سياسة صحف وآراء

مستقبل الصراع الإيراني-الأميركي بعد فوز ترامب: هل نرى تصعيداً مفتوحاً؟

  د. خالد الحاج *

مع عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم، يبدو أننا أمام فصل جديد من التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، بخاصة بين الولايات المتحدة وإيران. مع التوقعات بعودة نهج “الضغط الأقصى”، ومعه قد يتم تجديد العقوبات الاقتصادية على إيران، لاسيما في مجالات مثل الطيران المدني والقطاع المالي، إلى جانب اتهامات ترامب لطهران بمحاولة اغتياله.

خلال ولايته السابقة، اعتمد ترامب على سياسة “الضغط الأقصى” لشل الاقتصاد الإيراني ودفعها إلى تقديم تنازلات في برنامجها النووي، وصولاً إلى التخلي عنه تماماً. ورغم ما سببه هذا النهج من تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني، إلا أنه لم يحقق النتائج المرجوة في إضعاف النظام. بل على العكس، اتجهت إيران نحو تعزيز علاقاتها مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا، ووسّعت نفوذها في دول المنطقة عبر دعم حلفائها. ومن المتوقع أن تعود إدارة ترامب إلى هذا النهج، لكن السؤال المطروح يبقى: هل سيؤدي ذلك إلى تحقيق نتائج ملموسة أم إلى تصعيد الصراع دون الوصول إلى حل؟

مع اقتراب موعد تسلم ترامب السلطة في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، ومع ضرورة تشكيل إدارته، يُثار تساؤل بشأن إمكانية أن تسهم الفترة الانتقالية في تهدئة مؤقتة. إلا أن هذه الفكرة تبدو بعيدة عن الواقع؛ فإسرائيل، التي ترى نفسها في مواجهة تهديدات وجودية متصاعدة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، لن تتوقف عن ضرباتها العسكرية ضد مواقع إيران وحلفائها في لبنان وسوريا. فالحرب بالنسبة لإسرائيل هي حرب وجودية، وليست مرتبطة بموعد نقل السلطة في الولايات المتحدة. وهنا يُطرح التساؤل: هل سيتوقف “حزب الله” عن تهديد إسرائيل بعد شهرين؟ ماذا لو استمر في إطلاق صواريخ على تل أبيب وما بعدها؟ الأرجح أن إسرائيل ستستمر في حملاتها العسكرية، بغض النظر عن أي تغييرات في القيادة الأميركية.

بعكس توقعات البعض بالتهدئة، يشير الواقع إلى أن التصعيد قد يستمر ويتّسع. مع عودة ترامب، قد يُتوقع تصعيد عسكري متبادل في المنطقة. وكان ترامب قد طلب سابقاً من نتنياهو شن هجمات ضد المشروع النووي الإيراني، واليوم، مع تعيين وزير دفاع إسرائيلي بتوجهات متشددة، تتزايد احتمالات الهجمات على المنشآت الإيرانية، ما يفتح الباب أمام صراع أوسع يشمل أطرافاً متعددة. قد يتحول النزاع من “حرب باردة” إلى حرب مفتوحة تشمل عمليات واسعة ومواجهات أكبر، في ظل مساعي ترامب لدعم “السلام الدائم”، والذي يهدف إلى حماية المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.

بالتالي، يبدو أن ترامب وإسرائيل يسعيان لاستمرار الحرب حتى الوصول إلى هدف أساسي وهو “إزالة التهديدات الوجودية” لإسرائيل.

لبنان، بوصفه طرفاً متأثراً بشكل مباشر بأي تصعيد بين إيران وإسرائيل، قد يجد نفسه في عين الصراع دون قدرة كافية على التحكم بالأحداث. ففي ظل تزايد التوترات، وتفاقم الصراعات الطائفية الداخلية، وانعدام الاستقرار السياسي، يبدو لبنان معرضاً بشكل خاص لأن يكون في مركز التصعيد، في وقت تتصاعد المخاطر العسكرية والاقتصادية.

يتضح أن السياسة الأميركية حيال إيران والمنطقة، في ظل إدارة ترامب، ستظل تتبع مبدأ “أميركا أولاً”، بغض النظر عن استقرار المنطقة. فعلى الرغم من شعارات إنهاء الحروب، يظل الهدف الرئيسي هو توسيع النفوذ الأميركي والحفاظ على الهيمنة الاستراتيجية. ترامب هو الرئيس الوحيد الذي أقدم على اغتيال مسؤول إيراني رفيع مثل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، في عملية أثارت مخاوف إسرائيل من رد إيراني شامل، ما دفع نتنياهو إلى التردد في المشاركة.

في المحصلة، يبدو أن الحديث عن تهدئة في المرحلة المقبلة هو طموح بعيد عن الواقع، وأن الحرب الشاملة هي سيناريو أكثر ترجيحاً، إلا إذا اختارت إيران الاستمرار في استراتيجية امتصاص الصدمات وتجنب التصعيد المباشر.

(*) دكتوراه في التاريخ متخصص في الشؤون الإيرانية

 (*) نشرت  في جريدة النهار بتاريخ 7 تشرين الثاني 2024

Leave a Comment