بيروت ـ الحرية / 19 كانون الثاني 2024
صدر للدكتور منذر محمود جابر كتاب ” مؤتمر وادي الحجير وآثاره ( 24نيسان 1920 )” عن دار A.antoine في 226 صفحة من القطع الوسط. والكتاب بالأصل هو رسالة من الطالب في كلية التربية بالجامعة اللبنانية – قسم التاريخ منذر جابر لنيل شهادة الكفاءة في العام 1972 -1973، بإشراف الدكتور هشام نشابه، ونال عليها أعلى الدرجات التي تمنحها الكلية. لكن الموضوع يبدأ من هنا، أي من هذه الطبعة التي تحمل اسم مؤلفها أي الدكتور منذر محمود جابر. ومثل هذا الكلام يثير سؤالاً جوهريا هو التالي: وهل هناك كتاب آخر يحمل اسم المؤلف نفسه والعنوان ذاته وربما المضمون ذاته ولكن الناشر يختلف؟
وهنا اليكم الجواب الذي يثبته المؤلف في تقديمه للعمل قبل الشروع في نشر النص الاصلي للكتاب – الرسالة كما وردت بالأصل، مستهلاً بالفصل الأول الذي تناول فيه “الحالة السياسية في جبل عامل خلال العهدين التركي والفرنسي”. ولنتابع القصة كما يرويها المؤلف.
قبل أشهر طويلة كما يروي د. جابر اتصل الشيخ جعفر المهاجر به ” مقدما نفسه بلقبه العزيز على قلبه وقلمه ولسانه ” الشيخ الدكتور”، مضيفاً إليه وصايته أو ولايته أو ملكيته لـ “مركز بهاء الدين العاملي “، المركز الذي حمل على عاتقه، كما أخبر الشيخ الدكتور نشر التراث الشيعي حصراً”. وكان موضوع الاتصال السؤال اذا ما كان يمكن للشيخ أن ينشر رسالة مؤتمر وادي الحجير فكان القبول من المؤلف مباشرة، على أن يكتب مقدمة جديدة يتناول فيها موقفه المستجد تحليلاً لأعمال المؤتمر. ووافق الشيخ ملتمساً السرعة في إنجاز المقدمة. من هنا تبدأ الاحداث الفعلية، ويضيف جابر: بعد مدة اتصلت بالشيخ لتجهيز الرسالة وتحريرها نهائياً قبل الطبع، فأعلمني أن الطبع انتهى، والنسخ الآن في طريقها إلى السوق “وقد سقط أمر المقدمة الجديدة من ذهني أبداً”. هنا يستعيد المؤلف تجربة سابقة مُرة مع “الشيخ الدكتور” نفسه، عندما أبدى يومها استعداده لنشر ما أنجزناه (أنا وعلي مزرعاني) بعد سنوات ثلاثة من العمل الدؤوب من تقديم وفهرسة وتحقيق لجريدة جبل عامل وجاء في حدود 700 صفحة، وكي لا نطيل الكلام حاول الناشر المهاجر أن يكاسر لوضع اسمه شريكاً مضارباً في اعمال التحقيق والفهرسة التي ادعى أنه أنجزها متكرماً ومرسلاً مقدمة طالبا مني الاطلاع و”إبداء الرأي”. وهو ما فشل فيه الشيخ باعتباره يتضمن مصادرة تعبنا وتنفيذ سطوه، حيث سارعنا أنا وعلي إلى تحصيل رقم الإيداع في وزارة الثقافة ونشرنا العمل الكترونياً في دار النشر “نيل وفرات”. أدى ذلك إلى علاقات متوترة متبادلة، ما دفعه إلى احتجاز مطبوعة وادي الحجير عن مطال يد د. منذر جابر، ومعها باءت بداية كل محاولات الحصول على نسخة بالفشل. لكن بعد جهد جهيد أمكن الحصول على النسخة “اليتيمة” تسريباً، وهو ما وجد معه “الطامة الكبرى والداهية التي تفوق ما سواها ” على حد قول جابر ، فالكتاب في صفحته الداخلية الأولى يحمل التعريف التالي: الكتاب: مؤتمر الحجير وآثاره. المؤلف: د. منذر محمود جابر. إعداد: مركز بها الدين العاملي ( مبدع). وعليه بات دور المركز في عرف الشيخ اعداد الكتب وليس نشراً لها أو إصداراً، “ولا أعرف معنى لكلمة إعداد يحيد عن التهيئة والتأسيس والأعمال التمهيدية. وهذه المهمات مضافة إلى ادعاء الشيخ مراجعته للرسالة، ماثلتني بالصيدلي الذي يؤجر شهادته ورخصة ممارسته لمهنة الصيدلة لمستثمرين آخرين لحسابهم الخاص”.
