اختلط الحابل بالنابل في لبنان، انقلبت المعايير والانقسامات، انقلبت المحاور، صرنا نترحّم على 17 أيار في ظل حرية حركة إسرائيل والتفجيرات اليومية، بل صرنا في بلد يعيش وقاحات بجرعات كبيرة، في ظل وصايات مباشرة من القناصل، في أكثر من اتجاه، ومن أكثر من زاوية.
بعد حرب إسناد قاسية وفتاكة، و”بيجرات” مفخخة واغتيالات نوعية وغارات مكثفة دمّرت أجزاء واسعة من لبنان، وشردت مئات آلاف المواطنين، ولم تنته آثارها وتداعياتها بعد، ولم يدفن جميع ضحاياها، فإن السيد علي الخامنئي عيّن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، “وكيلًا عامًّا له في لبنان، خلفًا لوكيله السابق السيد حسن نصر الله”، الذي اغتالته اسرائيل قبل أشهر. لا يبدو أن ولي الفقيه مكترث للأحداث الأخيرة، والدمار والموت المجاني.
بمعنى آخر، ما زال جزء كبير من لبنان في ما سمي دائرة “الاستدخال الإيراني”، و”الإستدخال أسوأ من الإحتلال” على ما ذهب بعض الباحثين. ما زال الحزب يريد ثلاثية أو أسطوانة “جيش وشعب ومقاومة”، لم يتراجع مشروعه وإن عُطل سلاحه حالياً. بالتوازي، كانت قد بدأت تنتشر صُور مورغان أورتاغوس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، ونائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، وملكة جمال المراهقات والحمضيات وزهر الليمون، المعروف عنها تأييدها الواضح لإسرائيل ونتنياهو، والسعيدة بما آل اليه حزب الله في حربه الأخيرة، وعاشقة نجمة داوود في اكسسوراتها. وقالت أورتاغوس بعد لقائها رئيس الجمهورية جوزف عون في قصر بعبدا: “الزيارة الأولى لي خارج الولايات المتحدة هي للبنان وممتنة للرئيس عون والحكومة وهناك عدد كبير من الجالية اللبنانية في أميركا”.
ومن منبر بعبدا، وجهت أورتاغوس رسائل نارية على الطريقة الترامبية إلى حزب الله، معلنة ضرورة عدم مشاركته في الحكومة. لم تتفنن كما فعل رئيس السوري حافظ الأسد في زمانه حين أعلن أن “إن ما بين لبنان وسوريا لم نصنعه نحن إنما صنعه الله”، أو أن “لبنان وسوريا شعب واحد في دولتين”. بل بدت مورغان متحدثة بلغة ترامب، أكثر من الوصي حامل العصا، إن لم نقل المحتل. لم تقل إننا نريد تطبيق الـ1701، بل شدّدت على هزيمة “حزب الله” عسكرياً، “نحن ممتنون لحليفتنا اسرائيل على هزيمة حزب الله”. وحملت معها شروط الوصاية الجديدة أو الزمن الجديد: “وضعنا في الولايات المتحدة خطوطاً حمراء واضحة، تمنعهم من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركتهم في الحكومة. لقد بدأت نهاية عهد حزب الله في الترهيب في لبنان وحول العالم. لقد انتهى”.
تحدثت مورغان كما لو أنها في البيت الأبيض وليس القصر الجمهوري اللبناني، ما دفع مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية يوضح: “بعض ما صدر عن نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من بعبدا يعبّر عن وجهة نظرها والرئاسة غير معنيّة به”. أكثر من ذلك، شوهدت أورتاغوس وهي ترتدي خاتماً في هيئة نجمة داوود، وتصافح رئيس الجمهورية، وقد أثار وجود الخاتم في مثل هذا الاجتماع الدبلوماسي رفيع المستوى تكهنات حول ما إذا كان ذلك مقصوداً أم مجرد تصرف شخصي وذاتي.
“الصراع على لبنان”، الإيراني الأميركي، لم ينته بعد. يأتي بالتوازي أيضاً مع “الصراع في لبنان” و”مَن يحكم لبنان؟”. هناك عشرات التفسيرات للدستور، والميثاقية والعيش المشترك والمواطن الأصلي والمواطن التقليد. هناك عشرات المافيات التي تتحكم بالمصائر الحياتية والاجتماعية للبنانيين. رئيس يفرط الحكومة لأنه لم يستحوذ على كامل وزراء طائفته، وصاحب محطة تلفزيونية يشن حملة شعواء وضروس على وزير خلوق لأنه يبحث عن لقب “دولة الرئيس”، ويأتي ذلك على وقع التبخير له من بعض السياديين باعتباره صانع الحريات.
* نشرت على موقع المدن بتاريخ 7 شباط 2025
Leave a Comment