*أرنست خوري
فور إعلان السلطات الفنزويلية فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة تمتد ست سنوات بأصوات 51.2% من الناخبين، صدرت مواقف لا يمكن قراءة الحدث من دون التوقف عندها، هنا بعضها:
“يجب أن يفهم نظام (نيكولاس) مادورو أن من الصعب تصديق النتائج… يطالب المجتمع الدولي والشعب الفنزويلي، بما في ذلك ملايين الفنزويليين في المنفى، بالشفافية الكاملة. تشيلي لن تعترف بأي نتيجة لا يمكن التحقق منها”. التعليق لرئيس تشيلي غابرييل بوريك، اليساري “جداً”. أما صاحب عبارة “من المهم إزالة أي شكوك حول النتائج”، فليس سوى لويس جيلبيرتو موريللو وزير خارجية كولومبيا التي يرأسها يساري راديكالي آخر هو غوستافو بيترو. شيخ اليسار اللاتيني، الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا (78 عاماً) استشعر سلفاً ما قد يفعله مادورو (61 عاماً)، هو الذي يعرفه منذ كان مجرد تلميذ في مدرسة هوغو تشافيز، فأعرب، قبل أيام من انتخابات الأحد الماضي، عن قلقه وخوفه من سير الأمور، انطلاقاً من معطيات لا تحتاج خبراء لتوقعها، منها الاعتقالات بالمئات لمناصري مرشّح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا، ورفض كراكاس استقبال طائرة تضم تسعة رؤساء ومسؤولين من أميركا اللاتينية لمراقبة انتخابات فنزويلا، وتلويح مادورو الأسبوع الماضي بحرب أهلية في حال لم يبقَ في منصبه. كلام وصفه لولا دا سيلفا بأنه “مروّع”، مقدماً لأحد ممتهني خطاب محاربة الإمبريالية (وهي عند معظم اليساريين حكر على الغرب)، درساً ليس مادورو مؤهلاً لهضمه: “على مادورو أن يتعلّم: عندما نفوز نبقى. وعندما نخسر نرحل”.
تشكيك من يجدر أن يكونوا حلفاء مادورو بنتائج انتخابات 28 يوليو يقول كم أن شعبوية هذا الرجل لم تعد تُطاق، حتى بالنسبة لأركان نادي اليسار الأميركي اللاتيني. والحال أن مادورو معروفٌ ببهلوانياته الكثيرة في السياسة وشعبويّته الأقرب إلى نسق دونالد ترامب، لكن لم تكن معروفة عنه قدرته على اجتراح المعجزات. دخلت فنزويلا انتخابات يوم الأحد باستطلاعات لمؤسسات محترفة سبر الآراء والإحصاءات منها مؤسسة إديسون للأبحاث، الشهيرة باستطلاعاتها في الانتخابات الأميركية، تتوقع فوز المرشح المعارض غونزاليس بنسبة 65% من الأصوات وحصول مادورو على 31%. مؤشّر “بودير أي ايستراتيجيا”، أُجري بين 15 و20 يوليو، ومنح الفوز لغونزاليس بنسبة 64%، في مقابل 21% لمادورو. مؤشر “هيركون كونسولتوريس”، للفترة نفسها، أظهر حصول غونزاليس على 63.3% في مقابل 29.8% لمادورو. أما الساخرون من استطلاعات رأي مؤسسات غربية وأميركية خصوصاً، على اعتبار أنها ستكون منحازة لمرشح المعارضة ضد مادورو، فلهم أن يتنبّهوا إلى أن ملاحظاتهم تلك لا علاقة لها بالسياسة وبحساباتها، لأن من يريد فوز مرشح ما لا يتوقع له نسبة 65% من الأصوات بل 52% أو 53% مثلاً أقصى حدّ، لأنّ نتائجَ تعطي نيات تصويت بفارق 30% و34% تُضعف من همّة ناخبي المرشح الذي يتمنون له الانتصار.
باسم محاربة الإمبريالية يمكن لشعبوي مثل مادورو أن يقتبس افتقار دونالد ترامب إلى أي فكرة مفيدة، ليتفرغ لإهانة فارق السن مع منافسه المعارض إدموندو غونزاليس أوروتيا البالغ 74 عاماً، فيتخذ “ديك المصارعة” لقباً انتخابياً رسمياً لحملته، غالّو بينتو بالإسبانية، للإشارة إلى قوته الجسدية بالمقارنة مع خصمه. وجه الشبه صارخ مع دعاية ترامب ضد جو بايدن قبل انسحاب الأخير. باسم محاربة الإمبريالية، يتم تهجير سبعة ملايين فنزويلي من البلاد منذ 2017 بحثاً عن ماء للشرب والغذاء في بلد هو صاحب أكبر احتياطيات من النفط في العالم بواقع 303.5 مليارات برميل. باسم محاربة الإمبريالية، يفقد هذا البلد الغني نصف حجم اقتصاده بين عامي 2014 و2020. باسم محاربة الإمبريالية، يصل تضخم أسعار السلع إلى مليون في المائة سنوياً (النسبة ظلت مليوناً بين عامي 2017 و2019). باسم محاربة الإمبريالية، تُرتكب جرائم كثيرة نعرف عنها في منطقتنا العربية مئات الأمثلة، ربما حدّث بشار الأسد نيكولاس مادورو عن بعضها عندما أبرق له مهنئاً عارضاً عليه تعزيز الدعم المتبادل. محقّ هو الرئيس السوري، ذلك أنّ نجاحات كتلك التي تسجلها سورية ــ الأسد وفنزويلا التشافيزية جديرة بالتبادل في الحقيقة.
*نشرت في العربي الجديد بتاريخ 31 تموز / يوليو 2024
Leave a Comment