قاسم قصير*
لم انتمِ إلى منظمة العمل الشيوعي، ولم أشارك في حلقاتها الحزبية والتنظيمية، لكنني تعرفت عليها منذ بداية وعيي السياسي والفكري، وكان عمري حوالي الخمسة عشر سنة خلال بداية الحرب الأهلية. وكان من أوائل الكتب التي قرأتها، كتاب عن تعذيب الشيوعيين في مصر أيام حكم الرئيس جمال عبد الناصر وكان بعنوان: دماء على رمال الصحراء، على ما اتذكر، وكان غلافه أحمر اللون وعليه بصمات أثار أقدام بشرية في رمال الصحراء، وقد أهدتني إياه رفيقة من المنظمة كانت تقيم في منطقة وطى المصيطبة في بيروت قرب منزل أهلي .
وأما الشخصية الأخرى التي أتذكرها من قياديي المنظمة فهو الرفيق زاهي دهيني، والذي إستشهد خلال معركة الدامور، وكان من بلدة طورا القريبة من بلدتي ديرقانون النهر في قضاء صور. وكان من الشخصيات المؤثرة في قريته ويتمتع بسمعة طيبة.
ثم بدأت التعرف على كوادر وعناصر المنظمة، إما في كلية الاعلام في الجامعة أو عبر جريدة “السفير” أو من خلال العلاقات الشخصية. وكان نجم الأمين العام للمنظمة محسن إبراهيم بدأ يسطع من خلال موقعه في أمانة سر الحركة الوطنية إلى جانب بقية القيادات اليسارية والوطنية والقومية. وأنا كنت بعد ذلك أقترب من التيار الإسلامي من خلال إنتسابي للاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين وحزب الدعوة الاسلامية. كما شهدت إنتصار الثورة الاسلامية في ايران والتعاطف اليساري والشيوعي معها.
ولكن للأسف شهدنا في تلك المرحلة بدء الصراع بين حركة أمل والقوى الشيوعية والفلسطينية في قرى الجنوب مما أنعكس سلبا على كل الجنوب، وكانت مبادرة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي بقيادة أمينه العام الاستاذ حبيب صادق لعقد ندوة حوارية جمعت رئيس حركة أمل نبيه بري مع الأستاذ محسن ابراهيم في اوائل العام 1982 في كلية الحقوق بهدف تخفيف التوترات والتوافق على رؤية سياسية موحدة. وقد شاركت في تلك الندوة واستمعت إلى المداخلة الهامة للرفيق محسن حول كيفية معالجة الازمة.
واللقاء الاخر الذي شاركت فيه وحضرته ندوة خاصة للرفيق محسن في قاعة جمال عبد الناصر والتي قدّم فيها قراءة نقدية لتجربة الحرب والعلاقة بين القوى الوطنية والمنظمات الفلسطينية وكيفية الخروج من المأزق، وكانت مداخلة نقدية وهامة وجريئة.
لكن الأحداث فاجأت الجميع من خلال الإجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وكان القرار الهام بالمقاومة وتشكيل جبهة المقاومة الوطنية والبيان الشهير الذي اصدره محسن ابراهيم وجورج حاوي .
وطبعاً واكبنا تلك المرحلة في مواجهة الاحتلال من خلال مشاركة كل القوى الوطنية والاسلامية، وكنت ازداد معرفة بعناصر وكوادر المنظمة واصبح لدي العديد من الاصدقاء والصديقات بينهم، وكانوا يتميزون بالمستوى الثقافي والفكري الممّيز والقدرة على الحوار والنقاش والانفتاح على الاخر. ولا يمكن إيراد اسماء كل من تعرفت عليهم من اعلاميين ومثقفين وناشطين وشعراء وأدباء ومفكرين من الذين تخرجوا من منظمة العمل الشيوعي، وطبعاً معظمهم كان متأثراً بشكل أو بآخر بالعقل النقدي لمحسن ابراهيم.
وكنت خلال تلك السنوات ألتقي بالرفيق محسن في مناسبات إجتماعية، أو لقاءات عامة وكنت أرغب في أن اتعرف عليه عن قرب وعقد لقاء سياسي وحواري معه، لكنه كان يتهرب مني دوماً.
لكن ظروف العمل في جريدة المستقبل برفقة الصديق العزيز المرحوم نصير الاسعد، أتاحت لي التعرف ولو بشكل غير مباشر على هذه الشخصية ودورها، ومن ثم كان لي صداقات وعلاقات عمل ونشاط مع العديد من قياديي المنظمة وكوادرها، رغم انحسار دورها السياسي والشعبي والاعلامي، وكنت انتظر دوماً صدور التقرير السياسي عن المنظمة وما يصدر عنها من منشورات ومطبوعات، وكنت أشعر دوما أن هناك إضافات مهمة في فهم الواقع السياسي، رغم أنني اختلف مع المنظمة في رؤيتها الفكرية والعقائدية والسياسية.
في الخلاصة كان محسن ابراهيم مدرسة مهمة في النقد والجرأء، وقد بنى جيلاً مهماً إلى جانب رفاقه في المنظمة، والأهم من كل ذلك كيف يمكن إستمرار هذه المدرسة النقدية والفكرية والحزبية، لأنها تشكل اضافة مفيدة في الواقع السياسي اللبناني والعربي رغم تراجع دورها لأسباب عديدة.
*صحافي وباحث في الحركات الاسلامية
Leave a Comment