سياسة

نتنياهو يطلق الشرق الأوسط الجديد من جبل الشيخ! ترامب يلهب مطامع اسرائيل بتوسيع خارطة كيانها

 زهير هواري

بيروت 31 كانون الاول 2024 ـ بيروت الحرية

بعد أقل من شهر يتسلم دونالد ترامب دفة إدارة السياسة الأميركية من سلفه جو بايدن. المهم في ما يعنينا في المنطقة العربية هو مدى عمق العلاقة التي تربط بين ترامب ونتنياهو، وتأثيرها بالتالي على أوضاع بلادنا سواء في فلسطين ولبنان أو سوريا والاردن. ونبدأ من سوريا باعتبارها الأكثر سخونة هذه الأيام. خصوصا مع التطورات التي شهدتها البلاد منذ هرب الرئيس بشار الأسد، وسيطرة الثوار على العاصمة دمشق. فمباشرة قامت اسرائيل بأمرين متلازمين: أولهما السيطرة على مرتفعات جبل الشيخ، الذي أخلى الجيش السوري مواقعه فيه بناء على تعليمات من الأسد. أما الثاني فيتمثل في تدمير ما كان بحوزة الجيش السوري من أعتدة الجو والبر والبحر. والبحث عن الشرق الأوسط الجديد يفرض التدقيق في العلاقة بين مجمل هذه العناوين التي مررنا عليها. وما يمكن أن يتحقق إسرائيليا مع عودة ترامب إلى الإمساك بمقاليد أعنة البيت الأبيض. وهنا تفاصيل القصة؟

الاحتلال المؤقت دائم  

ما إن وجدت القيادة السياسية الإسرائيلية المرتفعات السورية خالية من الجنود والبلاد تغرق في الفوضى، حتى بادرت إلى احتلالها. بعدها مباشرة قام كل من رئيس الحكومة نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس وطاقم القيادة العسكرية بتفقد المواقع الجديدة. يومها أعلن الأول أن هذا التمركز هو مؤقت، وكي لا تستغل بعض الجهات حال الفوضى فتنفذ أعمالا إرهابية. أما الثاني فقد كتب عبر منصة إكس أن جبل الشيخ على الحدود السورية-الإسرائيلية “عاد للسيطرة الإسرائيلية، بعد 51 عاماً في لحظة تاريخية مؤثرة”. وكان كاتس قد أمر الجيش بالاستعداد وتجهيز نفسه للبقاء طوال فصل الشتاء هناك، ما يعبر عن طموح إسرائيلي إلى ضم المنطقة كي تصبح مع الزمن جزءاً من كيانها ولو بعد حين. هنا تنبع أهمية وصول ترامب إلى المكتب البيضاوي في واشنطن. وخطورة تصريحه بعد نجاحه في الانتخابات حول ضيق جغرافية إسرائيل التي يجب توسيع حدودها، بالتزامن مع ما يجري في قطاع غزة والشريط الحدودي اللبناني معبر عن الطموح لتوسيع الكيان الإسرائيلي.

على أن جبل الشيخ أو “جبل حرمون” الذي يقع بين سوريا ولبنان ليس عبارة عن مجرد سلسلة جبلية تمتد من بانياس السورية وسهل الحولة في الجهة الجنوبية الغربية إلى وادي القرن في الجانب الشمالي الشرقي، وتشكل جزءاً مهماً من سلسلة جبل لبنان الشرقية التي تمتد بين لبنان وسوريا. ويحده من الشرق والجنوب منطقة وادي العجم وإقليم البلان وقرى الريف الغربي لدمشق والجولان المحتل، ومن الشمال والغرب القسم الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان.

