ثقافة صحف وآراء

نقاش في نداء الأحزاب الشيوعية من بيروت: تكريس ضياع فلسطين والصراع مع الامبريالية؟

ظافر العربي

أصدرت الاحزاب الشيوعية في كل من: البرازيل وكوبا واليونان  وتركيا  والبرتغال  وبوهيميا ومورافيا والمجر واسبانيا وشعوب وعمال اسبانيا وايطاليا وروسيا الاتحادية وفلسطين والسوري الموحد والعراقي والكوري والسوداني والهندي – الماركسي واللبناني، و حزب العمال الشيوعي الروسي، وحزب الشعب الفلسـطيني، وهم جميعاً أعضاء مجموعة العمل للقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية، في الأول من شهر تموز / يوليو ما وصفته بأنه “نداء فلسطين من بيروت”. وجاء النداء بعد اجتماع عقدته مجموعة العمل في العاصمة اللبنانية في29 حزيران / يونيو 2024 الماضي. والذي دعت الأحزاب المنضوية فيه إلى المشاركة الواسعة “في اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية في لبنان بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في 24 تشرين الأول 2024، لما يحتله من أهمية بالغة في دعم كفاح الشعب الفلســطيني والتضامن مع قضيته العادلة والتضامن مع الشعب اللبناني ووقف العـدوان الصهــيوني عليه”. أي أن الأحزاب المذكورة وعدت بموعد لقاء متجدد في بيروت لمناسبة مئوية تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني.

يتألف النداء من أكثر بقليل من اربعماية كلمة، جاءت في ست فقرات تبدأ من إدانة حـرب الإبـادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهــيوني ضد الشعب الفلـسطيني في غزة، والاعتداءات المجـرمة في الضفة الغربية والقــدس، وضد لبنان وشعوب المنطقة. وبعد أن يستعرض ما أسفرت عنه تلك الحرب على صعيد الضحايا البشرية والتدمير والقضاء على البنية التحتية ضمن هدف محدد يستهدف تصفية القضية الفلسطينية واستكمال تهجير الشعب الفلسطيني من غـزة والضفة والقـدس وذلك من خلال تحويل قطاع غــزة إلى منطقة غير قابلة للحياة وزيادة الاستيطان ومصادرة الأراضي وتسليح المستـوطنين. وبعد أن يؤكد أن هذه الجريمة الموصوفة تحظى بدعم كامل وشامل من قبل حكومات الدول الامبريالية وحلف شمال الأطلسي وعلى رأسها أميركا، يعلن دعم حق شعوب المنطقة في مقـاومة الاعتداءات والاحــتلال وتحـرير أراضيها، ويدعم الصمود البطولي للشعب الفلسـطيني في غزة، وحق الشعب الفلســطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلّة وعاصمتها القــدس، وعودة جميع اللاجئين إلى منازلهم وفق القرار 194.

ويحيي المقــاومة التي تبديها شعوب العالم قاطبةً ضد الهيمنة الامبريالية وجرائمها وعقوباتها وضد حرب الإبـادة الجمـاعية التي يشنّها الاحتــلال، ويوجّه نداءً إلى العمال والمزارعين والطلاب والنساء وحركات التضامن والسلم والنقابات والأحزاب الشيوعية والعمالية ويدعوها إلى استكمال النضال التضامني الأممي في مختلف ساحات وميادين النضال في الجامعات ومراكز العمل، وفي التحركات اليومية في الشارع، وفي التنظيم السياسي والنقابي، وأمام سفارات الدول الداعمة للعـدوان، وفي الدعاوى القانونية، وعلى وسائل الاعلام وفي حملات الدعم وجمع التبرعات، وفي حالة التضامن الشعبي الواسع. ويختم قبل تحية “نضال شعب فلسطين والتضامن الأممي معه باطلاق هذا النداء من لبنان الذي حرر ارضه بالمقاومة دون قيد أو شرط، وكان للحزب الشيوعي دور طليعي وبطولي في هذا التحرير، وسيكون مدافعاً عن أرضه ووطنه وأرضه ضد أي تصعيد عدواني واحتلال صهيوني”.

هذا أبرز ما جاء في النداء على نحو شبه حرفي، وهو يستدعي الملاحظات التالية:

