سياسة مجتمع

ندوة منظمة العمل حول إشكالية حصانة لبنان من المخاطر: صليبي ومراد يؤكدان على تغليب منطق الدولة والمصلحة

 أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة مساء الأربعاء في 19 الجاري في مقرها في وطى المصيطبة، تحدث فيها الباحث الاجتماعي د. غسان صليبي والاكاديمي الحقوقي د. على مراد تحت عنوان “إشكالية الحصانة اللبنانية امام الضغوط والاخطار الخارجية “. وحضرها كل من رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه، احمد ناصر عضو قيادة حزب الطليعة. والدكتور عماد سماحه، العميد محمد الحاج، الزميلان وليد نويهض وعلي الأمين. والنقابيين أديب أبو حبيب ومحمد قاسم. ومحمود وماهر أبو شقرا، ورضا فواز  ومحمد البابا ووارف قميحة وحشد من الشخصيات والفاعليات الحزبية من قيادات المنظمة والمواطنين.

قدم للندوة وأدارها  جمال حلواني عضو المكتب التنفيذي ومسؤول فرع المنظمة في بيروت، حيث أشار إلى أنه رغم إيجابيات انتخاب جوزاف عون رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة القاضي الدولي نواف سلام واعدادها البيان الوزاري، فإن ما أعقب هذا الانجاز أثبت مرة أخرى، هشاشة البنية اللبنانية، وفداحة انكشاف مكوناتها المجتمعية والسياسية أمام التدخلات والضغوط والمخاطر الخارجية. كما  عكس انعدام مناعة قوى وتيارات أحزاب الطوائف امام املاءات هذه الجهات. ورأى أن عضو المكتب التنفيذي الانقسام الأهلي أهم مصادر قوة سلطة الطوائف وركيزة نظامها ومستند وأساس وجودها. وهو الضمانة لتجديد زعامتها وادوارها، التي تترسخ بقوة نزاعاتها وصراعاتها على امتداد تاريخ لبنان منذ عهد الامارة، وفي صيغته الراهنة.  كما عرض لمأزق المعارضة وهامشية تمثيلها لحقوق ومصالح الفئات المتضررة من الانهيار بأشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يترجم نفسه بضعف دورها وهزالة تأثيرها. وختم مؤكدا على أهمية الإفادة من الدروس والتجارب السابقة التي اجتازها لبنان ودفع ثمنها، وهو ما يجب أن يكون مصدر حصانة في أي عمل انقاذي يستهدف قطع الطريق على المغامرات الانتحارية التي تعيد انتاج كوارث الانقسام والتدمير والحروب الأهلية بوجهيها الداخلي والخارجي.

صليبي : الحصانة واللاعنف

استهل د. صليبي مداخلته بالتوقف امام إشكالية العلاقة بين الحصانة اللبنانية والاخطار الخارجية، واختصر مداخلته بأفكار اربعة مترابطة.

اولاها أهمية العمل على ملاءمة الحصانة الداخلية مع المخاطر الخارجية كي لا نعود إلى مقولة ” لا شيء يعلو فوق صوت المعركة”. وقال: أعتقد انه من الأسلم النظر الى الحصانة الداخليّة كهدف بحد ذاته والتعامل مع إشكاليتها، ومن ثم التساؤل الى أي مدى هذه الحصانة مؤهّلة لمواجهة الأخطار الخارجيّة، وبالتالي تدعيمها إذا اقتضى الأمر ذلك.

أما الثاني فيتناول المفهوم الدستوري للحصانة الداخلية المتمثّل بحصانة الدولة اللبنانية، اي بواقع الحكومة والمجلس النيابي كمؤسّستين دستوريتين تعكسان حالة هذه الحصانة. ولاحظ غياب الاعتراض على بيان الثقة بالحكومة من جانب الأحزاب المشاركة فيها باستثناء ما ورد على لسان حزب الله وجريدة الاخبار مما تسميه الأخيرة الخضوع الكامل للاميركيين.

