة أطفالنا قوانين الأحوال الشخصيّة الطائفيّة، التي تشرّع للسلطة الذكوريّة ممارسة كلّ أشكال العنف ضدنا، في مقابل تخلّي الدولة عن واجب حمايتنا وحماية أطفالنا. نحن النساء المعنّفات بكافّة الممارسات التي تُفرض علينا، سنبقى تارّةً نحاسب في السجون لتمسّكنا بأمومتنا، وطورًا تداهم مخادعنا القوانين معززة بسلاح القوى الأمنيّة لتسلبنا أطفالنا من احضاننا، وتسلخهم عنّا بمشهديّة ستتكرّر طالما أنّ هنالك شريعة طائفيّة تسيطر على قوانين الأحوال الشخصيّة.
غدير نوّاف الموسوي التي طوّقتها صفة “ابنة النائب” مثالاً، لتهمّش قضيّتها وتتغاضى عن أنّها ضحيّة جديدة تضاف إلى سجلّات ضحايا قوانين الأحوال الشخصيّة، وسلطة المحكمة الجعفريّة. وثبت أنّ هذه القوانين الطائفيّة أفعل من قوّة السلاح والنفوذ التي يتمتّع بهما “سعادة النائب” المستقيل التي لا تستطيع أن تحمي ابنته. هذا الطليق الذكوريّ المجاهر بقوّته التي منحته إيّاها سلطة التشريعات الدينية ليس الأوّل ولن يكون الأخير، هو المستهتر الذي عرّض حياة أطفاله وطليقته للخطر دون أن تسقط ذكوريّته في عين مجتمعه. حاصر سيارة نساء وأطفال، وترجّل من سيّارته مشمّرًا عن عضلاته، وبدأ بمسرحيّته، القانون مشرّعًا له العرض، مصفّقًا لذكوريّته!
المحاكم الجعفريّة ليست وحدها التي تمعن بارتكاب هذا الكمّ من الظلم والجرائم بحقّ المرأة والطفل معًا، وإن كانت الحالات الأبرز تسببت بها قرارات هذه المحاكم، إلّا أنّ المحاكم الروحيّة لدى الطائفة المارونيّة لم تسلم من ظلمها النساء وإبعادهن عن أطفالهن. إذن، فالطوائف جميعها بتشريعاتها وقوانينها تمعن بتهميش واذلال النساء على الأبواب التي تحتضن القوانين المجحفة.
الجميع مع تعديل القوانين وإقرار تشريعات تحمي المرأة من العنف الذي يمارس يوميًّا ضدّها وتشرّعه القوانين، حتّى النائب نوّاف الموسوي ذرف دمعة يومًا أمام النساء في ندوة نظمها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني منذ أشهر حول الزواج المبكر، متحدّثًا عن معاناة ابنته غدير مع المحاكم الجعفريّة، لم يعترض على القانون، ولكنّه بقي متمسّكًا بالبقاء تحت سقف السلطة الدينيّة. إذا فتصرّفه الأبويّ الذي صدر منه في مخفر الدامور، كان تصرفًا مدركًا للشريعة الذكوريّة والنظام البطريركي الذي يحميها قانونياً وحصانتها مجتمعيا، فقرّر أن يحمي ابنته بقوّة شريعة الغاب. لسنا في صدد الدفاع عنه أو محاسبته الذي استقال ليكون أباً، ولن نعمد إلى تصويره ضحيّة على حساب قضيّة امرأة همّشتها قوانين الطوائف ومحاكمها الشرعية، ولم تُسمع قضيّتها إلا لأنّها ابنة النائب. لكنّنا في صدد ضم غدير إلى سجل الضحايا الكثيرات، والتأكيد على أنّ عدوناّ التشريعات والقوانين الطائفيّة التي تعمل على تغليب السلطة الذكوريّة على حقوقنا ومصالح أولادنا، ولذلك لا حل لهذه المعاناة الاجتماعيّة إلّا بتحرير هذه القضايا والملفّات من قبضة السلطة الدينيّة.
[author title=”جويل عبد العال” image=”http://”]كاتبة وأعلامية لبنانية[/author]