أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني مساء أمس الأربعاء ندوة بتاريخ 29 كانون الثاني الجاري، في مقرها في وطى المصيطبة تحت عنوان “الحكومة وتحديات الإصلاح وإعادة بناء الدولة “، تحدث فيها كل من مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور سامي نادر والاكاديمي والباحث السياسي الدكتور حارث سليمان وحضرها جمهور غفير تقدمه كل من: النائب السابق مصباح الاحدب، رئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه وعدد من قياديها، ممثلين عن حزب طليعة لبنان، أمين عام المجلس الثقافي لبنان الجنوبي الدكتور عبدالله رزق، الدكاترة: ماري أنج نهرا، سمير الحلبي، محمد علي مقلد، الياس براج، قاسم علوش، المهندس جو هوا، ريمون متري، وسيم غندور، محمود أبوا شقرا، المحامي مازن أبو الحسن، المحامية ايمان طبارة، الصحافي علي الأمين، العميد هاروت كوكزيان، يسرا التنير، نبيه طبارة، النقابيون اديب أبو حبيب، أكرم العربي، محمد قدوح، ومحمد البابا، إضافة إلى العديد من القياديين الحزبيين والناشطين.
بداية قدم للندوة عضو المكتب التنفيذي للمنظمة عباس صالح، وربط فيها بين انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف الرئيس نواف سلام والأفق التي فتحها هذا التطور، ثم اصطدامه بجدران الفئويات الطائفية من مختلف الضفاف. وأشار إلى أن ما شهده الجنوب من مقتلة على يد العدو الصهيوني للعائدين إلى قراهم، وإلى قوافل الدراجات النارية التي عاثت فسادا بالعاصمة وضواحيها يندرج تحت عنوان محاولة مواصلة سياسة الهيمنة والتعطيل. ووصف إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بأنه يتناقض مع مصالح المنظومة الحاكمة التي تعودت الفساد بأنواعه.
الكلمة الأولى كانت للدكتور حارث سليمان الذي حيا الأمين العام السابق للمنظمة المناضل الراحل محسن إبراهيم الذي اعترف بأن الحركة الوطنية حمّلت لبنان فوق طاقة ما يحتمل في سبيل القضية الفلسطينية. واليوم تتكرر المأساة من أجل نفوذ وتمدد ايران في المنطقة العربية. وتطرق إلى التغيير الذي حدث فوصفه بأنه جاء نتيجة ظروف إقليمية ودولية ملائمة، دون أن ننسى العامل المحلي ممثلا بثورة 17 تشرين 2019 التي وضعت ممارسات المنظومة الحاكمة في موقعه، باعتباره جريمة فساد وليس شطارة. وأكد أن تلك الثورة ناضلت من أجل إعادة الاعتبار للدستور والقوانين، وتمكنت من تخطى الانقسام الأهلي المخيِّم منذ عقود وقرون. وتوقف عند القمع الذي واجهته هذه الثورة من القوى الاهلية والنظامية التي أحرقت الخيم واطلقت شعاراتها المذهبية لجر الصراع إلى مسرح الحرب الاهلية. فالثنائي المذهبي حمى الطبقة الحاكمة، ولكنه عجز عن حماية صورتها أمام الرأي العام الدولي والإقليمي والمحلي، ما أفقدها ماء وجهها، بعدما شلت المؤسسات الدستورية والخدماتية على حد سواء، وعطلت انتخاب رئيس الجمهورية وسدت الطريق أمام قيام حكومة شرعية والتغيير لإدامة سلطة حكومة لا صلاحيات لها، فيما الحاكم والمفاوض الفعلي كان شخص واحد لا سلطة تنفيذية له، هو الرئيس نبيه بري، ومن ورائه حزب الله، بينما كانت ايران تدير اللعبة السياسية من خلالهما. وتطرق إلى النجاحات التي حققها قائد الجيش من خلال ايمانه بدور المؤسسة العسكرية ورفضه قمع الانتفاضة وكحامية لوحدة البلد، ومحافظة على الأمن والاستقرار، وإنفاق المساعدات التي وردت على تحسين ظروف وأوضاع المؤسسة العسكرية التي تعرضت لإجحاف كبير نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي. استحق قائد الجيش الدعم والتأييد عربيا ودوليا كمرشح لرئاسة الجمهورية، ما اضطر المنظومة على الرضوخ لهذا التأييد، ولذلك جاء خطاب القسم يحمل كل روح ونبض ثورة تشرين.
واعتبر سليمان، أن خطاباً من وزن خطاب القسم، كان لا بد وأن يستكمل بتكليف رئيس للحكومة من وزن وقامة الدكتور نواف سلام. وقال إن التحدي الماثل اليوم يتحدد بمجيء حكومة تشبه الرئيسين عون وسلام. وأكد أن المطلوب هو جرعة كافية من التغيير الذي يفتح الطريق أمام المزيد من التغيير. لذلك ننادي بحكومة مستقلة لا شبهة على أي من وزرائها. واذا استطعنا تحقيق ذلك، نكون قد بدأنا رحلة التغيير. وهو أمر ممكن إذ للمرة الأولى يجري تكوين السلطة في لبنان دون وجود سلطة سورية قادرة على فرض شروطها علينا. كذلك ما يساعد هو انكسار أذرع ايران على صعيد المنطقة، ما يمهد سبيل التغيير الذي يرنو إليه كل اللبنانيين وليس الرئيسان عون وسلام.