أما الثالثة فتتعلق باحتمال تعرض حصانة الحكومة والمجلس النيابي للاهتزاز جرّاء عدم إنسحاب إسرائيل بشكل كامل من الجنوب وبقاء جيشها محتلا خمسة مواقع أو نقاط  داخل الأراضي اللبنانية؛ والمناوشات التي شهدنا بعض وقائعها على الحدود اللبنانيّة – السوريّة؛ وكذلك الوصاية الإميركيّة العسكريّة والماليّة على لبنان، والتي تتجلى برئاسة اللجنة الخماسية والوثيقة الموقعة مع إسرائيل، والتلويح بحرمان لبنان أي مساعدة على إعادة الاعمار اذا لم يرضخ لضغوطها.  ورأى أن المبادئ التي ترتكز عليها الحكومة بموجب بيانها الوزاري تتلخص في حصرية السلاح بيد الدولة وبسط سلطة سيادتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وحق لبنان باعتماد الوسائل المتاحة كافة لانسحاب العدو، وهو ما أكد عليه لقاء الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم في القصر الجمهوري. بالإضافة إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي.

ورابعا وأخيرا يتناول عدم اللجوء الى الحرب كما قال الرئيس عون بل الى الدبلوماسية لتحرير الجنوب بشكل كامل، وهو ما لا يلغي حق الشعب بتحرير الارض بالطرق السلمية او اللاعنفية. واعتبر أن معركة طوفان الأقصى كانت لجهة نتائجها الأقسى على قضية فلسطين وشعبها في قطاع غزة والضفة الغربية من كل ما سبقها. وحرب الاسناد” لم يسندها لا عقل ولا منطق ولا حجة ولا نتائج إيجابية”. الحربان الإسرائيليتان على غزّة وعلى لبنان، أثبتتا العجز الكامل للمقاومات العسكريّة في التصدّي للآلة العسكريّة الإسرائيليّة المدعومة اميركيا. وقد ظهر مدى التقدّم التكنولوجي وتأثيره على موازين القوى العسكريّة، وهو مرشّح لتوسيع الفجوة أكثر فأكثر بين قدرات إسرائيل وإمكانيات المقاومات العسكرية اللبنانية والعربية. وأضاف: نحن نشهد على تهافت منطق المقاومات العسكريّة، وما تبقّى منها أصبح أشبه بالهذيان. واعتبر أن المقاومات العسكرية ترافقت دوما مع تبعية لاطراف خارجية للحصول على السلاح والمقدرات. وشرح مفهوم الثقافة اللاعنفية كونها أنجح من المقاومات العسكرية في ظل اللاتوازن الفاضح في موازين القوى، أي ان أهمّيته ليست “عملانيّة” فحسب، بل أخلاقيّة – فلسفيّة أيضا. فإذا كان العنف، الممثل باسرائيل واميركا خاصة، هو من يصنع تاريخنا ويضع قيمة السلاح وتأثيره فوق قيمة الإنسان وإرادته، فهل نتبنى مثل هذه الإخلاقيّة، التي هي أشبه ما تكون بشريعة الغاب التي يسيطر فيها الأقوى على الأضعف، ويملي عليه ارادته دون اعتبار للقيم والقانون والكرامة الإنسانيّة، فنردّ على العنف بالعنف فيما نحن ننتقده ونرفض آثاره؟ أم انه علينا إنتاج أخلاقيات مناقضة، ولو بحكم الأمر الواقع وبفعل الهزيمة؟. وختم بالدعوة إلى هذا النوع من المقاومة مع ضرورة إعادة اعمار قرى وبلدات الجنوب. وهذا ما يحتّم أن يترافق مع مقاومة دبلوماسية ناشطة لسعي اميركا للربط بين نزع سلاح “حزب الله” والسماح بتدفق المساعدات المالية الى لبنان من اجل الاعمار والنهوض الاقتصادي. وهذا ما يحتاج الى حصانة لبنانية تجسدها الدولة، وهي تحاول الفصل بين الاستجابة الفورية لحاجات شعبها في الجنوب، والمعالجة الهادئة لمسألة حصر السلاح بيدها، والتي تحتاج الى بعض الوقت في المناطق الواقعة شمال الليطاني، وقد تواجه عراقيل جمة.

