اقتصاد

لبنان يدخل نفق الانفجار الاجتماعي – المعيشي من الباب العريض

كتب عماد زهير

    في ظل أزمة سياسية مستحكمة، بل مستعصية، على صعيد تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة تحظى بثقة المجتمعات المحلية والعربية والدولية، بدأت تظهر طلائع عملية رفع الدعم عن السلع الأساسية، بما هي المحروقات والأدوية والمواد الغذائية. لا أحد إلى الأن يستطيع التكهن بما ستكون عليه أسعار هذه المواد في الآتي من الأيام، هذا اذا ما توفرات في الأسواق، وهو أمر مشكوك فيه. لكن المؤكد أن البلد دخل في نفق لن يخرج منه سليماً، هذا اذا قيض له مشروع الخروج في مدى منظور، بالنظر إلى المضاعفات المعيشية والأمنية المرشحة للظهور تباعاً من خلال ما قد يرافق ذلك من فوضى أهلية منفلتة من كل عقال.

    والآن ليس من المهم رصد ما آلت وستؤول إليه أسعار الخبز وصفائح البنزين والمازوت والفيول أويل والعديد من أدوية الأمراض المستعصية، فضلاً عن المستلزمات الطبية، وكذلك أسعار اللحوم والفروج وغيرها من منتجات محلية أو مستوردة.. الأهم من ذلك كله أن رفع الدعم بات في خانة الممارسة الفعلية بعد أن فشلت عملية تأخيره خارجياً وداخلياً. ولعل الشكاوى المرتفعة من المواطنين حول الفوضى والعشوائية في الأسعار وفقدان الكثير من المواد أبرز دليل. وكذلك ترتفع شكاوى التجار بدورهم أيضاً من جرَّاء تأخير موافقات المصرف المركزي على طلباتهم التمويلية  لتأمين تلك  السلع الضرورية التي بات السوق بأمس الحاجة إليها.

    والفشل الذي أصاب سياسات العهد والحكومة في تأخير استحقاق رفع الدعم كان عربياً وداخلياً في الوقت نفسه. فبعيد منتصف شهر نيسان الماضي قام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بزيارة إلى دولة قطر طالباً النجدة منها لتمويل البطاقة التمويلية التي من شأنها التعويض على فئات اجتماعية واسعة، وتخفيف وقع عبء رفع الدعم عن مستلزماتها الحياتية اليومية. وهو المشروع الذي قال عنه دياب أنه يتوجه ليصل إلى حوالي 750 ألف عائلة لبنانية تحتاجه على نحو ملح.. وكان دياب يأمل أن يحصل من المسؤولين القطريين على وعود على الأقل تفتح على المساعدة للتخفيف من وقع الكارثة الزاحفة، لكن المحصلة وعد بدرس الموضوع. وعليه، فقد عاد بخفي حنين. قبل ذلك كان ينوي دياب زيارة العراق للحصول منه على إمدادات من الفيول أويل وغيره تقود إلى استمرار تغذية معامل التوليد بالطاقة اللازمة للاستمرار بإمداد المواطنين بالكهرباء لفترة مقبلة قصيرة مقابل خدمات طبية يحصل عليها المواطنون العراقيون في قطاع لبنان الصحي. ولكن الزيارة تأجلت إلى موعد لا يعلمه أحد. وما زاد الطين بلة هو القرار الذي أصدره المجلس الدستوري وأبطل بموجبه ما وافق عليه مجلس النواب لجهة تقديم سلفة لشركة كهرباء لبنان بقيمة  200 مليون دولار لشراء كميات من الفيول تكفي لمدة قصيرة فقط كي تتلافى البلاد الظلام الشامل.