قمم جبل الشيخ

ولهذا الجبل أربع قمم، الأعلى منها يصل ارتفاعها إلى 2814 متراً، والثانية إلى الغرب 2294 متراً، والثالثة إلى الجنوب 2236 متراً، والرابعة إلى الشرق 2145 متراً. والقمم هذه تعزز من إمكانية المراقبة والرصد والاعتراض والتشويش للقوة المسيطرة عليه على مساحة تتجاوز 300 كيلومتر في جميع الاتجاهات، وهو ما يشكل تهديداً للدول المحيطة على كافة الصعد الاستراتيجية (سوريا – لبنان – إسرائيل – الأردن). وجبل الشيخ هو أشهر جبال “بلاد الشام”، إذ يقع بين سوريا ولبنان، ويطل على فلسطين والاردن. وتصفه إسرائيل بأنه “عيون الأمة”، لأن ارتفاعه يجعله مكاناً استراتيجياً لوضع أنظمة الإنذار الاستراتيجي المبكر لمراقبة المناطق المحيطة. وبسيطرة إسرائيل عليه تخلق “منطقة آمنة” فالردارات والكاميرات التي تقيمها عليه يجعلها تمسح المنطقة على نحو كامل ودائم. كون الجبل يطل على مواقع ذات أهمية عسكرية بالغة الأهمية، تشمل كامل الجغرافيا السورية وأجزاء واسعة من لبنان وبانياس الساحلية. كما أنه يشرف على دمشق وبادية الشام والجولان وسهول حوران في سوريا، بالإضافة إلى جبال الخليل وبحيرة طبريا وسهل الحولة، وجزء من محافظة إربد في الأردن. إلى جانب جنوب لبنان وسلسلة جبال لبنان الغربية وسهل البقاع. ويلعب الجبل دور “المفتاح” للحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية. وهو ما يمثل مجالا للسيطرة على المثلث الحدودي الذي يجمع الدول الاربعة. وهي السيطرة اللازمة التي تتحقق مع توسيع الأراضي الإسرائيلية التي تعتبر خطوة أساسية نحو تنفيذ خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بـنيامين نتنياهو بـ “شرق أوسط جديد” أو إسرائيل الكبرى، من خلال هذه السيطرة المفتوحة على تقسيم جغرافية سوريا. خصوصا وأن اسقاط حكم الرئيس البعثي لا يعني بأي حال من الأحوال أن مشكلات سوريا قد حلت، إذ ما زال أمام الحكم الجديد أهوال كبرى، تتطلب المواجهة على صعيد استعادة وحدة التراب السوري من الأطراف الإقليمية والدولية المتشبثة بها. رغم زوال الهيمنة الإيرانية مع الميليشيا الملحقة بها. و”الاحتلال المستدام” لهذه المنطقة الحساسة من شأنه دون شك أن يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا والسلطة الجديدة وكذلك لبنان. وعليه لا يعني تكرار نتنياهو ووصفه احتلال الجيش الإسرائيلي للمنطقة بمرتفعاتها وقراها بأنه مؤقت أكثر من عملية تمويه، لاسيما وأنه حتى الصحف الإسرائيلية تتحدث عن الاحتلال الدائم الذي يبدأ دوماً تحت صيغة مؤقت.

وبالنظر إلى ارتفاعه يعتبر جبل الشيخ من أكبر الموارد المائية في منطقة تعاني من نقص في كميات المياه الصالحة للشرب والاستعمال، ناهيك بالتوسع السكاني الاستيطاني، فإضافة إلى الامطار الشتوية، تتساقط عليه وعلى المنطقة المحيطة به الثلوج سنويا من تشرين الثاني وحتى شهر نيسان، ما يزود خزانات المياه الجوفية بكميات وافرة من كميات الاحتياط، فضلا عن المياه السطحية التي تجري في الشقوق والأنهر( الحاصباني والوزاني وبانياس والدان واليرموك) وبحيرة طبريا. ولا شك أن السيطرة على هذا الجبل تمكن أي جهة من التحكم بمياهه السطحية والجوفية على حد سواء. الجانب الموازي للسيطرة على موارد جبل الشيخ يتمثل بالسعي إلى السيطرة على نهر الليطاني. وكلاهما حلم قديم طالما كان يراود المؤسسين الأوائل وأحفادهم، المسكونين بهواجس التوسع  الدائم للكيان، لضمان القدرة على الدفع بالاستيطان قدما إلى الامام.

ومن المعروف أن هضبة الجولان تطل من ناحية الغرب على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، أما شرقًا فيُشكّل وادي الرقاد الممتد من الشمال بالقرب من طرنجة، باتجاه الجنوب حتى مصبّه في نهر اليرموك حدّاً عرف بأنه يفصل بين الجولان وبين سهول حوران وريف دمشق. ومن جهة الشمال يُشكّل مجرى وادي سعار ــ عند سفوح جبل الشيخ ــ الحدود الشمالية للجولان، حيث تمتد بين بانياس ــ منابع نهر الأردن ــ حتى أعالي وادي الرقاد جهة الشرق. أما الحدود الجنوبية فيشكلها المجرى المتعرّج لنهر اليرموك والفاصل بين هضبة الجولان وهضبة عجلون في الأردن. وتبعد هضبة الجولان 60 كم إلى الغرب من مدينة دمشق. وتقدر المساحة الإجمالية لها بـ 1860 كم2، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم.