مراد: تغليب المصلحة الوطنية

بدوره استهل مراد مداخلته بالإشارة إلى مساهمة لبنان في تأسيس كل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وتوقف عند الآثار البالغة التي أدى إليها قيام دولة إسرائيل على ارض فلسطين، وهي آثار لم تقتصر على فلسطين كونها شملت لبنان والمنطقة بأسرها. وعرض للعلاقة التي ربطت لبنان بصراعات المنطقة، التي انقسمت إلى محورين شرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي وغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وقال إن انحياز الرئيس كميل شمعون نحو المعسكر الغربي في العام 1958 فجر ثورة العام 1958. وقال إن عبد الناصر كان باستطاعته تفجير لبنان لكن حكمته قضت بحماية المعادلة الداخلية، وبالتالي تحييد لبنان، الأمر الذي سمح للشهابية بتنفيذ خطواتها الإصلاحية. ووصف هذا التحييد بأنه أرسى معادلة قوامها أن باستطاعة لبنان أن يقدم للمنطقة ما تحتاج إليه. ولذلك أصبح واحة لرؤوس الأموال وللحريات العامة والإعلامية. وكذلك عرض لتأثيرات حرب العام 1967 على لبنان ودول المنطقة وشعوبها. وقال: إن ما يحمي تايوان وسنغافورة في آسيا والعديد من الدول الصغيرة في أوروبا المصلحة في بقائهم، والدور الذي يمارسونه في الإقليم وضمن منظومات الاقتصاد العالمي. أما لبنان فقد ترك الخارج يتحكم به، وبالتالي فقد المناعة أو الحصانة التي كان يتمتع بها في منطقة تعاني من اضطرابات خطيرة بفعل المشروع الإسرائيلي. وقدم عرضا للتطور التاريخي للبنان في أعقاب توقيع اتفاق الطائف، وكيف جرى تطبيقه على يد السلطات السورية التي غلبت مصلحة بقائها على مصلحة لبنان. وقال إن مصرع الرئيس الحريري في العام 2005 واضطرار سوريا للخروج منه، وحتى العام 2011 وإلى الآن لم يترافق مع تحييد لبنان لنفسه عن الصراعات، وخصوصا عن الصراع في سوريا. وخلال هذه المرحلة فرض حزب الله هيمنته على كل لبنان، ولم يسمح لأي نوع من الإصلاحات أن يأخذ مداه مما أفقده حصانته حتى الحرب الأخيرة، إذ فقد لبنان خلالها الحد الأدنى من معالم الحياد، حتى أن حرب اليمن كانت تدار من جانب حزب الله في الضاحية. فقد بات للحوثيين اذاعتهم وتلفزيونهم واعلامهم الذي يبث من بيروت، بينما أقفلت ايران هذه الوسائل بعد أن استعادت علاقاتها بالتفاوض مع المملكة العربية السعودية. وبهذا المعنى هي لم تبع حزب الله، ولكنها تعاطت معه بواقعية شبكة مصالحها كدولة في الإقليم. واعتبر مراد أن أهم نقطة غائبة عنا في لبنان هي المصلحة الوطنية التي تحكم سياستنا الخارجية.

ورأى أن الحرب الأخيرة أنتجت موازين قوى مختلة لصالح إسرائيل التي تحظى بدعم أقوى قوة في العالم. وأكد رفض قيام أي قوة أو حزب أو طائفة منفردة في تحديد مصالح لبنان. الذي يقع اليوم تحت وصاية أميركية التي تتصرف كقائدة للفعل العدواني الإسرائيلي. وتخبرنا أنه اذا ما هبطت الطائرات الإيرانية في مطار بيروت فستدمره إسرائيل، ثم يأتي من يطلع علينا بالدعوة إلى استقبالها حتى لو تعرض المطار للتدمير. ووصف خيار الرئاسة والحكومة اللبنانية بأنه هو الصحيح. ودعا في الختام حزب الله أن يرى الآخرين الذين عانوا من هيمنته وقراراته المنفردة بما فيه قرار الحرب والسلم. ولذا يجب أن يصبح خيار الدولة هو الخيار المعتمد، وعلى الأطراف السياسية أن تقتنع أن المصلحة الوطنية يجب أن تكون في المقام الرئيسي في سياسة تعتمد الحياد الايجابي الذي يقف مع حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وشدد على أهمية إيجاد دور للبنان بعد أن أخذت العديد من أدواره الدوحة ودبي والرياض، وهو ما يمكن تحقيقه الإفادة من خلال مساحة الحرية المتاحة والتي لا تتوافر في سواه.

وبعد مداخلتي المحاضرين شارك عدد من الحضور في توجيه الأسئلة وتقديم المقاربات حول ما ورد والتي ردا عليها.

بيروت 20 شباط 2025 

منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني

Leave a Comment