صحف وآراء مجتمع

من تراب الجنوب إلى شمس بعلبك بين القلب والسياسة

 زينب مروة

بعلبك 7 أيار 2025 ـ بيروت الحرية

أنا بنت الجنوب، من أرض الخُضرة والدم، من جرح جباع الحلاوة وريح المقاومة، من بلدةٍ لا تزال تحفظ في حجارتها أسرار الراحلين وبكاء الأمهات. تربّيتُ على أن الوطن ليس حدودًا، بل كرامة. وأن النضال ليس لحظة، بل حياة كاملة.

كبرتُ في بيت يُشبه الحقول، واسعٌ بالأمل، ومليءٌ بقسوة القدر، وهناك بين ثنايا الجنوب، بدأت مسيرتي. كنتُ الطالبة التي ترفع صوتها في الصف، والصبية التي لا تهاب الوقوف في وجه العادات، والمرأة التي قرّرت أن تكون فاعلة، لا تابعًا، ناضلت نسويًا وسياسيًا، ليس من أجل الكوتا، بل من أجل العدالة. لكن القدر اختار لي أن أحبّ وأن أتزوّج بعلبك.

بعلبك لم تكن مجرد مدينة في البقاع، بل محطّة تحولٍ في عمري، دخلتها عروسًا، وخرجت منها امرأة بعمق الجبال وقوة القلعة. بعلبك منحتني أمومة جديدة، أمومة المكان. عرفت فيها الناس الطيبين، الشرفاء، الصامدين رغم الفقر والتهميش، وعرفت فيها قساوة النظام، وظلم السلطة، واستهلاك الكرامة باسم الخوف. عملتُ في الشأن العام كأنثى في مدينة يحاولون حبسها في صورٍ مسبقة، كافحت لأكون صوت النساء اللواتي لا صوت لهن، وجزءًا من حراك نسوي حقيقي، يؤمن أنّ التغيير لا يمرّ إلا من رحم المشاركة.

واليوم، الانتخابات البلدية ليست ككل مرّة، ليست استحقاقًا عابرًا، هذه المرة، شعرتُ أنّ معركتي شخصيّة. شعرتُ أن المدينة تُنادي، أن الوجع صار أكثر حدة، وأن “النَفَس” صار أقصر. شعرتُ أن بعلبك التي احتضنتني امرأةً وزوجةً ورفيقة درب، تُختَزَل اليوم بشعارات بالية، تُختطف بيد من لا يرى فيها سوى صندوق انتخاب، لا روحًا تنبض أو كرامة تُنتهك.

أنا اليوم، أدعم لائحة #بعلبك_مدينتي لا لأنني أبحث عن منصب أو منصة، بل لأنني أبحث عن معنى، أدعمها لأن فيها من يشبهني، امرأتان لا تتوسّلان تمثيلًا، بل تحملان مشروعًا وجرأة وأملاً.

لأن فيها نساءً يعرفن أن النضال لا يُنجَز من الظل، بل من الضوء، لأن فيها رجالًا لا يهابون الشراكة، بل يرحّبون بها.

هذه اللائحة ليست مجرد فريق انتخابي، إنها نبضُ شارعٍ تعب، لكنها لم يستقل عن حلمه. إنها وجهُ بعلبك الذي أؤمن به، لا وجهها المُصادَر برايات التبعية وخطب التخوين.

أقف اليوم هنا، بين الجنوب الذي أنجبني، وبعلبك التي احتضنتني، وأقول لا كرامة لوطنٍ يُسكت النساء، ولا نهضة لمدينةٍ تُدفن في قبور الولاء الأعمى. هذه اللائحة ليست مجرد فريق انتخابي، إنها صوت المدينة حين تتعب، لكنها لا تستسلم، إنها تشبه بعلبك التي عرفتها وعايشتها، أصيلة، صلبة، وتبحث عن حقّها لا منّة من أحد. أدعم لائحة #بعلبك مدينتي لأنها تشبه الحقيقة التي أومن بها، لأنها تضم امرأتين اخترقتا جدار الصمت، وتقدّمتا من موقع الشراكة لا الزينة، لأنها لائحة تُعيد للناس حقّ الحلم، وللمدينة حقّها بالكرامة.

أنا زينب مروة، لا أطلب سوى أن تُفتح نوافذ المدينة على أمل جديد، وأن تُصغِي بعلبك هذه المرّة لصوتها، لا لصوت الخوف.