الاحتلال واتفاقية فك الاشتباك

وقد احتلت إسرائيل قمة جبل الشيخ في حرب يونيو / حزيران عام 1967 وأقامت عليه وحدة للإنذار المبكر لكشف واعتراض المخابرات الالكترونية والإشارية الصادرة والواردة. واستعاد السوريون الجبل مؤقتا خلال حرب العام 1973، ونزع السوفيات التجهيزات الالكترونية الإسرائيلية ونقلوها إلى موسكو لفك رموزها. لكن اسرائيل أعادت السيطرة على القمة، قبل أن تنسحب منها بموجب اتفاقية فك الاشتباك السورية الإسرائيلية الموقعة في / أيار/ مايو عام 1974. ويقال أن طاقة الرصد من هذا الموقع يصل إلى قبرص وتركيا وما هو أبعد منهما.

ووفقاً لبنود الاتفاقية التي جرى توقيعها في العام 1974، يقوم الجانب السوري بالسيطرة على الأراضي الواقعة في المنطقة (أ) والتي يقع في شمالها قمة جبل الشيخ، وجنوبا حتى الرقاد على الحدود السورية الأردنية. وتوجد كذلك مناطق (ب) و(ج) تحدد مناطق انتشار قوات مراقبة فك الاشتباك التابع للأمم المتحدة وانتشار القوات الإسرائيلية بالإضافة لتحديد الوضع الخاص بمزارع شبعا الحدودية.

ومع أنه تم خرق الاتفاقية مرات عدة إلا أنها ظلت صامدة خلال العقود الماضية. لكن مع انهيار نظام الأسد الابن اخترقتها القوات الإسرائيلية وسيطرت على أراضي المنطقة (أ) كافة، بل وتخطتها حتى وصلت إلى ريف دمشق الجنوبي، ناهيك عن تدمير كل ما يملكه الجيش السوري من معدات برية وجوية وبحرية ليس في المناطق العازلة فقط، بل في عموم الأراضي السورية. وهو ما مكن الجيش الإسرائيلي من الإشراف شبه المباشر على المناطق التي تطل على العاصمة السورية وعلى خط بيروت دمشق. وهذه المواقع من شأنها أن تجعل هذه المدينة مهددة ومثلها البقاع والقطاع الشرقي من الجنوب اللبناني. ومن المؤكد أن إسرائيل التي سبق وأعلنت أنها باقية في اغوار الأردن، والتي هي خارج نطاق البحث بالانسحاب منها، باتت تمتلك مواقع هجومية أكثر تأثيرا من خلال تموضع القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان والسيطرة على ما حولها من مواقع ذات طرقات ومساحات مفتوحة على محافظات أردنية عدة. ومع الربط بين هذه التطورات والهيمنة الجوية الإسرائيلية يصبح الحديث عن تهديد العراق جدياً، ناهيك بـ “الممر المفتوح إلى ايران”.

نقاط المراقبة والمواقع العسكرية

وقد أدى توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي جنوبي سورية إلى حال من القلق الواسع بعد أن سيطرت القوات الإسرائيلية على العديد من القرى، وأقامت فيها نقاط مراقبة ومواقع عسكرية، وسبق ذلك تدمير بعض المنشآت وجرف الأراضي، ما أثار غضب الأهالي ودفعهم للخروج بتظاهرات للمطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية، وذلك بالقرب من فوج الجزيرة العسكري المحاذي للحدود مع الجولان. والواضح أن التموضع الإسرائيلي هذا يتجاوز ادعاء الضغط على الاهالي لتسليم ما لديهم من أسلحة، أو البحث عن المتعاونين مع حزب الله من أبناء المنطقة، كون التحصينات التي تنشئها يجعل من إدعاء أن هذه المواقع مؤقتة، وسوف تنسحب منها لدى حضور قوات أممية والشرطة السورية مجرد تسكين لغضب الأهالي الذين يدافعون عن انتمائهم إلى وطنهم الأم.