بدوره رأى الدكتور سامي نادر أن لبنان أمام فرصة يجب الإفادة منها كي لا تضيع كما ضاعت العديد من الفرص قبلاً. وقال: إن ما حدث في سوريا فتح نافذة أمل ليس أمام السوريين فقط، بل أمام اللبنانيين أيضا، لأن كل محاولة اصلاح في لبنان كان يرد عليها من جانب نظام دمشق بإقفال الحدود، وتعريض مصالح لبنان للحصار وللمقاطعة. وأشار إلى توافق القوى الإقليمية والدولية على فرض انتخاب رئيس للبلاد خلاف المرحلة التي عبرت واستمرت أكثر من 26 شهرا. بعد أن جرى اجهاض ثورة 17 تشرين التي اصطدمت بقوة السلاح وبالدولة العميقة التي تمسك بمفاصل البلد، باعتبارها دولة المحاصصة والفساد. ودعا إلى تكاثف جهود قوى التغيير الحية وطاقاتها من أجل الضغط لتغيير قواعد اللعبة التي حكمت لبنان على مدى عقود متلاحقة تحت شعار المحاصصة. وهو ضغط يستند إلى مواد الدستور التي تحول دون تحويل الوزارات وإدارات الدولة إلى محميات طائفية، لا يجوز المس بقدسية الممارسات التي تشهدها. وهو ما قاد في المحصلة إلى الانهيار الذي نحصد نتائجه الوخيمة.
وشدد نادر، على ضرورة العود إلى الحضن العربي وإلى المدى الدولي اللذين أكدا مرارا وتكرارا على ضرورة الإصلاح لإنقاذ الوضع، بينما أدارت سلطات المحاصصات الأذن الصماء، ولم تعبأ بكل الدعوات والتقارير التي نادت بضرورة الإصلاح الشامل مدخلا لإنقاذ البلد. ورأى أن التحدي الأساسي للعودة إلى التعافي يتمثل في تنفيذ وقف اطلاق النار بموجب القرار 1701 ، فالمؤكد أن إسرائيل لن تنسحب بسهولة من الجنوب اللبناني، إذ ستحاول متابعة الإمساك بالموقع اللبناني حتى حسم مصير الملف النووي الإيراني على الأقل. وهو ما يطرح العديد من الأسئلة من نوع: هل ستمنح اميركا إسرائيل الضوء الأخضر لحسم هذا الملف عسكريا، لذلك ستعمل على الحفاظ على أوراقها بما فيه مواقعها في جنوب لبنان. خصوصا وأن أهداف إسرائيل رغم ما كالته من ضربات موجعة لحزب الله لم تتحقق، وبالتالي لم تتمكن من إعادة المستوطنين إلى مستوطناتها الشمالية. وشدد على أهمية اصلاح القطاع المصرفي وإعادة أموال المودعين، لأن أحدا لن يقدم لنا قروضا أو مساعدات أو ثقة دون أن نصلح أوضاعنا في إدارة الدولة والسياسة والقضاء والاقتصاد والخدمات. وهناك العديد من الخطط الموضوعة للإصلاح. والاصطدام هنا سيكون مع أولئك الذين يحاولون تحميل العبء للمودعين دون سواهم من مصرفيين وسياسيين، ما يؤكد أن الدولة العميقة في السياسة والمصارف هي من ستتولى مواجهة الإصلاح. وختاما دعا إلى الحياد الإيجابي والابتعاد عن سياسة المحاور، مع ضرورة الالتزام بالقضايا المحقة وفي مقدمها القضية الفلسطينية.
وختاما أدلى عدد من الحضور بمداخلات وتساؤلات تمحورت حول التعويض على من دمرت بيوتهم في الجنوب وسبق وأن فقدوا مدخراتهم في المصارف، وأهمية العودة إلى الحياة السياسية الطبيعية بين موالاة ومعارضة، وضرورة تحديد رقم دقيق للودائع والخسائر وحجم الأموال المنهوبة، واستقلالية القضاء وقيامه بواجباته، وإيجاد قانون انتخابات عصري. وضرورة إعادة الاعتبار لأصول التوظيف في الإدارة العامة وهيكلتها. وكذلك رغم أهمية دعم الخارج إلا أنه لن يبني للبنانيين الدولة التي يريدون، وهو ما يتطلب طبقة سياسية بديلة عن طبقة منظومة الفساد الحاكمة، من هنا ضرورة احياء الحركة الشعبية لتثبيت حضورها في معادلة الإصلاح الحاسمة.
بيروت 30 كانون الثاني 2025 منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني
Leave a Comment