محسن إبراهيم

محسن إبراهيم رفيق أبو عمار وقضية فلسطين في محطاتها حتى رمقه الأخير

فتحي أبو العردات*

قبل عام من اليوم رحل عنّا أحد أهم رموز النضال الوطني والقومي والأممي القائد المناضل الكبير محسن إبراهيم/أبا خالد، رفيق درب الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات والزعيم العربي الكبير كمال جنبلاط ورفيق القادة المناضلين الكبار جورج حاوي وجورج حبش وآخرين.

برحيل أبا خالد خسر لبنان وفلسطين والأمة العربية وكل الأحرار في العالم أحد آخر وأبرز رموز الحقبة الثورية العربية والعالمية، الذي دمج  بين التحرر الوطني والقومي والأممي والنهج اليساري التقدمي والإشتراكي.

تاريخ نضالي حافل، لا يمكن إختزاله ببضع كلمات أو أسطر، بدءاً بدوره في تأسيس حركة القوميين العرب وإسهامه الكبير في المعارك القومية الكبرى ومناهضة الإمبريالية العالمية، انطلاقاً من مصر العروبة ومعاركها ضد الإستعمار والتبعية، إلى الثورة الجزائرية الكبرى وحرب تحريرها ضد الإستعمار الإستيطاني الفرنسي، ومع ثورة اليمن وكنس الاحتلال البريطاني عن أرضها. وظلت فلسطين ونكبتها وقضيتها حاضرة في تفاصيل حياته النضالية حتى اليوم الأخير من حياته.

لم يكن محسن إبراهيم مجرد قائد عادي  في مسيرة حياته النضالية الطويلة، فقد كان شاهداً ومعاصراً للتحولات الكبرى في المنطقة العربية على امتداد أكثر من سبعين عاماً،  ونشأ في سن السادسة عشرة في أحضان حركة القوميين العرب التي التي شارك فيما بعد في تأسيسها في مطلع خمسينييات القرن الماضي، ، وكانت تلك أولى خطواته إلى فلسطين، حيث شارك مع القائد الفلسطيني التاريخي جورج حبش، ومجموعة أخرى من قادة كبار من ذلك التاريخ، فلسطينيين ولبنانيين وعرباً، متأثرين بالمناخ الذي إستولدته نكبة فلسطين في العام 1948، في تأسيس الحركة والإعلان عنها رسميا، عام 1956 ولم يلبث بعد بضع سنوات، أن احتلّ موقع الأمين العام للحركة، وتولى مع رفاق له قيادة فروعها وخصوصاً فرع لبنان، ونجح خلال فترة وجيزة في أن يبني صلة مع زعيم ثورة 23 تموز/يوليو 1952 بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مصر، وأصبح صديقاً مقرباً منه.

 وفي فترة لاحقة أسس منظمة الاشتراكيين اللبنانيين سنة 1968، ما لبث أن اندمج تنظيمه مع لبنان الاشتراكي ليشكلا منظمة العمل الشيوعي في لبنان عام 1970 وأصبح أمينا عاما للمنظمة.

وبعد إنطلاقة حركة “فتح” والثورة الفلسطينية المعاصرة، وهزيمة عام 1967 ومع بدء تواجد الفدائيين الفلسطينيين في جنوبي لبنان، وإقامة قواعد إرتكاز وإنطلاق وتصاعد العمليات الفدائية ضد الإحتلال الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة، أيد بشدة حق المقاومة الفلسطينية في الانطلاق من كل أرض عربية لها حدود مع فلسطين المحتلة، ليصبح شريكاً في تلك المقاومة التي قدّمت التضحيات وسقط منها الشهداء دفاعا عن لبنان.

وشارك مع الزعيم الوطني الكبير كمال جنبلاط في تأسيس جبهة الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية والتي تّوجت بالإعلان عن “الحركة الوطنية اللبنانية” التي شارك في صياغة برنامجها السياسي، والتي تحالفت مع الثورة الفلسطينية للدفاع عن سيادة وعروبة لبنان وشاركت في المعارك البطولية التي خاضتها القوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية ضد العدو الصهيوني وأطماعة التوسعية، إلى أن تولى مهام الأمانة العامة التنفيذية للمجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية، قبل وبعد اغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط.

حمل محسن ابراهيم طيلة حياته السياسية لواء التحرر والتغيير وبقي متمسكاً بالبرنامج الإصلاحي للحركة الوطنية الذي صاغ بنوده مع المعلم كمال جنبلاط.