ومن المعروف أن التلال التي ثبتت عليها قوات الاحتلال نقاطاً عسكرية وشحنتها بالجنود والجرافات والدبابات في محيط بلدة حضر مثلاً، تعتبر تلالاً ذات أهمية استراتيجية. اثنان منها يطلان على الجولان المحتل مباشرة وهما قرص النفل وعين التينة الواقعان غربي بلدة حضر، إضافة إلى تلال الحمرية والتلول الحمر التي تقع عند سفح الحرمون في جبل الشيخ، وهي مناطق حدودية جنوب شرقي سورية وغربي لبنان وفلسطين المحتلة وتربط بين قرى جبل الشيخ في ريف دمشق وجباتا الخشب ومشاتي حضر في القنيطرة. وبلدة حضر وهي إحدى بلدات جبل الشيخ تشتهر بموقعها الجبلي الاستراتيجي المرتفع، ما جعلها هدفاً مهماً للتحركات العسكرية في المنطقة. أما منطقة التلول الحمر، فتقع عند سفح جبل الشيخ، في مناطق حدودية جنوب غربي سورية وشرقي لبنان وشمال شرقي فلسطين المحتلة، وتربط بين قرى جبل الشيخ في ريف دمشق وجباتا الخشب ومشاتي حضر في القنيطرة. وكانت هذه المنطقة تضم نقاطاً عسكرية للجيش السوري قبل أن تحتلها القوات الإسرائيلية مؤخرا، وفعلت الأمر نفسه في عين الحمرا التي تقع بين بلدة الحميدية وقرية الحرية في ريف القنيطرة.

قرار الضم مجدداً

في 14 كانون الأول / ديسمبر 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي فيما يسمى بـ«قانون الجولان»: «فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان”. وبرغم عدم استخدام كلمة «ضم» في نص القرار، فقد فسرته السلطات الإسرائيلية التنفيذية كأنه أمر بضم الجولان إلى إسرائيل، وبدأت تتعامل مع المنطقة كأنها جزء من محافظة الشمال الإسرائيلية. لكن المجتمع الدولي لم يعترف بالقرار ورفضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرار برقم 497 من 17 ديسمبر 1981. وما زالت تشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم «الجولان السوري المحتل».

في اتفاقية الهدنة، أي اتفاقية فض الاشتباك، التي وقع الجانبان عليها في 31 مايو 1974 بوساطة أمريكية، تقرّر انسحاب القوات الإسرائيلية من عمق الأراضي السورية إلى مواقعها قبل أكتوبر 1973 باستثناء مدينة القنيطرة وبعض القرى المجاورة لها (رويحينة، وبئرعجم، والمدارية، وبريقة وكودنة) التي تقرر إعادتها لسورية مقابل التزام سوري بإبعاد قوات الجيش السوري وراء شريط يخضع لمراقبة قوات هيئة الأمم المتحدة. وتضم الاتفاقية بندًا يدعو إلى إعادة المدنيين السوريين إلى المناطق التي انسحبت إسرائيل منها، وينص ملحق أضيف إلى الاتفاقية على إرسال قوة خاصة للأمم المتحدة (UNDOF) لمراقبة الهدنة وتطبيق الجانبين للاتفاقية، وما تزال هذه القوة متواجدة في المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ويقوم مجلس الأمن بتمديد مهمتها مرة كل ستة أشهر

وفي 25 مارس 2019 وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا رئاسيًا أمريكيًا تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بأن هضبة الجولان جزء من إسرائيل، وهو ما جرى رفِضه من قِبَل الدول العربية وغيرها، وعدّ نسفًا لقرارات الأمم المتحدة التي توضح أن مرتفعات الجولان أرض عربية سورية احتُلت في حرب 1967. إثر ذلك أصدر أمين عام الأمم المتحدة بيانًا أعلن فيه أن «قرار الرئيس الأمريكي لا يغيّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرضاً سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي». واستمر الوضع على ما هو عليه إلى تشرين الثاني / نوفمبر 2024 الجاري، حيث تحركت إسرائيل بقواتها إلى مرتفعات الجولان، رغم عدم اعتراف الأمم المتحدة والعديد من الدول بذلك. وأعلنت الأمم المتحدة أن تقدم القوات الإسرائيلية داخل المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل، يشكل “انتهاكًا” لاتفاق فض الاشتباك المبرم بين إسرائيل وسوريا في عام 1974.ِ والسؤال المطروح الآن هو التالي: هل يدشن الرئيس ترامب ولايته الثانية بالموافقة على ضم مرتفعات جبل الشيخ وما حولها بعد موافقته قبلاً على ضم هضبة الجولان باعتباره توسيعا للكيان الاسرائيلي ؟!يضا بعد هضبة الجولان؟!.

Leave a Comment