غسان صليبي
للحروب ثوابتها: القتل والتهجير والتدمير والترهيب، والباقي تفاصيل يتحجج بها الأقوى لتبرير إخضاعه للأضعف.
*****
في اللحظة التي تبدأ فيها الحرب، يسقط دفعة واحدة كل ما تحججت به لتبرير نفسها.
*****
عندما يتفاوضون في الحروب لفتح “ممرات انسانية” بهدف إجلاء المدنيين، كما يفعلون منذ زمن في سوريا، وكما يفعلون اليوم في أوكرانيا، انما هم في الواقع يعترفون أن ما يقومون به هو غير إنساني.
*****
إكتشف أميركيون وأوروبيون بالاحتكاك المباشر، أن النازحين الاوكرانيين ليسوا كالنازحين العراقيين أو السوريين، بل هم يشبهون الغربيين في البشرة والعادات والدين، وبالتالي يستحقون التعاطف معهم، يا ليتهم يكتشفون أيضا انهم كانوا يتعالون
على مواطني أوروبا الشرقية، وانهم لا يتعاطفون مع من يختلف عنهم بالبشرة والعادات والدين، في فلسطين وسوريا والعراق واليمن والسودان، وأنهم ربما لا يتعاطفون مع الآخرين، الا اذا تقاطعت مصالحهم المباشرة ومصالح بلادهم مع مصالح هؤلاء.
*****
يتهم العربُ الغربَ بالعنصرية واللامبالاة تجاه معاناة شعب فلسطين وسوريا والعراق واليمن، يا ليتهم يتّهمون أنفسهم أيضا، لأنهم لا يتعاطفون مع الشيعة، الا إذا كانوا شيعة، أو مع السنة الا إذا كانوا سنة، أو مع المسيحيين الا إذا كانوا مسيحيين،أو مع المسلمين الا إذا كانوا مسلمين، أو مع العرب الا اذا كانوا عرباً وليسوا أكراداً أو امازيغاً، يا ليتهم يعترفون انهم مذهبيون وطائفيون وعنصريون.
*****
يبرر شيوعيون غزو روسيا لأوكرانيا بإعتبارات استراتيجية إقتصادية – سياسية
وبضرورة التوازن الدولي، يا ليتهم يفهمون أن جوهر النقد الاشتراكي والماركسي تحديداً للرأسمالية، هو إعلاؤها شأن الإعتبارات الاقتصادية والسياسية على حساب
الإعتبارات الإجتماعية والإنسانية.
*****
يتعاطف المتباكون على الاتحاد السوفياتي مع روسيا ضد اوكرانيا، يا ليتهم ينتبهون
أن أوكرانيا كانت هي أيضاً جزءاً من الاتحاد السوفياتي الذي لا زالوا يتذكرون.
*****
يتعاطف الغربيون مع الشعب الأوكراني لأنه يعاني من الحرب والاحتلال، يا ليتهم يدركون أن الشعب الروسي يعاني أيضاً من العقوبات الاقتصادية التي يفرضونها على روسيا، فيراقبون أكثر سياسات حكوماتهم ويغربلون العقوبات، وينتقون منها ما يضغط فعلا على سلطة بوتين، ويتجنبون ما يؤذي الشعب الروسي والشعوب الآخرى، والشعوب الاوروبية من بينها، والتي ستتأثر هي أيضا معيشياً بهذه العقوبات، من خلال زيادة الانفاق على التسلح وتخفيضه على الانفاق الاجتماعي
المترافق مع الغلاء، كل ذلك فيما تقطف الإمبريالية الأميركية ثمار هذه السياسات.
*****
قرر بوتين فتح ممرات عسكرية للسوريين، الذين سيرسلهم النظام السوري لمساندة الجيش الروسي، كعربون شكر لما قام به دعما للنظام السوري، يا ليت المرتزقة السوريين ينتبهون أن ما سيقومون به يشبه تماماً ما قام به المرتزقة الأصوليون الارهابيون، الذين جاؤوا من بلدان أخرى للمشاركة في الحرب السورية، ويا ليتهم يدركون أنهم في أوكرانيا لا يحاربون الأميركيين، ولا الارهابيين، بل الشعب الاوكراني الذي يدافع عن أرضه، والذي يريدون تهجيره كما تهجّر الشعب السوري.
*****
– ما الذي سيحصل للرئيس؟
ـ أي رئيس؟
ـ بوتين.
ـ لماذا تسأل عن بوتين ولا تسأل ماذا سيحصل للاوكرانيين المحاصرين في الملاجىء؟
– هؤلاء يهود.
– هل انت عوني؟
– أنا ماروني.
يا ليته يعرف هذا المتلطي خلف المارونية، لأن “العونية” كما يبدو أصبحت صفة مخجلة حتى في كسروان، يا ليته يعرف أن الأكثرية الساحقة في أوكرانيا هي مسيحية، وأن نسبة اليهود لا تتجاوز الـ ٣ بالمئة من الشعب الاوكراني، وأن بوتين من اكبر الداعمين لإسرائيل.
*****
من تراه قادر بعد أن يفتح لنا ممرات انسانية في ظل هذا الخراب الفكري والعاطفي؟ من بإستطاعته إزالة هذا الكم الهائل من دُشم الحقد والقساوة والغباوة من الممرات الانسانية؟
Leave a Comment