محسن إبراهيم

محسن إبراهيم القائد العربي النموذجي

     عزّام الأحمد*

محسن إبراهيم القائد العربي اللبناني… الفلسطيني الذي لم يحِد عن الطريق التي اختارها طيلة حياته، منذ أن بدأ مسيرته النضالية في “قيادة حركة القوميين العرب” مع د. جورج حبش ورفاقهم دفاعًا عن الأمة العربية وفلسطين، متصدّيًا للأطماع الصهيونية ولكيانها العنصري وليد مصالح الدول الاستعمارية الغربية في المنطقة العربية بثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي الرابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. محسن ابراهيم ذو البصيرة الثاقبة والفكر القومي التقدمي المتنور، والذي لفت انتباه الزعيم الخالد عبد الناصر بآرائه، ونظرته الاستراتيجية في مواجهة القوى الاستعمارية الطامعة في أمتنا العربية، والذي رأى أن الأمن القومي العربي وحدة واحدة لا تتجزأ بالأمن القطري لهذا البلد أو ذاك البلد، وفق تقسيم سايكس بيكو الاستعماري. وكان أحد أبرز القيادات العربية من محيطها الى خليجها في دعم ومساندة حركات التحرر فيها، من ثورة الجزائر إلى الثورة الفلسطينية المعاصرة التي ارتبط بها باعتبار قضيتها قضية العرب المركزية الاولى في مجابهة الكيان الصهيوني الغاصب. آمن بالوحدة العربية من خلال مشاركته في قيادة “حركة القوميين العرب”. وبعد ما يسمى بالنكسة” في هزيمة 5 حزيران عام 1967 والتي تصادف ذكراها اليوم مع الذكرى الاولى لرحيله عنا، تفاعل بتفكيره المتنوِّر الذي لا يؤمن بالجمود، وكان أحد أبرز قادة التغيير في حركة القوميين العرب التي هزتهم هزيمة حزيران، رغم ملامح التغيير التي بدأت داخلها في بداية الستينات، وخاصة بعد تأسيس حركة فتح وانطلاقتها العسكرية في 1/1/1965. هذه العملية التي قادته إلى تأسيس منظمة العمل الشيوعي، وقائداً لها، وليصبح من أبرز القادة اللبنانيين في دعم الكفاح المسلح في مجابهة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وللأراضي العربية المحتلة الأخرى كوسيلة لتحريرها. وكان من أبرز الداعمين والمشاركين في احتضان الشعب اللبناني الشقيق للثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح، إلى جانب الزعيم الوطني كمال جنبلاط وبداية تشكيل الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية، التي ضمت الاحزاب والتنظيمات العربية من مختلف  الأقطار العربية. وقد انخرطت الاحزاب التقدمية اللبنانية في المقاومة وشكلت الكتائب المسلحة جنباً إلى جنب مع قوات الثورة الفلسطينية، وخاصة في الجنوب اللبناني المتاخم للحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، والتي شكلت فيما بعد القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، بعد أن بدأت تظهر ملامح المؤامرة على تواجد الثورة الفلسطينية من قبل القوى المدعومة من قبل بعض القوى الاقليمية، إلى جانب مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي اللبنانية والمخيمات الفلسطينية. وقد لعب القائد محسن إبراهيم دوراً بارزاً في وحدة التلاحم الفلسطينية اللبنانية الذي عُمَّد بدماء الشعبين اللبناني والفلسطيني. وكان مشاركاً على نحو متميز في صناعة القرار الفلسطيني، بل وشريك لقيادة فتح بشكل خاص، وهذا ما جعله الأقرب للشهيد الرمز أبو عمار، ليس فقط فيما يتعلق بالقوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية، وانما في صناعة القرار الفلسطيني نفسه الخاص بالقضية الفلسطينية، وعلاقاتها وتحالفاتها العربية والدولية. وحتى في حل الخلافات داخل القيادة الفلسطينية نفسها وخاصة داخل اللجنة المركزية لحركة فتح، التي أصبحت العامود الفقري للثورة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية، لأنه كان يرى أن فتح وتماسكها هما ضمانة استمرار الثورة الفلسطينية والمحافظة على منظمة التحرير الفلسطينية.

وبعد اجتياح القوات الاسرائيلية لجنوب لبنان وحصار بيروت عام 1982 كان إلى جانب الشهيد أبو عمار والقيادة الفلسطينية، ولعب دوراً بارزاً في قيادة الصمود متمسكاً بمبادئ التلاحم اللبناني الفلسطيني بكل صوره العسكرية والشعبية، وبوحدة القرار الرافض للخروج من بيروت بالرايات البيضاء، كما دعا البعض، وبقي إلى جانب أبو عمار حتى غادر بيروت مع قوات الثورة الفلسطينية بكامل لباسهم العسكري وأسلحتهم، وبشكل منظم وفق اتفاق دولي، شاركت فيه الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى بوداع، شارك فيه عشرات الآلاف من الشعب اللبناني الشقيق والقيادات الوطنية اللبنانية شركاء المواجهة والقرار.

وعندما انتقلت القيادة الفلسطينية الى تونس لم يغب عنها محسن إبراهيم، وبقي مستمراً في القيام بدور الشراكة معها في صناعة قراراتها المصيرية، بما فيها العسكرية والسياسية في ضوء المتغيرات التي حصلت، وخاصة شكل التواجد السياسي العسكري في لبنان، والمحافظة على المخيمات الفلسطينية، وسكانها بعد المجازر التي تعرضت لها في صبرا وشاتيلا.

كنت أتابع بحكم موقعي في حركة فتح كل هذه المسيرة، والتقي باستمرار مع الحبيب أبو خالد في زياراته إلى تونس وعمّان وغيرها… وعندما عادت العلاقات الرسمية الفلسطينية اللبنانية وافتتحت السفارة الفلسطينية وعُينت مشرفاً عام 2010 على العمل في الساحة الفلسطينية في لبنان، كنت حريصاً على اللقاء الدائم مع العزيز محسن إبراهيم لأستشيره بكل صغيرة وكبيرة، وفي كيفية العمل الفلسطيني في ظل المتغيرات الكبيرة التي حصلت لبنانياً وفلسطينياً بعد عام 1982… أتردد على مكتبه المتواضع لأسمع منه النصائح حول عملي في لبنان، وأنقل له تطورات القضية الفلسطينية التي كان يكلفني الرئيس أبو مازن بإبلاغها للأخ محسن إبراهيم، ولأسمع منه الراي والنصيحة حول كل ذلك.

فقدنا محسن إبراهيم ونحن بأمس الحاجة له وهو أحد فرسان العمل القومي المشترك ونموذج للحرص والتلاحم المصيري ليس للشعبين الفلسطيني واللبناني بل لكل أمتنا العربية.

فإلى جنات الخلد يا أبا خالد

وعهداً ستبقى في ذاكرتنا كل ما تعلمّناه منك

ونستمر بالمسيرة حتى تحقيق أهدافنا

في الحرية والاستقلال والتقدم.

*عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية

*عضو اللجنة المركزية لحركة فتح

Leave a Comment