سياسة صحف وآراء

من وعود شيا العرقوبية إلى مقترحات أورتاغوس الافتراضية

*عارف العبد

طوال تاريخه الطويل، في الخضوع لتجارب الاحتلال والسيطرة والتحكم والوصاية، عرف لبنان الكثير من التجارب والمندوبين المنتدبين والأوصياء.

في القرن التاسع عشر، كان شكيب أفندي وواصا باشا والجنرال روز والليدي استير استنهوب وإبراهيم باشا ووالي عكا والجزار.. الخ

وفي القرن العشرين، جاء الجنرال الفرنسي غورو، والجنرال البريطاني سبيرز، وبعدها السفير المصري عبد الحميد غالب، صانع الرؤساء والملوك. ثم غازي كنعان بضحاياه الكثر وبدم بارد ومن دون حساب، وآموس هوكشتاين بعد ديفيد كيمحي، واليوم نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس. والتي تميزت حتى الآن بإطلالة جديدة مسلحة بابتسامة دائمة، مغلفة ومحاطة بمساحيق التجميل والتسريحات المتقنة، ولغة حادة وهجومية بعيدة في أحيان كثيرة عن اللغة الدبلوماسية، قريبة أكثر من لغة لعبة الجودو القتالية السياسية، المدموجة بالوقاحة و”الجقامة”، حسب التعابير العامية مصحوبة ومدمجة بمسحات من الغرور الضاحك.

قبل اورتاغوس النشيطة، كانت الإدارة الأميركية قد أوفدت إلى لبنان دوروثي كاميل شيا في منصب سفيرة لبلادها في هذا البلد.

الجدير ذكره، أن أورتاغوس كانت تعارض سياسة ترامب الخارجية بشدة وتنتقدها، لكنها عادت واتفقت معه، وأصبحت من ضمن فريق عمله، واقتنعت بأهدافه وأسلوبه، بعد أن عملت مع صهره جاريد كوشنر!

ولمن فاتته المعلومات، فإن أغلب السفراء، أو الموفدين الأميركيين، يرفّعون في مناصبهم بعد خبرتهم وعملهم في لبنان. وقد يكون لبنان نسبة إلى المدرسة الدبلوماسية الأميركية، أحد الصفوف أو المراحل، التي يتم الخضوع لدروسها وتجاربها، قبل نيل درجات وظيفية أعلى. فالدبلوماسي الأميركي، أيُّ دبلوماسي، المنتدب إلى لبنان، يكتسب خبرة واسعة في تجاربه المهمة في هذا البلد الصغير، لأكثر من سبب، وأبرزها، تعقيد أوضاعه، وحيوية الحركة السياسية فيه، واتصاله مع أزمات أخرى تتيح للدبلوماسي الأميركي التعلم والتدرب، والخضوع لدورات مكثفة من التجارب.. بسبب كثافة ودقة وتعقيد التجربة السياسية والدبلوماسية في لبنان. وعلى وجه الخصوص بسبب الاستعدادات العالية من نسب التملق والانبطاح و”الجلقان” من السياسيين اللبنانيين، في الوشاية و”تبييض الوجه”، مع السفير القادم، ونقل الأخبار والتقارير، طمعاً بالتقرب وكسب الود والنفوذ من السفراء والقناصل الأجانب.

هناك بيوتات سياسية عدة في لبنان، موصوفة ومعروفة بالمحسوبية على هذه الدولة أو تلك. وفي التدقيق في أصول وممتلكات زعامات سياسية متعددة في لبنان، يتبين أنها في الأصل وراثة أو نتيجة تركة أو هبة من دول كانت مسيطرة ونافذة وحاكمة في بلدنا.

أورتاغوس نفسها لم تخف حبها للبنان، الذي باتت تزوره مؤخراً بسبب تنوع أطعمته ومطبخه المميز، والمعاملة الخاصة التي تحاط بها وتلقاها!

السفيرة شيا، التي رقيت مباشرة بعد خدمتها في لبنان، وباتت مندوبة لبلادها في الأمم المتحدة، بعد عملها في ربوعنا، كما أغلب السفراء قبلها ومنهم السفير الشهير جيفري فيلتمان، وقبله ديفيد ساترفيلد.. وغيرهم.

السفيرة شيا، أتت إلى لبنان مزودة -كما تبين فيما بعد- بمهمة التصدي و”مناقرة” أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وتحطيم صورته ووهرته.

فكان كلما تحدث السيد نصرالله بأمر، تتولى السفيرة شيا الرد عليه في اليوم نفسه أو في اليوم الثاني.

ذروة وقمة التصدي للسيد نصرالله ومواجهته، كانت في تلك المبادرة والوعود العرقوبية الفريدة، التي أطلقتها بوم أعلن السيد نصرالله عن انطلاق بواخر الفيول الإيراني نحو لبنان.

حينها، سارعت السفيرة شيا لإحباط المبادرة والمناورة الإيرانية، على لسان نصرالله يومها، بالاتصال برئيس جمهورية لبنان يومها العماد المفدى ميشال عون، لإبلاغه أن أميركا ستأتي بالكهرباء والفيول إلى لبنان، لا إيران. وقالت الرئاسة اللبنانية، في بيان شهير وسريع يومها، إن الرئيس ميشال عون تلقّى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، أبلغت إليه فيه قراراً من الإدارة الأميركية يقضي بـ”متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا”.

وقال البيان يومها، أن استجرار الطاقة الكهربائية، “سيتم عبر توفير كميات من الغاز المصري للأردن، تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء، لوضعها في الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا”.

وجاء في البيان أنه “سيتمّ أيضاً تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمالي لبنان”.

وحسب البيان، أشارت السفيرة شيا آنذاك إلى أن “الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها، والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”.

هذا التدخل الأميركي السريع والمضحك والمثير للعجب، تم في 19 أب 2021.

نحن اليوم في على مشارف حزيران 2025، ولبنان الذي صدم من تلك المبادرة الأميركية السباقة، على لسان السفيرة شيا يومها، لم يذق لا طعم الكهرباء أو الغاز المصري. ولا تزال عروق الأنابيب الموصلة للغاز المصري ناشفة وجافة وخطوط الكهرباء الأردنية “مفحمة”، وخالية من أية شرارة كهربائية.

الجديد في التطورات والوعود الأميركية تجاه لبنان، هو ما صدر عن الموفدة الجديدة مورغان اورتاغوس، التي أعلنت قبل أيام من منتدى الدوحة خلال الحديث عن لبنان قائلة بطلاقة: بالمناسبة “صندوق النقد الدولي” ليس الخيار الوحيد. لديّ خطة كبيرة ورؤية قد تمكّن لبنان من الاستغناء عن صندوق النقد ربما، إذا تمكنا من تحويله إلى بلد استثمارات. يمكننا استعمال أموال المستثمرين هنا، وتجنيبه المزيد من الديون”.

أورتاغوس تتحدث عن الموضوع بصيغة المتكلم الفرد، “لدي” وليس لدينا…

ما هي مقترحات اورتاغوس التي ستدفع لبنان للاستغناء عن الاتفاقات مع صندوق النقد؟ أمر لم تظهر معالمه بعد، وإن كانت معالم افتراضية لا أكثر ولا أقل.

وقمح راح تاكلي يا حنة…!

* نشرت على موقع المدن بتاريخ 23 أيار2025