   أيضاً وأيضاً حاول العهد وحكومة دياب وفريق المستشارين التمهيد لاستعمال أموال المودعين لمواصلة سياسة الدعم باعتبارها الطريق التي تؤدي إلى تأخير الاستحقاق إلى أجل محدود، قد يمكن خلالها اجتراح حل أو تشكيل حكومة تحمل على منكبيها هذا العبء. وكان عنوان المحاولة هو تخفيض نسبة الاحتياط الإلزامي للمصارف من 15 % إلى 12 أو 10% ما يؤدي إلى التصرف بنسبة تتراوح بين 3 أو 5% بالمئة من الأموال التي تضعها المصارف في المصرف المركزي كضمانة لأموال المودعين. وراهن كل من العهد و دياب معاً أن يمكنهما  هذا المبلغ من مواصلة التصرف بأموال المودعين لصالح متابعة الدعم. وقد تبين أن هذا المورد ليس سهلاً البتة في ظل ما يعانيه القطاع المصرفي عموماً، بدليل أن المعنيين جميعاً رفضوا هذا الخيار، بدءاً من المصرف المركزي إلى جمعية المصارف وكذلك المودعين. يضاف إلى ذلك إمكانية الطعن لدى مجلس شورى الدولة وحتى المجلس الدستوري بقرارات من هذا النوع. إذن يمكن القول ببساطة أن جميع الأبواب محكمة الاقفال أمام العهد وحكومة تصريف الأعمال في مواصلة الدعم، رغم ما هو معروف عن مصيره من تهريب إلى خارج الحدود واحتكارات وتلاعب من جانب التجار. لقد بات واضحاً على ألسنة جميع المسؤولين العرب والدوليين والأمميين إن لا مساعدات في ظل رفض إجراء اصلاحات سياسية وقضائية   واقتصادية باتت معروفة. ومدخل ذلك كله هو تشكيل حكومة موثوقة وخارج ترسيمة المحاصصة الطوائفية.

     وعلى طريقة أن المصائب لا تأتي فرادى بل جماعات، جاء قررا المملكة العربية السعودية الذي تحول إلى قرار خليجي عام، بمنع استيراد المنتوجات الزراعية اللبنانية من خضار وفواكه بعد اكتشاف فضيحة تهريب الكبتاغون بالرمان المستورد. وهي الفضيحة التي حاول الحكم والحكومة مجتمعين ومنفردين لفلفتها دون نجاح يذكر، خصوصاً بعد أن تبين أن هذه الشحنة ما هي الا رأس جبل الجليد في عمليات متواصلة ومزدهرة لغزو السوق العربي والدولي بالمواد المخدرة، سواء أكانت مصنعة محلياً أو مستوردة.   

    المعطيات والمؤشرات التي تنشرها الهيئات المالية والاقتصادية الدولية تؤكد أن لبنان في ظل غياب التسوية السياسية يتسارع خط انحداره البياني نحو الانفجار المعيشي والاجتماعي الكبير. وتتجلى مظاهر هذا التسارع في حجم الانكماش وتعدد الصدمات التي يتعرض لها على أكثر من صعيد. ولعل أبرزها دون منازع كان انفجار المرفأ الذي تجهد بعض قوى الأمر الواقع والمسؤولين للفلفة التحقيق بشأنه، واعتباره مجرد تقصير إداري، فضلاً عن تفشي وباء كورونا وتفلت أسعار صرف الدولار في ظل عجز المصرف المركزي عن كبح جماحه. ويتوقع تقرير أصدره البنك الدولي في 19 الشهر الماضي أن تتفاقم صعوبات الحياة اليومية لتطال أكثر من  50 % من سكّان لبنان الذين أصبحوا تحت خطّ ​الفقر​، حيث باتت العائلات تواجه صعوبة في تأمين الطعام العادي، والإستحصال على خدمات الصحّة والإستشفاء وغيرها من الخدمات الأساسيّة، إضافةً إلى ارتفاع مستويات البطالة وانهيار قيمة الأجور وفقدان المعاشات قدرتها الشرائية.

    وبحسب “البنك الدولي”، فقد إرتفعت مستويات البطالة من 28% مع نهاية شهر شباط 2020 أي قبل مرحلة تفشّي فيروس “كورونا” إلى 40% في شهر كانون الأوّل، وعرض “البنك الدولي” لوقائع الانكماش​ الحادّ في النشاط الإقتصادي في العام 2020 حيث تراجعت رخص البناء بنسبة 33.4% سنويّا خلال الأشهر التسعة الأولى منه، وإنكمشت تسليمات ​الإسمنت​ بنسبة 48.3% خلال الفترة نفسها.

   أما الناتج المحلّي الإجمالي للفرد فقد تراجع بنسبة 40% خلال الفترة الممتدة ما بين العام 2018 والعام 2020، ومن المتوقّع أن ينخفض أكثر. وبالتالي، فمن المرجّح أنّ يخفّض البنك الدولي تصنيف لبنان من حيث الدخل من اقتصاد يتمتع بدخل متوسّط أعلى إلى الشريحة الدنيا من الجدول المعتمد.

هذا قليل من كثير ينتظره اللبنانيون في ظل “العهد القوي” الذي لم يعرف اللبنانيون شبيها له مما مرَّ من عهود. ومعه هذه الطبقة المافياوية التي قادت وتقود البلاد إلى جوع فعلي يتجلى في التهافت والتقاتل من أجل الصحول على كلغ رز أو سكر مدعوم أو انتظار صندوقة إعاشة في ما البلاد تواجه خراب محتوماً.

Leave a Comment