ووجد جابر أن الشيخ المهاجر رمى الكتاب بالشرور كلها دفعة واحدة، وأولها تنصيب الشيخ المهاجر نفسه مراجعا للكتاب كما يعلن على صفحة غلافه، دون تكليف مني أو اخبار أو اعلام. واحتلال الشيخ صفحة قفا غلاف الكتاب واستحلالها معرضا لصورته ومؤلفاته، وكأن ليس للمؤلف صورة أو مؤلفات جديرة بالعرض. وتطييره مصادر الدراسة ومراجعها من كتب منشورة ودوريات شهرية وصحف يومية، علما أنه من الشروط الأولى في المنشورات التاريخية وجود مكتبة البحث معروضة مستقلة في آخر صفحاتها. و الرابعة حذف الشيخ السير الشخصية لبعض المشاركين في مؤتمر وادي الحجير، وهذه كانت مطلباً أساسيا من قبل أستاذي المشرف على العمل. أما الخامسة فهي طرح وأسقاط ما يريد الشيخ من عناوين الدراسة التي اختصرها فهرست محتوياتها من 74عنواناً إلى 33 عنواناً، ما يصعِّب ويحجب سهولة التفتيش عن جزئية في مضمون الكتاب. وفي السادسة يسقط الشيخ المهاجر كلمة شكر كنت قد تقدمت بها من أعلام أربعة رحم الله ثلاثة من بينهم، المرحوم النائب السيد جعفر شرف الدين، والمرحوم المؤرخ السيد حسن الأمين والمرحوم الأستاذ محمد علي مكي، وأمد الله بعمر رابعهم المشرف على الرسالة الدكتور هشام نشابة. وتتعلق السابعة بحذفه الإهداء في مستهل الرسالة:
إلى أمي، إلى أبي
إلى كل ذوي العيون الطيبة في جبل عامل
ممن راقصوا ويراقصون شتلة التبغ.
وهذا الإهداء لم يكن هذيانا أو فولكلورياً فنحن شباب الجنوب من سنة الاستقلال كنا في حمى اثنين من الدفاعات هما شتلة التبغ وصدور الاهل. يختم د. منذر بالقول: كنت أود أن أستر للشيخ د. جعفر المهاجر عورات ما زعم أنها مراجعة للكتاب / الرسالة، وفيها من انتحال الصفة، ومن احتلال “أملاك الآخرين” واستحلالها ومن الاخلال بالدراسات الاكاديمية ومن الاعتداء على الحرية الشخصية ولكن…
والكلام عن “الفتوحات” التي تولاها الشيخ الدكتور المهاجر لا تتطلب صفحات وصفحات، باعتبار أن الدكتور جابر كفّى ووفّى الرجل ما يستحق عندما طارد كل إشارة، وتتبع كل تغيير، في كلمة وتعبير، وأظهر الضحالة الواضحة تاريخياً ودلالياً ولغوياً وقواعدياً من المنتحل أو المتدخل محاولاً الدخول في نسيج النص، ونسبة بعض ما فيه له، كي يتسنى حشر نفسه ونسبة مشاركته بالعمل، وبالتالي وضع اسمه مع المؤلف على غلاف الكتاب.