  • أولا الكل يعلم أن حرب الإبادة انطلقت في 7 أكتوبر / تشرين الأول عام 2023 ولم تتوقف منذ ذلك الوقت، ما يستدعي السؤال عن السبب في تأخير صدور النداء إلى الامس. لاسيما وأنه لم يطرأ تغير دراماتيكي ما في مجرى الصراع المندلع باعتبار أن المجزرة متواصلة.
  • لماذا ليس لكل هذه الأحزاب والقوى كلمة تقال عن قرار وحسابات اشعال هذه الحرب وإدارتها، خصوصاَ وأنها لا تدار من جانب إسرائيل والامبريالية فقط، بل أيضا من جانب حماس وحزب الله والحوثيين وايران أيضاً. ألا تستدعي مثل هذه الإدارة من هذه الجهة موقفاً ما؟
  • لا جديد في القول إن الشعب الفلسطيني يتعرض إلى حرب إبادة من جانب العدو الصهيوني، وأن هذه الحرب مدعومة سياسيا وعسكريا واستخباراتيا من الحلف الاطلسي بزعامة أميركا. وهو ما يطرح السؤال حول أسباب مواقع الضعف في مواقف هذا الشعب داخلياً وعربياً في الصراع المفتوح الذي يخوضه.
  • إن اعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة في مواجهة الحملة الامبريالية هو من أبسط البديهيات التي يجب تسجيلها لمناسبة هذا اللقاء وسواه، لكن هذا يستوجب قول كلمات إضافية حول عوامل الانقسام داخل الفصائل الفلسطينية منذ العام 2007، ومن يتحمل مسؤولية استمرار هذا الوضع، وكذلك فشل الوساطات والمصالحات والاتفاقات بين فتح وحماس.
  • تجاهل النداء استثمار الامبريالية الاميركية واسرائيل في مشاريع القوى الطائفية والمذهبية  التي ساهمت طوال عقود متلاحقة في تفكيك البنية المجتمعية في كل من فلسطين وسوريا والعراق والبنان واليمن وسواها.  وتاه  عنه استحالة انتصار  قوى فئوية  على العدو الخارجي في ظل الانقسام الأهلي، وبقوة الامر الواقع ومصادرة  القرار الوطني  وإدارة الظهر لسائر مكونات المجتمع.
  • لماذا لم يذكر النداء أي كلمة عن مواقف الدول “غير الامبريالية ” التي تنتمي بعض الأحزاب الشيوعية إليها، والتي لم تظهر على الشاشة طوال الأشهر الـ 9 المنصرمة من عمر المواجهة لا على مستوى الحراك السياسي ولا الدبلوماسي ولا القانوني. والمقصود هنا روسيا والصين وغيرهما من دول جرى السكوت عن أدائها.
  • أيضا لماذا لم يذكر النداء رأس دول محور الممانعة ولو بإشارة مقتضبة. والمقصود هنا ايران بالتحديد. فقد اكتفت مثلاً بعد تدمير قنصليتها في دمشق ومقتل عدد من قيادي الحرس الثوري فيها بتوجيه صواريخها ومسيَّراتها نحو مناطق صحراوية في الكيان الإسرائيلي من باب رفع العتب فقط و”كفى الله المؤمنين شر القتال”، الذي تركت عبئه على القوى الحزبية الحليفة في بلدان المنطقة منتظرة دعوتها إلى طاولة التفاوض.
  • لماذا الصمت عن سيل التصريحات التي أطلقتها معلنة أنها لن تشارك بقواها البرية والبحرية والجوية المسلحة في المواجهة، وأنها تعتمد على قوى المحور غير النظامية في مساندة ودعم الشعب الفلسطيني. وبذلك أعفت نفسها من هذه المهمة التي تولاها حزب الله من لبنان والحوثيون من اليمن والحشد الشعبي من العراق.
  • لماذا تم تجاهل سوريا وعلى نحو كامل من البيان والسكوت عن دورها المفترض في المعركة، باعتبار أن الجولان أيضا أرض سورية محتلة منذ العام 1967 ومضمومة منذ العام 1981، وهي عضو في المحور ومن ركائز قوى الممانعة. فهل ما يصح على لبنان من مساندة لا يصح على سوريا “قلب العروبة النابض” و” مركز الصمود والتصدي”، علماً أن القصف الذي يستهدف الجولان المحتل مصدره لبنان أو العراق وليس الداخل السوري.
  • لم يرد في النداء كلمة واحدة حول الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، ومثل هذا التجاهل لا يدخل في باب النسيان بقدر ما يدخل في باب التناسي المقصود الذي أدى دوما إلى إغراق القضية الفلسطينية بصراعات ثنائية وإقليمية أفادت منها إسرائيل وما تزال القضية تدفع أثمانها إلى اليوم.
  • هناك سؤال جوهري فعلي قوامه التالي: هل الصراع مع الامبريالية واسرائيل يقتصر على الجانب العسكري مع تأمين الحماية فقط للقوى المقاتلة بحفر الانفاق وسواها من أعمال تدشيم وتمويه مع ترك الشعب الفلسطيني عارياً من كل مقومات الصمود على صعيد الادوية والطبابة والأغذية والماء والملاجيء والكهرباء والوقود وما شابه.
  • الأهم من كل هذا لماذا لم نر هذه الأحزاب خلال التحركات الشعبية والطلابية والأكاديمية التي انطلقت من عواصم ومدن الدول الغربية دون سواها، علما أن التضامن يجب ألا يبقى محصورا بشباب وطلاب دول المحور الامبريالي دون سواه.
  • إن دعم الشعب الفلسطيني ونضاله ومواجهة حرب الإبادة يكون أولا بتأكيد الدعوة إلى استعادة الوحدة الوطنية بين قوى وفصائل هذا الشعب وتوجيه طاقاته النضالية نحو العدو، بدل سوق الاتهامات لقيادة منظمة التحرير، كمدخل لاستمرار التلاعب بالقضية واعتبارها مجرد ورقة في سوق المساومات.
  • إن إعلان الحرص على إنقاذ سوريا من الحرب الاهلية المستمرة منذ 13 عاما ولملمة التشظي الكياني الذي تعانيه، وعودة اللاجئين من مدنها وقراها إلى ديارهم. وتجاوز العجز اللبناني عن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اصلاح فعلية وانتظام عمل المؤسسات العامة وإعادة الاعتبار لدور الدولة وإنقاذ لبنان من خطر حرب الدمار الشامل… كل هذه وسواها من الخطوات الملموسة تعتبر أثمن عملية اسناد للشعب الفلسطيني ودعم صموده في كفاحه المثابر وخوض الصراع مع إسرائيل ومن ورائها الامبريالية الأميركية والحلف الاطلسي. أما تمرير الأمور على غرار ما ورد فليس سوى عملية تمويه تكرس الخلل الفادح فكراً وممارسة.

Leave a Comment