وبعيد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982  ورغم عمق الجراح التي خلفها الغزو والاجتياح والعدوان الصهيوني وما تركته الحروب الأهلية في لبنان من ندوب في جسد الوطن، لم يهدأ محسن إبراهيم ولم يستكن ولم يرضخ للإحتلال، بل عاد ليلعب الدور الأساسي في تنظيم وإطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي صاغ بيانها الشهير مع الشهيد جورج حاوي، وأعلنا عن بدء مرحلة جديدة من المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني في 16 أيلول العام 1982 من منزل المعلم الشهيد كمال جنبلاط في المصيطبة وحقّقوا في مقاومتهم البطولية إنجازات تاريخية، تمثّلت باندحار جيش الإحتلال الإسرائيلي وإنسحابة بيروت ومن صيدا  ومن مختلف المناطق وصولا الى الشريط الحدودي تحت وطأة ضربات المقاومة وعلمياتها العسكرية البطولية والنوعية.

وسارع محسن إبراهيم وجورج حاوي إلى ملاقاة ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، وظل إبراهيم على صلة ورباط وثيق بالقائد التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية ابو عمار، وانتقل إلى تونس للعمل مع القيادة الفلسطينية،  تعبيراً عن الوفاء والالتزام بالقضية الفلسطينية، والقرار الوطني الفلسطيني المستقل.

وبقي على تواصل وتشاور دائم مع كل القيادات الفلسطينية، حول القضايا الهامة والملحة والتاريخية كافة، وكان يلتقي ابو عمار وأبو جهاد وقادة حركة “فتح” وقادة الفصائل الفلسطينية في تونس وفي اي مكان أو بلد تواجدوا فيه، وعمل جاهداً على رأب صدع الخلافات السياسية الفلسطينية في مراحل عديدة، وقاد الحوارات بين الفصائل والقوى الفلسطينية في تونس وعدن وصولاً إلى الجزائر، حيث نجح في الجمع بين وجهات نظر ومواقف الفصائل الفلسطينية، في أكثر من محطة حفاظاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية ووحدة البرنامج السياسي والأهداف الوطنية.

وحين نقل الرئيس الراحل ياسر إلى عرفات للعلاج إلى مستشفى بيرسي في باريس عام 2004، كان ابو خالد أول الواصلين إلى باريس لمتابعة وضعه واجرى العديد من اللقاءات مع الرئيس أبو مازن ومع عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” الأخ أحمد قريع/ابو علاء وعدد آخر من قادة “فتح” ومنظمة التحرير، وساهم في إنتقال سلس للسلطة في رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد وفاة أبو عمار.

وعن ياسر عرفات قال ذات يوم: «إنني لن أتزحزح عن رأيي في ياسر عرفات، بصفته واحداً من أشجع وأوعى القادة الوطنيّين العرب، وإنني من خلال معايشتي الحميمة له، فهمت جيداً لماذا وضعت الثورة الفلسطينيّة بين يديه مقود سفينتها التي تمخر بحار العرب والعالم وسط أمواج متلاطمة».

وكانت له علاقة نضال أخوية مميزة مع الرئيس  الفلسطيني محمود عباس /أبو مازن، وفي 23 فبراير 2017، منحه الرئيس أبو مازن وسام الاستحقاق والتميز الذهبي، تقديراً لتاريخه مع القضية الفلسطينية.

محسن ابراهيم ذاك المناضل العصامي الصامت، الذي بنى شخصيته السياسية بفكر يساري تقدمي حضاري مرتكز على مفهوم العروبة وهو القومي العربي في الأساس، ثم على مرتكز أساسي آخر هو القضية الفلسطينية حتى الرمق الأخير.

كثيرة هي مآثر الراحل محسن إبراهيم التي لا تُحصى ولا تعد، وقد غادرنا نحن وأشقاءنا في لبنان في وقتنحن فيهأحوج ما نكون لذاك المُفكر العبقري والسياسي الهادئ بعد حياةٍ  حافلة بالنضال والعطاء من أجل تحقيق المبادئ والاهداف التي آمن بها.

أحبه واحترمه الجميع وإن إختلفوا معه في السياسة أحيانا. رفيق كمال جنبلاط وياسر عرفات وجورج حبش وجورج حاوي وابو جهاد وداعا، وإنّا على العهد والوفاء وستبقى ذاكراك حاضرة في نفوسنا وقلوبنا وعقولنا تتناقلها الأجيال الفلسطينية جيلاً بعد جيل.

*أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان

Leave a Comment