من خلال تدخّلات المرصد لتقديم الدعم القانوني أو الاجتماعي اللازم للحالات التي تواجه هذه التهديدات، تبيّن وبشكلٍ واضح مدى قصور القوانين في حماية الحقّ في السكن اللائق في لبنان. فقد أظهرت هذه التدخلات، خصوصاً القانونيّة منها، محدودية الإطار القانوني المتاح، بالأخصّ فيما يتعلّق بقانون الإيجارات اللبناني، في رعاية وحماية وتعزيز الحقّ في السكن في لبنان. في هذا الإطار، يبدو واضحاً بأن القانون لا يؤمن الاستدامة الكافية في السكن، إذ أنّه يضمن استمرارية الإجارة للمستأجر فقط لأول ثلاث سنوات متتالية من تاريخ إبرام العقد، وهي مدّة غير كافية بتاتاً لتأمين الاستقرار والأمن السكنيّ للأفراد أو الأسر، ويؤكّد كذلك تحيّز القانون الواضح في تشجيع الاستثمار العقاري بدل السكن المستدام، حيث يضبط القيمة التأجيرية والحق في استخدام المأجور لمدة ثلاث سنوات فقط. فبعد انقضاء هذه المدّة، يحقّ للمؤجر رفع قيمة بدل الإيجار دون وجود أي سقف لذلك ودون الاعتماد على أي نوع من المعايير المتعلّقة بمستويات الدخل أو نسبة التضخّم السنويّة أو غيرها من المعايير.
من جهةٍ أخرى، يفرض القانون على المؤجّر ألا يتعرّض للمستأجر بشكل يحرمه من الانتفاع من المأجور، وأن يضمن عدم تعرّض الغير له خلال هذه الفترة. لكنّه في الحقيقة لا يؤمّن الحماية الفعليّة ضد ممارسات المؤجّر التعسفيّة التي لا تشكلّ جرم يعاقب عليه القانون. فلا رادع أمام المؤجّر في قيامه بممارسات تعسفيّة ضدّ المستأجر أو مضايقته حيث لن يتمكّن المستأجر في الكثير من الحالات تقديم شكوى للدفاع عن حقوقه.
فيما خصّ الإخلاء، فعلياً لا رقابة حقيقيّة على عمليات الإخلاء في لبنان، وبالرغم من تشديد اللجنة الدولية المكلّفة رصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها على التقارير الخاصة بالحقّ في السكن التي أرسلتها الدولة اللبنانية عامي 1993 و2015، لوضع آلية واضحة يجدر اتّباعها في عمليات الإخلاء والالتزام بالشروط التي وضعتها هذه اللجنة في تعليقها العام رقم 7 المتعلّق بالإخلاء، فقد تقاعست الدولة اللبنانية عن الالتزام بهذه التوصيات، وما زالت أغلب عمليات الإخلاء تتمّ بطرق غير قانونيّة وتعسفيّة. كما لا يتوّفر أمام المستأجر أيّ آلية قانونيّة أو مرجع قانونيّ أو قضائي يلجأ إليه لضمان حقّه والمطالبة بتعويضات أو استعادة المأجور، بحال الإخلاء القسري.
وفي حين أنّ القانون الدولي قد شدّد على ضرورة ألا تُسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان، وحمّل الدولة المسؤولية لاتخاذ كل التدابير المناسبة وبأقصى ما هو متاح لها من موارد، لضمان توفير مسكن بديل ملائم لهم، في حال عجز المتضرّرون عن تلبية احتياجاتهم بأنفسهم، تغيب في لبنان الحماية الحقيقية للحقّ في السكن حيث يُسمح بتشريد السكان الأكثر تهميشاً، دون توفّر خطّة للتعامل مع ظاهرة التشرّد، والتي من المتوقّع أن تتفاقم في ظلّ الأزمة الحالية. أمّا التدبير الوحيد الذي تعتمده السلطات المحليّة في هذا الصدد هو عدم السماح للمواطنات\ين بالاستفادة من الأماكن العامة من خلال الطرد المستمر للأفراد اللواتي والذين يلجؤون إلى المجال العام، لإخفاء مظاهر التشرّد ونفي وجود المشكلة، بدلاً من إيجاد حلول جدية ومستدامة لها، وبدائل سكنية لمن يُجبرن\ون عليها.
بذا، تبرز اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، أولويّة تعزيز الحق في السكن وضرورة وضع خطة طارئة ضمن سياسة شاملة لإحقاق الحقّ في السكن؛ خطة تأخذ بعين الاعتبار شرائح المجتمع كافةً من عائلاتٍ، وعمّال، ومسنّين، ونساء، وأشخاصٍ معوّقين، وطلابٍ ولاجئات\ين وغيرهم.
وبما أنّ “توفير المسكن للمواطن هدف ذو قيمة دستورية، ينبغي على السلطتين الاشتراعية والإجرائية رسم السياسات ووضع القوانين الآيلة إلى تحقيقه” – كما صرّح المجلس الدستوري اللبناني في أحد قراراته الصادرة عام 2014، بعد إقراره أنّ الحق في السكن “هو من الحقوق الدستوريّة الأساسيّة استناداً إلى الشرعات الدولية” – نرى ضرورة العمل على إصدار قانون شامل للحق في السكن، تكون مكوّناته:
توفير وإنتاج سكن لائق للفئات الهشة، وذلك استناداً لقانون الإسكان ٥٨/١٩٦٥ وقانون البلديات ١١٨/١٩٧٧.
سياسة ضريبية تضبط المضاربات العقارية وتحافظ على القيمة الإجتماعية للأرض من خلال منع تضخّم أسعارها وتساهم في الحفاظ على مخزون من الشقق الميسّرة وفي الحدّ من الشغور.
دور فاعل للدولة في تنظيم الإيجار السكني بوسائل تشمل فرض ضوابط مرنة علـى رفـع أسعار الإيجار وتقييد عمليات الإخلاء بما يتّسق مع التزاماتها الدولية في مجال الحق في السكن
أُطُر تشريعية ومؤسسية داعمة لمختلف أشكال الحيازة وترتيباتها، كالحيازة الجماعية والإسكان التعاوني، والتي من شأنها تأمين السكن الميسّر لذوي الدخل المنخفض.
برامج ومشاريع تهدف لتوطيد السكن في المناطق غير الرسمية، وحمايته، والبحث عن حلول موضعيّة لتحسين ظروفه.
تعزيز إنشاء لجان سكان محلية، وتوسيع أدوارها لتشمل العمل من أجل الحقوق السكنية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لتنشط على مستوى الأحياء والقرى والمناطق، وتكون رافعة لاهتمامات الناس ومطالبهم.
فيبقى الدعم المحلي والخارجيّ ضرورةً للعمل نحو إصدار هذا القانون واعتماد هذا التوجّه والدفع نحوه.
* من التقرير السنوي المرفوع إلى الأمم المتحدة الذي اعده مرصد السكن في لبنان/ القسم الرابع والاخير.
* يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.
بلّغ/ي عن انتهاك حقك بالسكن الآمن واللائق والمستدام عبر على الرقم 81017023، أو عبر البريد الالكتروني: [email protected].
Leave a Comment