ودون المزيد من الإضافات على ما اختصرناه وكثفناه تنبع أهمية الدراسة من المقدمة التي وضعها جابر لدراسة كان قد كتبها قبل خمسين عاماً. وخلال نصف القرن هذا تطورت أفكاره ووعيه السياسي والفكري والتاريخي للمؤتمر وأحوال الجنوب في ماضيها وحاضرها، ما استوجب الإشارة إلى تعميقه العديد من الاحكام التي وردت في النص الأصلي للرسالة، ودون أن يمس به. والواضح من المقارنة أنه بات أكثر رحابة وتفهماً وتقييماً دقيقاً في قراءة واستقراء مواقف القوى السياسية اقطاعية ومرجعيات روحية عما كانت عليه في مرحلة السبعينيات، عندما كانت مراجل البلاد تغلي بالتغيير والثورة كما هو معروف، ومن بوابة الجنوب المفتوحة على الكفاح المسلح وتشريع الجبهات أمام العمل الفدائي الفلسطيني واليسار اللبناني على حد سواء. ثم إن العديد من المخطوطات التي نشرت والدراسات التي صدرت عنه وعن زملائه وتجربته في التدريس، هذه جميعاً فتحت آفاقاً أوسع للنظر إلى تلك الاحداث، ولا سيما التي تتعلق بالصراع الجنوبي – الجنوبي تحت مظلة الاحتلال الفرنسي الذي اتخذ طابعه الطائفي العاري(حادثة عين ابل نموذجاً) دون أن تختفي خلفياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن البنية اللبنانية. رغم أنه أشار إليه بوضوح في النسخة الأساسية لعمله.
يمكن مقاربة الرسالة لجهة التماسك المنهجي الذي تعتمده تطبيقاً مع الشروط الاكاديمية التي كانت مطلوبة ومفروضة في حينه من أساتذة كلية التربية ومن سائر أساتذة مختلف كليات وأقسام الجامعة اللبنانية، وهو ما وضع هذه الكلية والجامعة عموماً في مقدمة مؤسسات التعليم العالي. وحافظت عليه عقوداً قبل أن تقتحم أسوارها الطوائف ورموزها، واندفعت للهيمنة مع كل رثاثتها إلى داخلها مما نراه في مختلف المراحل والمستويات. ومع أن هذه المناهج البحثية تبدو كلاسيكية، إلا أنها تظل حاسمة في ضبط التوجه والحفاظ على المستوى العلمي والاكاديمي للطلاب وللأساتذة قبلهم. وهنا يمكن أن نؤشر إلى انطلاق الدراسة – الرسالة من مقدمة سياسية عامة تتناول العهدين التركي والفرنسي معطوفة على الحالتين الاجتماعية والاقتصادية وموقف جبل عامل من الحكم التركي، والثورة العربية والحالة السياسية في جبل عامل أثناء الاحتلال الفرنسي، والعصابات في جبل عامل بشقيها الوطنية (الشيعية) المناهضة للاحتلال، والمسيحية الموالية لفرنسا. وفي الفصل الثاني حول أسباب انعقاد مؤتمر الحجير وظروفه بما يتناول الاوضاع السياسية وتأييد المسيحيين المكثف لفرنسا والتحركات الفرنسية ومواقف الملك فيصل وأثره، والفوضى السياسية والعسكرية عند بعض العصابات والموقف الشعبي عشية المؤتمر. ويتطرق الفصل الثالث إلى أسباب انعقاد المؤتمر في وادي الحجير وليس في أي مكان آخر، والمشاركون في وقائعه وصفة كل منهم وتفاصيل ومجريات طروحاته، وإرساله وفداً إلى الشام ومقرراته المتعلقة بالوضع السياسي لجبل عامل والوضع الداخلي. ويتعرض الفصل الرابع لنتائج المؤتمر والأوضاع العامة في جبل عامل من باب النتائج المباشرة بما هي حادثة عين ابل وأسبابها وموقف العصابات الوطنية من أهل عين ابل ولماذا تركز الهجوم عليها ونتائجه، ويتوقف عند نجاح الخطة الفرنسية وما تلاها من أعمال وقمع الحملة الفرنسية والغرامة الحربية التي فرضت على الأهالي، وكيف انتهت الأوضاع في جبل عامل بعد مؤتمر الحجير سياسياً واقتصادياً، وما واكبها من رفع مقدار الضرائب وتدهور أحوال الزراعة وتراجع قيمة النقد الورقي السوري والاوضاع الاجتماعية، وسيطرة المتنفذين على مقاليد الأمور والنضال الفلاحي والهجرة مع خلاصة وتقويم . وأخيراً ملحق تفصيلي بشخصيات المؤتمر من رجال الدين والأدباء ورجال العصابات والأعلام، وأخيراً المصادر والمراجع وفهرسي الأعلام والأمكنة.
Leave a Comment